إن العصر الي نعيشه الآن يتطلب من الإنسان أن يكون ذا رؤية واضحة المعالم لمسار حياته، ومستقبله، وكل ما يتعلق بشخصه؛ إذ أصبحت التكنولوجيا تهيمن على كل شيء في الحياة، نجدها في كل كبيرة وصغيرة في أيامنا، ومسيرة حياتنا، وهي كفيلة أن ترفع من مستوانا العقلي إلى آفاق بعيدة من النجاح، أو تحط من قدرنا إلى غياهب الكسل والفشل الذريع.
ونظرًا للتطور الذي نلاقيه في الحياة اليوم، أصبحت الفرص المتاحة لنجاح الإنسان معدودة، وغير يسيرة، تتطلب جهد ومثابرة، وسيطرة كاملة من الإنسان على حياته، وسيرورة أيامه من أول استيقاظه إلى آخر يومه عند نومه.
الواجب على الإنسان في العصر الحالي أن يعلم جيدًا كيف يستغل اليوم بكل ثانية ودقيقة فيه، لا يفوتها إلا وهو حائز على إنجاز ولو كان صغيرًا جدًا؛ وذلك لسببين رئيسيين: لأن الإنسان مطالب في هذا العصر أن يحقق أهدافًا كبيرة حتى يصبح ذات رفعة ومكانة في مجتمعه، ويرتفع مستواه المعيشي، ويكون قادرًا على خوض الحياة براحة وطمأنينة على المستقبل، وأما السبب الثاني: فهو أن الوقت الآن أصبح يمر كلمح البصر، كمر الرياح، يمر العام تلو العام دون أن نحقق أي شيء، لذا من الضروري أن يتعلم الإنسان الكيفية التي يجب أن يستثمر بها الوقت، الأربع وعشرون ساعة، حتى يتمكن من تشكيل حياته كيفما يشاء، دون أن يفوته قِطار الحياة بذخائره.
وفي هذا المقال: أكتب عن الهدف: معناه، وكيفية تحقيقه بوضع خطوات بسيطة على طريق تحقيق الهدف يتمرن عليه الإنسان في يومه حتى يستطيع أن يتحكم في نفسه ويحقق أهدافه، وفي النهاية أستعرض التغيرات الجذرية التي تطرأ على الإنسان المتمسك بهدفه، والذي يسعى إلى تنظيم أيامه من أجل تحقيق هذه الأهداف.
معنى الهدف
إن دائمًا ما يحلم بغايات يرنو إليها في حياته، يرى فيها كماله، وراحته المستقبلية؛ فمن الناس من يرى أن حياته تكتمل بزواجه ومعولة الأسرة، والعمل من أجل الأطفال والأبناء، ومنهم من يرى المال غاية كبيرة في حياته، ومنهم من يرى غايته في مشروع معين يحلم به، ومنهم من يرى غايته في العمل في مهنة محددة يعلم يقينًا أنه سيصل فيها إلى أعالي النجاحات والتفوق، ومنهم من يرى أن غايته في العمل داخل مؤسسة معينة مشهورة وناجحة.. إلخ.
كلها غايات يرنو إليها الإنسان، تشكل صورة واضحة في أحلامه، وتشعره بالبهجة كلما مرت على خاطره، لكن الفارق: أن هناك من يعمل بجد واجتهاد وذكاء في المقام الأول من أجل أن يصل إلى الغايات التي يحلم بها، وهناك من يقتصر على الأحلام والحديث عن الغايات التي يريد أن يصل إليها يومًا، دون أن يبدأ في تنفيذ الأهداف البسيطة الأولية لتحقيق هذه الغايات في المستقبل، وإنْ بدأ، فإنه يكل ويمل عند أول عقبة تصادفه ولا يحاول أن يتغلب عليها.
وهنا يأتي معنى الهدف: إذ هو الوجهة التي يضعها الإنسان نصب عينيه، لا يحيد عنها، ويرى فيها كمال احتياجاته وراحة شغفه، ومن ثم يشحذ الهمة ويبدأ في تنفيذ خطوات عملية دقيقة ومدروسة من أجل أن يصل إلى هذه الوجهة.
والإنسان في حياته قد يمتلك أكثر من وجهة يريد أن يصل إليها في كل نواحي حياته: المادية، والاجتماعية، والدينية، والدراسية، كل ذلك لا يمنع، ولا يبعث على التشتت، ما دام الإنسان واضحًا أمام نفسه، ويعرف ما يريده، ويعرف كيف ينظم وقته، يستطيع في النهاية أن يصل إلى مرتبة كبيرة في جل أهدافه التي وضعها لنفسه.
هذه مقالات قد تُفيدك أيضًا
خطوات على طريق تحقيق الهدف
إن الأولى بالإنسان أن يعرف، في المقام الأول، أن تحديد الهدف بوضوح، والتخطيط من أجله خطة محكمة تتسم بالمرونة، يحتاج جهدًا كبيرًا ومعرفة دقيقة من الشخص لذاته، والأمر لا يتحقق بقليل من الوقت يقضيه الإنسان مع نفسه ليضع خطة لا تصلح لبدء أي شيء سوى أنها تريح ضميره، بل يتحقق بالمران المستمر على العمل والعزيمة من أجل التنفيذ دون التوقف، والقدرة على الوقوف من جديد، والمثابرة من أجل الهدف السامي الذي يرنو إليه الإنسان.
فإذا اتفقنا على هذه الخطوة المبدئية: أن الإنسان الذي يريد أن يحقق هدفه، يجب أن يتسم بالعزيمة والإصرار والمثابرة من أجل هذا الهدف، نستطيع أن ننتقل إلى الخطوة الأولى من كيفية تحقيق الهدف.
- أولًا: تحديد الهدف: وهي الخطوة الأولى المنطقية التي يجب أن يسلكها الإنسان حتى يحقق ذاته، وهي تحديد الهدف بدقة: وتحديد الهدف لا يمكن أن يعلمه الإنسان في لحظات بسيطة، إلا إذا كان يؤرقه شغفًا يعلم أنه سيدر عليه منفعة في نواحي عديدة من حياته، ويعلم وجهته جيدًا، فذلك لا نخصه بالكلام لأنه يعلم ما يريد تحديدًا، لكن ما أخصّ بكلامي هو الإنسان الذي لا يعلم هدفه، وما يريد أن يصل إليه في حياته من كل النواحي، وعليه أن يتعلم كيفية تحديد شغفه، ويجرب ويجتهد في كل شيء حتى يحصل أخيرًا على شغفه ويبدأ الخطوات القادمة لتحقيقه.
- ثانيًا: تجزئة الهدف: فبعد أن يعلم الإنسان ويتقين من غايته في الحياة، وهدفه الكبير الذي يريد أن يصل إليه في المستقبل لابد ألا يبدأ في التنفيذ بخبط عشواء، فيضيع الكثير من الوقت هباء، ويصل بعد عمر طويل إلى الهدف المرجو، بل يجب أن يتعلم كيف يقسم ذلك الهدف إلى أجزاء صغيرة، كنوع من المستويات التي يضعها أمامه، أو الخطوات الصغيرة التي يجب أن يتخذها خطوة تلو الأخرى حتى يصل إلى الغاية الكبيرة التي يرنو إليها، وكل جزء صغير يمثل هدفًا في ذاته.
فمثلًا: الذي يريد أن يعمل في مؤسسة عالمية، فإن الهدف المبدئي أنه يريد أن يتعلم اللغة الإنجليزية، فيبدأ يضع خطوات صغيرة في طريق تعلم اللغة الإنجليزية، ثم يبدأ في دراسة المنصب الذي يريد أن يناله، ويعمل من أجله بنفس الطريقة.
- ثالثًا: ضرورة تنظيم الوقت: إن الوقت هو القصر الكبير المليء بالغرف الذي يجب على الإنسان أن يملأه بالإنجازات، ويستغل كل مساحة فيه، حتى يصير ذلك القصر (العمر) ذا فائدة تعود على الإنسان في حياته وآخرته.
لذلك الواجب في البداية أن يتمرن الإنسان على كيفية تنظيم وقته، وذلك بتحديد الاولويات التي يريد الإنسان أن يحققها في يومه، وذلك يكون وفقًا للأهداف التي وضعها وجزءها تجزيئًا دقيقًا، وبعدها يبدأ بتحديد الأولويات ويرتبها في يومه مراعيًا حياته في نواحيها الأخرى ولا يهمل جانب على حساب الآخر، وذلك كله يتأتى بالتنظيم الدقيق للوقت، بالساعة والدقائق والثواني.
وفي النهاية: الإنسان الذي يعمل بدقة وذكاء وجهد مستمر لتحقيق هدفه يمكنه أن يحقق أي شيء منطقي مهما كانت صعوبته، فتصير حياته أفضل ويشعر بالفخر تجاه نفسه، ويجله الآخرين في المجتمع.
فإنسان الأفعال خير من إنسان الأقوال؛ فصاحب الأقوال يتغذى على انبهار الناس به وبتفكيره ولا يستطيع أن يفعل أي شيء آخر سوى أن يتكلم دون أن يبدأ في تنفيذ أي شيء، أما صاحب الأفعال، يجعل الناس ينبهرون بأفعاله ونجاحاته ووصوله إلى القمة دائمًا، وذلك لا يأتي بجهد قليل، بل يحتاج إلى العمل المستمر الدؤوب والإيمان بالهدف الذي يضعه نصب عينيه.