في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة، قامت معركة بدر “غزوة بدر” بين الرسول “صلى الله عليه وسلم” وقريش وحلفائها بقيادة (عمرو بن هشام المخزومي القرشي).
وقد سميت غزوة بدر بهذا الاسم، نسبة إلى منطقة البدر التي وقعت فيها المعركة، وهي منطقة تقع بين مكة والمدينة المنورة.
سبب المعركة
كانت الشرارة الأولى لقيام هذه المعركة حين علم الرسول “صلى الله عليه وسلم” بقدوم قافلة لقريش من الشام، يقودها أبو سفيان، ويقوم على حراستها من ثلاثين إلى أربعين رجلًا، وكانت هذه القافلة محملة بالغنائم، والأموال والبضائع؛ فطلب الرسول “صلى الله عليه وسلم” من المسلمين أن يستردوا القافلة التي أخذها الكفار منهم عندما هاجروا من مكة إلى المدينة، وذلك بأخذ هذه القافلة.
حتى سمع أبو سفيان أن المسلمين سيهاجموا هذه القافلة، فبعث إلى مكة يخبر قريش أن جيش الرسول “صلى الله عليه وسلم” على استعداد للاستيلاء على القافلة.
ورغم أن أبو سفيان عاد إلى مكة وأخبر قريش أنه قد عاد بالقافلة سليمة، وأنه من غير الضرورة محاربة المسلمين، إلا أن قريش أبت وهرعوا لتجهيز جيش لملاقاة المسلمين ومحاربتهم.
وقد حمل أهل قريش في نفوسهم البغضاء تجاه أهل المدينة لأنه استقبلوا الإسلام والمسلمين، فأرادوا أن ينتقموا منهم، غير أن قريش أرادت أن تهزم الإسلام والمسلمين، لذلك عزموا على الحرب رغم أن القافلة عادت سالمة لم تطالها يد المسلمين.
أحداث غزوة بدر
خرج الرسول “صلى الله عليه وسلم” مع عدد من المقاتلين من الصحابة وقد بلغ عددهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، وسبعون من الإبل، وإثنان من الخيل.
أما قريش فقد بلغ عددهم الف رجل أي أكثر من ثلاثة أضعاف رجال الرسول “صلى الله عليه وسلم” ومعهم مئتان من الخيل.
ويجدر الإشارة أنه حينما علم الرسول “صلى الله عليه وسلم” بخروج قريش لملاقاة المسلمين استشار أصحابه من المهاجرين، وهم أبو بكر وعمر بن الخطاب والمقداد بن الأسود، فأجمعوا ثلاثتهم على ملاقاة العدو من أهل قريش، لكن الرسول رأى أنه من لابد من استشارة الأنصار، لأنهم من ناحية عددهم أكبر، وعدد المهاجرين قلة، ومن ناحية أخرى لم تُلزم بيعة العقبة الثانية الأنصار بحماية المسلمين.
لكن الأنصار هبوا لحماية الإسلام والرسول “صلى الله عليه وسلم” والمسلمين، وفي ذلك قال سعد بن معاذ، وهو حامل لواء الأنصار: ” لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصَبْر في الحرب، صِدْق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله”.
واقرأ كذلك: معلومات عن غزوة أحد ونتائجها
استعداد الرسول للمعركة
حينما تأكد الرسول “صلى الله عليه وسلم” من موافقة الصحابة من الأنصار والمهاجرين لملاقاة العدو، هب لتنظيم الجيش المسلمين، فنزل “صلى الله عليه وسلم” عند أدنى ماء من مياه بدر، واقترح سعد بن معاذ على الرسول “صلى الله عليه وسلم” أن يبني عريشًا في هذا المكان ليكون مقرًا لقيادته، ويأمن فيه من العدو، فوافق الرسول وكان معه أبو بكر، وثلة من الصحابة بقيادة سعد بن معاذ يحرسون عريش الرسول “صلى الله عليه وسلم”
وبات المسلمون تلك الليلة، التي هي ليلة المعركة، وبمجيء الصباح هب الرسول “صلى الله عليه وسلم” لتنظيم صفوف المسلمين، وخطط الرسول للمعركة، فأعطى بعضًا من الأوامر تدل على رجاحة عقله “صلى الله عليه وسلم” وأهليته للقيادة؛ فقد أمر الرسول “صلى الله عليه وسلم” أن يصطف الصحابة في صفوف بحيث تكون آشعة الشمس خلفهم وتكون هذه الآشعة في مواجهة جيش قريش، فتشتتهم الآشعة.
كما أمرهم “صلى الله عليه وسلم” أن يستوا في الصفوف ولا يخرجوا عنها، وألا يخرجوا سيوفهم إلا إذا تداخلت صفوفهم، وأن يقتصدوا في رمي السهام، ويبدأون في الرمي والعدو قريبًا منهم وليس بعيدًا عنهم.
غير أن الرسول “صلى الله عليه وسلم” يبشرهم ويشجعهم على خوض المعركة، ويحضهم على الجهاد في سبيل الله؛ فنجد الصحابة في المعركة يدافعون عن كلمة الإسلام باستمامتة، وشجاعة وقوة لا نظر لها.
حين اقتربت قريش
حينما اقترب جيش قريش من بدر، بعث احد جواسيسه ليستطلع أخبار المسلمين وعددهم وقوتهم، فعاد لهم بأخبارهم، ورغم أنه طمأنهم بأن عددهم قليل ولم يضعوا الكمائن، فإنه حذرهم من خوض المعركة ضدهم، لأن فيهم شجاعة وإقبال كبير ومنعة لم يرها أبدًا، لكن أبا جهل رفض الرجوع، وقرر القتال وأصر عليه، فدب فيهم الخلاف وتزعزعت صفوفهم الداخلية.
وهنا تبدأ المعركة
حينما تواجه الجيشان، بدأت المعركة بخروج رجل من قريش اسمه اسود بن عبد الأسد المخزومي في مواجهة حمزة بن عبد المطلب فهزمه حمزة وأجهز عليه.
فخرج ثلاثة من رجال قريش فهم في مقابلهم ثلاثة من رجال المسلمين، وكانوا من الأنصار، إلا أن الرسول “صلى الله عليه وسلم” أرجعهم وأخرج بدالهم ثلاثة من المهاجرين (عبيدة بن الحارث، وحمزة، وعلي) فأجهز الصحابة على الثلاثة الذين خرجوا من قريش.
استبد الغضب بجيش قريش فهاجموا على المسلمين، وقف المسلمون في شجاعة ومنعة ضدهم، وكانوا يرمونهم كما امرهم الرسول “صلى الله عليه وسلم” وقد زاد الرسول “صلى الله عليه وسلم” من شجاعتهم بأن وعدهم بأن من يقتل صابرًا محتسبًا فإن له الجنة، وزاد من حماسة جيش المسملين، ما وعدهم به الرسول “صلى الله عليه وسلم” ما أوحي إليه، قال تعالى: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ).
ومن الجدير بالذكر أن الرسول “صلى الله عليه وسلم” اتبع في خططته للقتال أساليبًا جديدة لم يعهدها العرب، منها أنه “صلى الله عليه وسلم” جعل المسلمين يقاتلون في صفوف، وكانت الصفوف الأولى من أصحاب الرماح، والصفوف الثانية من أصحاب النبال، كما اتبع الرسول “صلى الله عليه وسلم” أسلوب الدفاع، وكانت خطته التكتيكية سببًا في زعزعة مركز العدو، وإضعاف نفسيته، فولوا الأدبار، وانتصر المسلمون.
وكان المسلمون يؤمنون في دواخلهم، أن الله كان يحارب معهم، بأنه قلل عدد جيوش قريش في عيونهم، وزاد عدد جيش المسلمين في عيون قريش، وأنه أنزل الملائكة لتحارب معهم، ويبثون الخوف في قلوب الأعداء حتى تسنى لهم النصر.
وهنا تقرأ مقال عن ذكرى البيعة
قوة كلمة الإسلام
انتهت معركة بدر بانتصار المسلمين على قريش، فكان قتلى قريش سبعين رجلًا، وأُسر منهم سبعون آخرون، وكلهم من قادة قريش وزعمائهم، واستشهد في المعركة أربعة عشر رجلًا من المسلمين (وهم ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار).
وبانتصار المسلمين قويت شوكة الدولة الإسلامية، وزادت قوة ومهابة في أعين من جاورها، وكانت غزوة بدر مصدر للغنائم التي أدت إلى انتعاش الحالة المادية والاقتصادية للدولة الإسلامية.
وقد أدت الغزوة إلى خسارة فادحة لقريش فقد مات قائدهم، عمرو بن هشام المخزومي، المعروف بأبي جهل.
إن هذه المعركة كانت معركة فاصلة في تاريخ الإسلام، وبانتصار المسلمين فيها، ارتفع راية النصر للإسلام وإعلاء كلمة الإسلام.