إن حياة الإنسان لا تخلو من الأصدقاء مهما كانت درجة قربهم منه، لكنها لا تخلو أبدًا من الأصدقاء، سواء أصدقاء العشرة، أو أصدقاء العمل، أو أصدقاء الدراسة، في النهاية لا تخلو حياة الإنسان من الأصدقاء، ومن الضروري للإنسان أن يتخير صديقًا واحدًا على الأقل في حياته، يشاركه أموره كافة، وكل ما يتعلق بحياته من الفرح أو الترح، أو أي شيء آخر يطرأ على حياة الإنسان.
وإنا نرى بوضوح ما يمكن أن يؤثره الصديق في صديقه في جوانب حياته سواء بالسلب أو الإيجاب، في كل الأحوال لا تخلو حياة الإنسان من تأثير أصدقائه عليه، وأفكارهم ومعتقداتهم، والطريقة التي يعيشون بها حياتهم.
ونظرًا لما يمكن أن يؤثر به الإنسان في صديقه كان من الضروري أن نلقي الضوء قليلًا على مصطلح الصداقة، وأنواعها والأواصر التي تربط الأصدقاء في كل نوع، ووضع خطوات منطقية يجب أن ينتهجها الإنسان حتى يعلم كيفية اختيار الصديق، وفي النهاية احاول أن أبرز شيئًا عن ما يمكن أن يؤثره الأصدقاء في الأسرة والمجتمع كله.
معنى الصداقة
إن الصداقة لها مفهوم عميق لا يمكن أن تتداركه العقول بكلمات قليلة موجزة تصيب عمق ما فيها، فالصداقة شعور قلبي عميق في المقام الأول، يشعر به الإنسان تجاه أحدهم، ما يدفعه إلى الالتصاق به في إطار من العلاقة المتينة التي يسودها المحبة والتعاون والخير والمشاركة في كل شيء، وعدم التخلي عنه، والإخلاص الدائم الذي لا ينقطع، والمعاونة في البر، والتنفير من الشر، والنصح الدائم لما فيه الخير، وكل ذلك دون أن ينتظر الإنسان مقابلًا من صديقه، سوى أن يبادله شعور الطمأنينة إلى جانبه والمحبة الدائمة والتعاون الذي لا ينقطع، وأن يتذكره دائمًا ويسأل عنه ولا تستطيع الحياة أن تلهيه عن صديقه أبدًا.
وخير ما يتجلى لنا من مفهوم الصداقة: صداقة الرسول “صلى الله عليه وسلم” وأبو بكر الصديق، ونحن نعلم جيدًا كيف كان أبو بكر الصديق “رضي الله عنه” يؤمن بالرسول “صلى الله عليه وسلم” ويثق فيه وفي عقله وفيما يقوله، حتى أنه أول من آمن به من الرجال، وهو من بادر كثيرًا إلى التضحية من أجل الرسول “صلى الله عليه وسلم” وكان رفيقه في الغار يوم الهجرة وحاميه من المشركين.
تلك الصداقة العميقة كانت قائمة على شعور عميق من الطرفين، شعور أساسه الإيمان والتصديق والإخلاص والمحبة، وزوال الكراهية والبغض من قلب أبي بكر الصديق تجاه الرسول “صلى الله عليه وسل”، فصداقتهم خير ما يمكن أن نتأسى به، ونفخر بمعرفتنا بها، ونتمنى دائمًا أن ننال في حياتنا صداقة كصداقة الرسول “صلى الله عليه وسلم” وأبي بكر الصديق “رضي الله عنه”
والصداقة “كما يرى أفلاطون” نابعة من بحث الإنسان الدائم عن الخير في غيره من الناس، فينشأ بينه وبين غيره صداقة تعينه على الكمال الذي يرنو إليه في الخير، وهذا هو ما يراه أفلاطون: أن الصداقة في المقام الأول أساسها هو التكامل في الحياة بين الأنا والغير.
وأفضل صداقة كما يرى أرسطو: هي صداقة الفضيلة؛ تلك التي تقوم على الخصال الحميدة، والأخلاق الكريمة، وتدوم لمدة طويلة من الحياة، ولا يمكن أن تنقطع بسهولة، لأن لها أساس متين، هو البر والود والمحبة والإخلاص، والبحث عن الخير.
وهُنا كذلك: مقال عن صديقتي
أنواع الأصدقاء
نقرأ دائمًا في الصحف والكتب، أن المرء يُعرف بصديقه، ويجب أن ينظر المرء في ماهية من يصادقه، وأن صديق السوء يجر صاحبه إلى السوء، وصديق الخير يجر صاحبه إلى الخير، لكنا لم نتأمل يومًا: ما معنى هذا الكلام؟ هل يوجد صديق سوء وصديق خير؟ وكيف يُعرف المرء بصديقه؟
إن صديق السوء هو الشخص المصاب بالعقد النفسية، والنفس القبيحة المليئة بالنواقص والذنوب، والحقد والكره، والذي يتغذى على الخيانة ولا يعرف عزيزًا، وذلك هو النوع السيء من الصداقة، لأن الصديق السوء يؤثر على صاحبه بشكل من الأشكال فيجعله على شاكلته، ويأخذه إلى منحدرات السوء بكل مصائبها، وإذا لقي الناس الصاحب السوء علموا أن من معه بنفس شاكلة السوء.
وهكذا نعلم أن النوع الأول من الأصدقاء هم أصدقاء السوء، الذين يؤثرون بالسلب على حياة أصدقائهم، ولا ينظرون إلى مصلحة أصحابهم بل تكون مصلحتهم في المقام الأول، بغض النظر عما يمكن أن تضفيه صداقته على غيره من مظاهر السوء والبغض، لا يهتم، المهم عنده أن يجرف صاحبه إلى غياهب الظلمات التي يعيش فيها.
لك هُنا: نصائح قيّمة .. تعلمي كيف تكوني صديقة أولادك
والنوع الآخر من الأصدقاء: هو النقيض تمامًا، صديق الخير، الصديق الحسن في الخلق والدين والعقل وفي كل شيء، تلجأ إليه فتجده دائمًا يرشدك إلى الطريق الصحيح، ويربت على كتفك، ولا يتخلى عنك بالخيانة أو ما شابهها، بل يظل ملتصقًا بك يساندك دون أن يلقي عليك عبئًا، وهذا هو الصديق الذي يجب أن تأتمنه على أسرارك، وتلجأ إليه في كل المواقف، وتستشيره في كل القرارات، وأنت تعلم أنه لن يختار ما يضيعك، بل سيجعل همك همه ويفكر فيك بكل عقله وقلبه حتى يصل معك إلى الوجهة السليمة.
وكان أصحاب الرسول “صلى الله عليه وسلم” خير مثال على ذلك؛ إذ كانوا يساندون الرسول في كل أموره، في الفرح والترح، وفي القرارات المصيرية في الغزوات، وكان الرسول “صلى الله عليه وسلم”، رغم انه معصوم ولا ينطق عن الهوى، فقد كان لا يني أن يأخذ بمشورة أصحابه في الأمور كافة، وأمور الغزوات، ويفعل ما يراه صحيحًا وراجحًا.
كيفية اختيار الصديق
إننا بعدما خلصنا من استعراض أنواع الأصدقاء، وبينا الصديق ونقيضه، فإن الإنسان لابد في النهاية سيختار أن يكون في معية الصديق الحسن، الذي يدفعه إلى الخير، ولا يلقي به في غياهب السوء كما يفعل النوع الآخر من الأصدقاء، أصدقاء السوء.
ولكي لا يقع الإنسان في فخ الأصدقاء ويفاجئ بأن صديقه من أصحاب السوء، لابد أن يلتزم التروي والتأني، وأن يفكر مليًا قبل أن يصادق أي شخص آخر، وهنا أعرض خطوات بسيطة ينتهجها الإنسان حتى يكشف عن معدن صاحبه، ويختار بعد ذلك إن كانت الصداقة ستكتمل أم سينأى عنها:
- أولًا: على الإنسان في المقام الأول أن ينتقي الأماكن التي يتردد عليها ويقضي فيها أوقاته، فلا يذهب في الأماكن المخالطة لأصدقاء السوء، وإن تردد عليه عليه الحذر جيدًا منهم.
- ثانيًا: يجب على الإنسان أن ينظر إلى الأشخاص ذات المكانة الرفيعة، أو أصحاب النجاحات التواقون دائمًا إلى القمة، الباحثين عن النجاح بشغف وهمة، حتى يستطيع أن يقضي في معيتهم وقتًا ممتعًا مليئًا بالفوائد والنصائح والذخائر التي تضيف إلى خبراته، وتحسن من مستواه المعيشي والاجتماعي فيما بعد، ولا يغفل أبدًا أن الوقت الذي يقضيه سوف يحاسب عليه يوم القيامة، لذلك عليه أن يحرص أن يقضي حتى وقت فراغه في شيء جميل يعود عليه بالفائدة.
- ثالثًا: إذا استقر الإنسان على صديق، يجب ألا يعطيه الأمان في بداية الأمر، لابد أن يتحرى في شخصيته عن الأخلاق والتدين، والآراء السليمة، والمعتقدات القويمة، البعيدة عن الإفراط أو التفريط. لابد أن ينظر في شخصه وينقب عن معدنه في المواقف المختلفة التي يقعون فيها.