إذا تحدثنا عن يسر الإسلام في الصلاة فمن الجليّ القول بأن الله “العليّ القدير” قد فرض على العباد الصلاة، يتقربون بها إليه، ويتخذونها طريقًا لإعانتهم على الدنيا، فالمسلم إذا أقبل على الصلاة، من المفروض، أن يلقي كل ما أثقل عاتقه جانبًا، ويهب روحه، وعقله، وفؤاده من أجل الصلاة.
والإنسان المسلم لا يكتمل إسلامه إلا بالصلاة، لأن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي أفضل الأعمال عند الله بعد الشهادتين؛ فالمسلم يختلف عن غيره من الأمم الأخرى بالصلاة، فبها يتميز، وبها تغدو حياته أفضل، وهي السبيل بين العبد وربه، وهي التي تنير الحياة وتجعل الدنيا أخف من الريشة على قلوبنا، لأننا بها نعلم أن الله يسمعنا، ويعلم ما في قلوبنا، وهو بلا شك مجيب “إن شاء الله”.
والصلاة في معناها اللغوي تقترب كثيرًا في المعنى الاصطلاحي في الشريعة الإسلامية، فهي في اللغة تعني: الدعاء وتعني أيضًا العبادة، وأصلها: صلى، يصلي، والأمر: صلِّ، والمصدر: صلاة، وليس تصلية.
وفي اصطلاح الشريعة الإسلامية، فإن معناها: عبادة الله بأقوال وأفعال محددة، تبدأ بالتكبير، وتنتهي بالتسلييم، وسميت بالصلاة لأنها لا تخلو من الدعاء؛ بل إن الصلاة في الشريعة الإسلامية فيها من العبادات ما يجاوز حد الدعاء، فالصلاة من بداية التكبير تتضمن قراءة القرآن (فاتحة الكتاب وما تيسر للمصلي من السور)، والذكر الحلو على اللسان والقلب أثناء الركوع والسجود، والدعاء في السجود وفي التسليم، ثم الصلاة على النبي “صلى الله عليه وسلم” ثم تنتهي الصلاة بالتسليم.
ما رأيك أن تقرأ أيضًا
والصلاة رمز لكل ما يحمل السعادة والرضا في قلب المسلم، الصلاة هي البركة والخير التي تُضفى على رزق المسلم، ليس في المال فقط، بل في الأولاد، والمال، وكل شيء من نعم الله التي يرزق بها. والصلاة هي المغفرة التي نحتاجها بشكل دائم، فإن أيامنا لا تخلو من المعاصي، القلوب تتقلب كثيرًا، والألسنة قد تفلت بما يغضب الله، والأبصار لا تُحجب بمثالية، وحتى النية قد يشوبها معاصي، فالإنسان بالصلاة يُغفر ذنوبه. والصلاة فيها تعظيم لله، فالله الذي فطرنا في أحسن صورة، وأدخل في حيواتنا النعم، والرزق والبركة والرضا، والله هو صاحب الفضل الأول فيما نحن عليه، وبالصلاة فإنا نحمده ونشكره على كل تلك النعم، ونطلب منه العون في الدنيا، وأن يزيد من نعمه علينا في الخير، وأن يبعد عنا غضبه، لأن في طرفة عين قد يصبح الإنسان كأنه لا شيء.
والصلاة تعدل في نفس المسلم ما اعوج منها، فالإنسان بالصلاة يهب نفسه الهدوء، بل ويعطي نفسه برهة من الوقت يستعيد فيها نفسه ويفكر في كثير من أمور حياته بالتسامح والرضا، فلا تجده يحقد أو يكره أو يسعى للانتقام. وأخيرًا الصلاة هي الصلة الوثيقة بين العبد وربه، لا يجب أن يخلو منها اليوم، فالإنسان لرب بيته أو رب عمله يلبي النداء في أسرع وقت إذا دُعي، فما باله برب الكون، الذي فطر السماوات والأرض، وأودع فيها مظاهر عظمته التي تعجز العقول عن وعيها.
إن الصلاة لا تقتصر في معناها على العبادة والدعاء، وإقامة الفرض بإهمال وسرعة حتى ينتهي المسلم من واجبه ويخلص، لكن الصلاة تشمل من المعاني الروحية ما يمكن أن تجعل الإنسان يهيم في سماء من السعادة والرضا، لا يخاف شيء ولا يهاب شيء، لأنه إن خاف فإنه يخاف الله، وإن أهاب فإنه يهاب رب العباد. إن الصلاة معناها القدرة على خوض الحياة بنفس عزيزة لا تُذل إلا لله، ولا تنحني إلا في الركوع إلى الله، والذُل لله والركوع له خير كبير يجزي الله به خير الجزاء.
يسر الإسلام في الصلاة
من المسلمين من يتكاسل عن الصلاة لأسباب ضعيفة جدًا مقابل ما يمكن أن تعطيه الصلاة الصحيحة من الأفضال والخير في حياة المسلم، فمنهم من يفضل عمله على قضاء الصلاة، ويعزم أن يؤدي الفريضة بعدما ينتهي مما يشغل يداه، وهو قادر على أن يترك كل ما في يده ويصلي، ولكنه يأبى، مبررًا، ويضيع منه وقت الصلاة، ولا يستشعر حلاوتها كما يجب أن يستشعرها في وقتها. وشباب اليوم أصبحوا يلتهون في مظاهر اللهو والتكنولوجيا وغيرها من المظاهر، مما يجعل الأذان يمر على سمعهم مر الريح، لا يدرون بحلول موعد الصلاة، ولا يولونها اهتمام، بل قليلًا منهم من تجده يعلم موعد الصلاة في كل يوم، وأنا أعلم أن ذلك الشاب، أو ذلك المتكاسل، أو ذلك العامل، إذا علم فضل الصلاة وثوابها، نفض عن نفسه ما يشغله، وقام ليؤدي الصلاة في وقتها مستمتعًا بكل حرف يقوله في الصلاة، متقربًا إلى الله بكل جوارحه.
فضل الصلاة
الصلاة تنهى المسلم عن الفحشاء والمنكر، فالمصلي يرى بعين قلبه ما يصح أن يفعله، وما يجب أن يبتعد عنه حتى لا يوقع نفسه في المعاصي، ولذلك فإن الصلاة تهدي دائمًا من يؤديها، وتدفعه إلى الطريق المستقيم.
وإذا عرج المسلم في شيء من معصية، فإن الصلاة تكفر الذنوب، إن الإنسان يصلي فيستغفر فيغفر الله ذنوبه، ثم يدب في الأرض على أي حال بين الأفعال الصحيحة والخطأ، حتى يحين موعد الصلاة الثانية، فيصليها ويستغفر، فيغفر الله له، وهو بذلك كفر عن ذنوبه، فكأن صفحته بيضاء لا تشوبها شائبة.
غير أن الصلاة هي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة. تخيل أنك تخاف الامتحان، وأنت تعلم أول سؤال ولا تستذكر له جيدًا، أي غباء هذا!
والله وعد من يقيم صلاته، محافظًا عليها بالجنة، ومن يتقاعس عنها يصلى النار. والصلاة، لا غرو، ترفع من درجات المسلم يوم القيامة.
إن أفضال الصلاة لا تعد، وبُرهن عليها في الكتاب والسنة، فالمسلم لا يجب أن يتغافل عنها، بل يحاول بكل جهده أن يحافظ عليها.
وإذا قال أحدهم: أن الصلاة صعبة غير يسيرة، وعددها كثير في اليوم، أذكره أن الصلاة فرضت في ليلة الإسراء والمعراج، وأول ما فرضت كانت خمسين صلاة في اليوم، لكن برحمة الله، وشفاعة سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم” وسماحة الإسلام، أصبحت الصلاة المفروضة خمس صلوات في اليوم، غير النوافل التي يتقرب بها العبد المسلم من ربه اقتداء بسيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم”
وفي الشريعة الإسلامية مظاهر متعددة من مظاهر التيسير في الصلاة، منها:
- أن الإسلام سمح بتخفيف الصلاة، وعدم الإطالة في الركوع والسجود، لأن الصلاة تشمل المريض وكبير السن.
- وأعفى الإسلام النساء في حالة الحيض والنفاس من الصلاة، ولم يُلزمها بالقضاء، نظرًا لما تعانيه المرأة من آلام شديدة تمنعها عن تأدية الصلاة في وقتها.
- وخفف الله على المريض الطريقة التي يجب أن يؤدي بها الصلاة، فإن لم يستطع أن يؤديها واقفًا، فليؤديها قاعدًا، وإن لم يستطع، فليؤديها مستلقيًا على جهته اليمنى، موليًا وجهه للقبلة، وقد يقضي المريض صلاته إيماءً برأسه في الركوع والسجود.
- وأباح الإسلام قصر الصلاة في حالة السفر، كما يجوز تأخير صلاة المسافر إلى بعد انتهاء الرحلة، أو يصلي وهو في مقعده.
- كما يسر الإسلام صلاة المسافر بالسفينة، بأن يتحرى القبلة قدر المستطاع ويقيم صلاته.