إن الهجرة النبوية من أهم الأحداث التي مرت على المسلمين؛ فقد كان لها تأثيرًا واضحًا في تغيير مجرى الدعوة الإسلامية، وخطوة أساسية لظهور الدعوة الإسلامية إلى النور، وكان هذا الحدث هو الشرارة الأولى لقيام الدولة الإسلامية بعظمتها وبهاءها، لذلك كان من المهم أن نسلط عليها الضوء ونحاول أن نبين ما فيها من الأحداث الجميلة التي تدل على عظمة الإسلام، ورجاحة عقل الرسول “صلى الله عليه وسلم” في حمل لواء الإسلام إلى العالم العربي.
وفي هذا المقال أحاول أن أسرد نبذة مختصرة عن الهجرة النبوية: موعدها ووقتها، وأهم أسبابها، ثم نخوض قليلًا في أهم الأحداث التي انتهت بهجرة الرسول “صلى الله عليه وسلم”، ثم أختم بالدروس المستفادة التي يجب أن نضعها في عين الاعتبار من موقف النبي محمد “صلى الله عليه وسلم” من المشركين وهجرته.
وقت الهجرة
أذن الله لرسوله “صلى الله عليه وسلم” لرسوله بالهجرة إلى المدينة (يثرب) في العام الثالث عشر من البعثة، وكان الرسول حينها في الثالث والخمسين من عمره.
ونظرًا لما كان للهجرة النبوية من الأحداث التي تمثل منعطفًا في تاريخ الدعوة الإسلامية، أصبح عام الهجرة هو العام الذي ابتدأ به التقويم الهجري كما أمر عمر بن الخطاب “رضي الله عنه”. وقد لبث الرسول “صلى الله عليه وسلم” في هجرته عشر سنين، بعدما عاش في مكة ثلاث عشرة سنة يستقبل الوحي.
قال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا مطر بن الفضل حدثنا روح بن عبادة حدثنا هشام حدثنا عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين.
أسباب الهجرة النبوية
إن الأسباب التي نلتمسها في سيرة الرسول “صلى الله عليه وسلم” أدت إلى هجرته “صلى الله عليه وسلم” إلى المدينة المنورة، يمكن أن نوجزها في الآتي:
- أولًا: اشتداد الأذى على الرسول “صلى الله عليه وسلم” من المشركين، فقد كانوا يكيدون له المكائد ويتربصون به، هو وأصحابه، وقد يصل الأمر إلى تعذيبهم بأبشع الطرق حتى يرجعوا عن دين الإسلام؛ لكنهم كانوا رغم ذلك متمسكين بدين الإسلام إلى أبعد حد، وخير مثال على ذلك: بلال بن رباح؛ فقد كان المشركين يضعون صخرة على بطنه ويحثونه على الرجوع عن دينه، فلا يجدوا منه “إلا قوله: أحد أحد، ومن الأمثلة أيضًا: آل ياسر؛ فقد لاقوا من العذاب ما لا يطيقه بشر، لذلك وعدهم الرسول “صلى الله عليه وسلم” بالجنة، فقد قال “صلى الله عليه وسلم”: (صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة).
- ثانيًا: تآمر قريش على المسلمين؛ فقد كتبوا صحيفة سميت (صحيفة المفاطعة) وكان مضمونها ألا يتزوجوا منهم أو يروجوهم، أو يبيعوهم أو يبتاعوا منهم، ومنعوا عنهم أموالهم وطعامهم حتى كان المسلمون يأكلون من أوراق الشجر من شدة جوعهم.
- ثالثًا: اتفاق المشركين على قتل النبي “صلى الله عليه وسلم” إذ أنهم بعد هجرة الصحابة إلى المدينة المنورة، ولم يبق في مكة إلا الرسول “صلى الله عليه وسلم” ونفر من أصحابه منهم: علي بن أبي طالب، اجتمع المشركين من قريش في دار تسمى (دار الندوة) واعتزموا التربص بالرسول “صلى الله عليه وسلم” حتى يقتلوه، كما اتفقوا على قتله جميعًا بضربة رجل واحد، فيتفرق دمه على القبائل، لكن الله أوحى إليه ألا يبيت في فراشه، وجعل علي بن أبي طالب ينام في مكانه، وغشى الله “سبحانه وتعالى” أعينهم، ومر الرسول “صلى الله عليه وسلم” من بينهم دون أن يروه.
- رابعًا: أن الهجرة فرض على كل الأنبياء حتى ينشروا دعوتهم ويحموا أنفسهم من بطش الأعداء؛ فكما هاجر الرسول “صلى الله عليه وسلم” إلى المدينة المنورة، هاجر قبله سيدنا نوح “عليه السلام”، وسيدنا إبراهيم “عليه السلام” وسيدنا موسى “عليه السلام”، لذلك فرضت الهجرة عليهم حتى ينشروا الدعوة في ربوع الأرض، ويحموا أنفسهم من بطش الظالمين.
- خامسًا: أن المدينة المنورة، لعدة أسباب، كانت مهيئة لقبول دعوة الإسلام، ونظرًا لضرورة بناء الدولة الإسلامية، وانتشار دين الإسلام بين الناس، اختار الرسول “صلى الله عليه وسلم” المدينة المنورة، وهي يثرب، حتى يهاجر إليها وتكون موطنه لبناء الدولة الإسلامية، وقد استقبله الأنصار بحفاوة شديدة مرحبين به، ومضحين من أجله.
أحداث الهجرة
حينما اشتد أذى المشركين على الرسول “صلى الله عليه وسلم” وأصحابه، عرج إلى الطائف يرنو إلى قبيلة ثقيف، يلتمس عندهم النصرة لدينه؛ نظرًا لأن ثقيف فيها الكثير من قومه، لكنهم قابلوا دعوته بالشدة والغلظة، وكانوا يقذفونه بالحجارة فيحميه زيد بن حارثة من بطشهم، حتى عاد الرسول “صلى الله عليه وسلم” إلى مكة مرة أخرى.
فاختار الرسول “صلى الله عليه وسل” أن يعرض نفسه على القبائل ليستقبلوه وينصروه، حتى قابل “صلى الله عليه وسلم” ستة من الخزرج من المدينة (يثرب)، وقد أمرهم شديدًا؛ إذ كانوا يتوعدهم اليهود بقتلهم بنبي آخر الزمان، فعرض الرسول “صلى الله عليه وسلم” عليهم الإسلام، فأسلموا، ثم عادوا إلى المدينة ينشرون فيها دعوة الإسلام، حتى تفشى خبر الرسول “صلى الله عليه وسلم” وخبر الإسلام في كل بيوت الأنصار، وفيه العام الذي تلى ذلك بايع اثنى عشر رجلًا من الأنصار الرسول “صلى الله عليه وسلم” في العقبة بمنى، وسميت ببيعة العقبة الأولى.
ثم بعث الرسول “صلى الله عليه وسلم” مصعب بن عمير مع من بايعوه من الأنصار، حتى يعلمهم القرآن ودين الإسلام، فأسلم على يديه الكثيرين وانتشر الدين الإسلامي في المدينة المنورة بشكل أكبر، ودخل معظمهم في الإسلام.
وبعد رجوع مصعب بن عمير إلى مكة، خرج ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان من الأنصار إلى مكة في موسم الحج، وطلبوا من الرسول “صلى الله عليه وسلم” أن يبايعوه، فبايعهم الرسول “صلى الله عليه وسلم” وكانت بيعة العقبة الثانية.
وبعد ذلك اشتد البلاء وأذى الكفار على الرسول “صلى الله عليه وسلم” فأذن له الله بالهجرة إلى المدينة، فأذن الرسول “صلى الله عليه وسلم” بدوره لأصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة على أن يلحق بهم.
وبدأ الصحابى يهاجرون إلى المدينة المنورة خفية خشية أن يراهم المشركين، تاركين وراءهم كل ما يملكون من أموالهم وبيوتهم، مكتفين بدينهم وعقيدة الإسلام التي يدينون بها إلى الله.
ولم يبقى في مكة إلا الرسول “صلى الله عليه وسلم” ومعه نفر من أصحابه هما: علي بن أبي طالب، وأبو بكر الصديق “رضي الله عنهما”، فلما علم المشركين بخروج المسلمين، اجتمعوا في دار الندوة بهدف الاتفاق على قتل الرسول “صلى الله عليه وسلم”، لكن الله “سبحانه وتعالى” أوحى إلى النبي عن طريق جبريل “عليه السلام” ألا ينام في فراشه هذه الليلة، ونام في مكانه علي بن أبي طالب، ونجى الرسول “صلى الله عليه وسلم” من مكيدة المشركين وهاجر إلى المدينة مع أبي بكر الصديق، ثم هاجر علي بن أبي طالب بعدهم إلى المدينة بعدما وفى الأمانات إلى أصحابها، وجاءته رسالة من الرسول “صلى الله عليه وسلم” بهجرته إلى المدينة.