إن لقمان الحكيم، من عباد الله الصالحين، الذي وهبه الله الحكمة، وذُكرت حكمته ووصاياه لابنه في القرآن الكريم، وهذه الوصايا لابد أن ننظر إليها بعين التأمل والتدبر، ويجب أن نتفكر فيها ونأخذ منها العظة ونطبقها في حياتنا.
وفي هذا المقال أسلط الضوء على لقمان الحكيم، من هو؟ وأين كان يعيش؟ والتعريف العام به وبعمله، ثم نلقي الضوء على بعض وصاياه وننظر إليها بعين التأمل والتدبر، حتى يتسنى لنا تعلم الأخلاق من خلال أسطر قليلة، ونستقي من وصاياه العظة اللازمة، والنصح الحكيم المنزل من عند الله “سبحانه وتعالى”
من هو لقمان الحكيم؟
لقمان الحكيم، هو عبد صالح من عباد الله، عاصر سيدنا داوود، وتلقى منه العلم ووهبه الله الحكمة لما تلقاه من العلم، وكان يعيش في مصر بأسوان، وقد اُختلف في مهنته؛ فمنهم من قال أنه كان نجارًا ومنهم من قال أنه كان خياطًا ومنهم من قال أنه كان راعيًا، وقد عمر في الأرض بحكمته حتى زمن يونس عليه السلام.
وقد قال الرسول “صلى الله عليه وسلم” عنه: (إن لقمان الحكيم كان يقول: إن الله عز وجل إذا استودع شيئًا حفظه). كما قال “صلى الله عليه وسلم” عنه: (إن لقمان كان عبدًا كثير التفكر، حسن الظن، كثير الصمت، أحب الله فأحبه الله، فمن عليه بالحكمة).
ولذلك أصبح توفيق الحكيم خليفة في الأرض، وذُكر بعض من وصاياه النافذة في القرآن الكريم.
حكمة لقمان
أول ما جاء من حكمة لقمان: حين كان مع سيده، فدخل سيده الخلاء وأطال فيه الجلوس، فقال له لقمان: (إن طول الجلوس على الحاجة تنجع منه الكبد، ويورث الباسور، ويصعد الحرارة إلى الرأس، فاقعد هوينا، وقم). فخرج سيده وكتب حكمته على باب الخلاء.
ومما جاء من حكمته أيضًا: حين جاءه مولاه بشاه، وقال له: اذبح لنا هذه الشاة، فذبحها لقمان، فقال مولاه: أخرج أطيب مضغتين فيها.
فأخرج لقمان اللسان والقلب، فمكث مولاه ما شاء الله ثم قال: اذبح لنا هذه الشاة، فذبحها لقمان، فقال له مولاه: أخرج أخبث مضغتين فيها، فأخرج لقمان اللسان والقلب، فقال له مولاه: أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فيها فأخرجتهما، وأمرتك أن تخرج أخبث مضغتين فيهما فأخرجتهما، فقال لقمان: إنه ليس من شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا).
وفي هذا الموقف يتضح مدى عمق فلسفة لقمان الحكيم وحكمته، ويرينا بمثال حي ما يمكن أن يؤدي اللسان والقلب بالإنسان في حياته؛ فإذا كان صالح القلب واللسان بين نفسه والناس أصبح محبوبًا طيبًا، وإذا فسد ما فيه قلبه وما على لسانه، أصبح مكروهًا بين الناس موسومًا بالخبث.
نظرات في وصايا لقمان التي جاءت في القرآن
قال “تعالى”: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).
وفي الآيات الكريمة يوصي لقمان ابنه عدة وصايا نحتاج إليها في حياتنا حتى نتم بها أخلاقنا، وننال بها الجنة عند الله “سبحانه وتعالى” ونرتقي فيها بهذه الوصايا إذا كان لنا حظ من تنفيذنا.
وأول وصية من لقمان لابنه: ألا يشرك بالله؛ فالشرك بالله فيه ظلم عظيم لنفسه، وإذا نظرنا في المشركين، أو الذين لا يؤمنون بوجود الله، نجدهم فاسدين متخبطين في الدنيا لا يعرفون طريقًا محددًا فيه النفع والخير، وحياتهم دائمًا عكرة تشوبها الابتلاءات جراء تخبطهم في سائر أمور الحياة دون أن يكون له عقيدة ثابتة وقوانين تثبته في الطريق القويم، ويرجع إليها إذا اختلطت عليه الأمور في شئون الحياة كافة.
والوصية الثانية من لقمان لابنه: أن يبر والديه؛ لما لهما من الفضل العظيم عليه، لا سيما أمه، فقد حملته في بطنها في تعب وضعف، وتحملت كل ذلك من أجل أن يخرج سليمًا معافى في خلقته الكاملة التي خلقه الله عليها، وسهرت بجانبه ترضعه وتطعمه حتى بلغ فطامه في عامين، وهذا ما يدفع الإنسان على دوام شكر الله وشكر الوالدين، وأن يطيعهما في كل الأمور إلا في حالة واحدة فقط، هي الشرك بالله، ورغم ذلك عليه أن يصاحبهما في الدنيا بالمعروف.
والوصية الثالثة من وصايا لقمان الحكيم لابنه: وفيها يبرهن لابنه على قدرة الله “سبحانه وتعالى” ومدى ما يكون قادرًا عليه “جل وعلا” لذلك يجب أن يخشاه ويؤمن به، طالبًا مرضاته، وساعيًا من أجل حبه وجنته، وألا يعرج إلى الأفعال الشريرة سواء في الجهر أو العلن لأن الله يعلم كل شيء يدور في الدنيا، لذلك من الأولى أن يتخذ الله رقيبًا عليه.
وفي الوصية الرابعة يوصي لقمان الحكيم ابنه أن يقيم صلاته، فبالصلاة يلجأ الإنسان إلى ربه، وتعم السكينة والهدوء نفسه، ويصبح سعيدًا بعيدًا عن شقاء الدنيا وما يلاقيه فيها من المتع الزائلة.
ذلك إلى جانب ضرورة الأمر بالمعروف، والأمر بالمعروف هو طريق الصواب والحق الذي علمنا الله إياه وأرشدنا إليه عن طريق أنبيائه ورسله، وإن الأمر بالمعروف دائمًا ما يصاحبه نهي عن المنكر، وكل ذلك بالحكمة والجدل الهادئ والموعظة الحسنة، وأن يصبر على ما يصيبه فإن ذلك من الأمور العظيمة، والصبر صفته كما قال الرسول “صلى الله عليه وسلم” (إنما الصبر عند الصدمة الأولى).
والوصية الخامسة التي يوصي بها لقمان ابنه: أن يبتعد عن الذل وأن يكون ذا نفس عزيزة، ومع ذلك لابد أن يتسم بالتواضع فلا يمشي في الأرض مرحًا، فالله لا يحب المتكبرين الفخورين.
وفي الوصية الأخيرة يقوم لقمان الحكيم من سلوك ابنه بأنه وصاه أن يمشي مقتصدًا في مشية، وألا يرفع صوته؛ فإن أنكر الأصوات صوت الحمير لما فيها من الضجر والنشوذ والقبح.
تلك هي وصايا لقمان الحكيم لابنه، وفي رأيي هي من أجل الوصايا التي يحتاجها الإنسان لكي يعمل بها فيتم بها أخلاقه؛ فمن منا لا يحتاج إلى الله، ألا يشرك به ويؤمن به أعمق إيمان.
ومن منا لا يحتاج أن يتقرب إلى الله بإقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن منا لا يحتاج إلى البركة والرضا من الوالدين وما يعود على الإنسان من برهما من البركة والرزق الواسع، ومن منا لا يحتاج أن يكون ذا هيبة بين الناس، ورغم ذلك يحبونه لتواضعه وعطفه وهدوءه.
كل هذه الوصايا تصيب عمق الإنسان ولابد أن يلتزم بها حتى ينعم بحياته في الدنيا والآخرة.