إن عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” أحد القادة الذين نفتقدهم في زمننا هذا؛ كانت له دفعة وقوة مناهضة للباطل، يعلم كيف يفرق بين الحق والباطل، ويسير على درب الحق مهما كلفه الأمر، يدافع عنه في كل العهود، في عهد الرسول “صلى الله عليه وسلم” وفي عهد خلافته “رضي الله عنه”.
كان رضي الله عنه مثال للقوة في إسلامه، أبى أن يعلن إسلامه سرًا، فجهر به بين الناس غير عابئ بمشرك يطارده أو يقاتله، وكان خير مثال للقوة في سلطته، القوة التي تناصر الضعيف، وترعى الرعية، وليست القوة التي تأتي على الضعيف وتنهب حقه.
إن عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” من خير من حكم الدولة الإسلامية، ورد الحقوق إلى أصحابها، وصار الناس يجلونه ويوقرونه، رغم بساطة عيشه؛ لذلك عاش آمنًا من الغدر، ونام تحت الشجرة بين الرعية، فقيل عنه “حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر”.
كان عمر “رضي الله عنه” يرعى الله في كل خطوة يخطوها بقدميه، كان يخاف ربه مخافة أن توقعه خيلاء الخلافة في المعاصي والكبر والتعالي، لذلك حرص “رضي الله عنه” أن يجاهد نفسه في سبيل الحق، وألا يستكبر على قومه، وأن يرعى رعيته مهما طال البعد بينهما.
وفي المقال ألقي الضوء على حياة عمر بن الخطاب “رضي الله عنه”: نشأته، إسلامه، خلافته، حتى يتسنى للقارئ أن يطلع على نبذة موجزة من حياة عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” الذي كان نبراسًا للبشرية وضاء لم يبهت أبدًا في قوته وعزمه.
نشأته “رضي الله عنه”
ولد عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” بعد عام الفيل، أي بعد مولد الرسول “صلى الله عليه وسلم” بثلاث عشرة سنة، ونشأ في قريش، وامتاز بتعلمه القراءة بين أقرانه، كما تعلم المصارعة، وركوب الخيل، والفروسية، والشعر، وكان “رضي الله عنه” يحضر أسواق العرب مما تسنى له أن يتعلم التجارة، فربح منها وأصبح من أسياد مكة الأغنياء.
كان عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” يدين بالوثنية الجاهلية، التي كان عليها قومه من أبناء قريش، وكان معاقرًا للخمر، ومغرمًا بالنساء.
ونلاحظ أن عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” لم يكن يأتبه شيء قبل إسلامه، كانت نفسه ضعيفة أمام الشهوات، رغم قوته ومنعته، لكن الإسلام حين جاء وتيقن منه حق التيقن أصبح إنسانًا آخر، في داخله الخير، وعزم على جهاد النفس لا ينقطع، وهذا مثال حي على ما يمكن أن يغيره الإسلام في نفوس أصحابه، الذين يدخلوه عارفين به حق المعرفة.
إسلامه “رضي الله عنه”
بدأت دعوة الرسول “صلى الله عليه وسلم” سرية، ثم شرع في الجهر بها بين قومه، معاديًا قريش في معتقداتهم، فعاداه القرشيون وصاروا يكيدون إليه، وكان عمر بن الخطاب واحد من هؤلاء الذين عادوا الإسلام في بادئ الأمر، وكان يدافع عن معتقداته، شأنه شأن الآخرين من سادة قريش، واتسم قبل إسلامه بقسوته الشديدة تجاه من يدخلون الإسلام.
وفي الوقت نفسه، كان عمر بن الخطاب يُعمل عقله ويتفكر، كيف أن هذا الرسول صامد في وجه الأعداء إلى هذا الحد؟ ومن الممكن أن يكون على صواب، خاصةً أنه عرف بين الناس أنه الصادق الأمين، وبذلك كان في قلبه في بداية الأمر نزعة تجاه الإسلام وميل له، لولا ما كان ينازعه من السلطة التي أعطته إياه قريش؛ فقد كان سفيرًا لقريش وقائد من قادتها وأحد أسيادها، فإن دخل الإسلام، ضاع منه كل هذا وخسر منصبه وكل شيء، ومن هنا يتجلى الصراع النفسي الذي كان يعانيه عمر “رضي الله عنه” قبل إسلامه، رغم قسوته وغلظته، فقد كانت قسوته زائفة، تخفي ما في قلبه من رقة وعقل.
واشتدت حيرة عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” في الأمر، حتى قرر أن يحسم قراره، وذلك بقتل الرسول “صلى الله عليه وسلم”، فأخرج سيفه، وهرع في اتجاه النبي “صلى الله عليه وسلم” يبغي قتله، لكنه علم في الطريق أن أخته قد أسلمت، وابن عمه أيضًا، فاندفع إليهما وضربهما ضربًا عنيفًا، وكانت أخته تمسك صحيفة بها شيء من القرآن، فأراد عمر أن يقرأها فأبت أخته إلا أن يتوضأ، فتوضأ عمر وقرأ القرآن، وأقر أنه ليس من كلام البشر، فأعلن إسلامه، وبذلك أتم الأربعين صحابيًا الذين دخلوا الإسلام.
واختلفت الروايات في قصة إسلام عمر بن الخطاب” رضي الله عنه”، لكن ما يهم، أنه انتهى إلى الإسلام، وبدأ بذلك عهدًا جديدًا في حياته.
وبعد إسلامه، سمّاه الرسول “صلى الله عليه وسلم” الفاروق، لأنه استطاع أن يفرق بين الحق والباطل، دون أن يخشى شيء؛ فقد كانت دعوة الإسلام سرية آنذاك، يؤدي المسلمون شعائر عبادتهم في الخفية بعيدًا عن أهل قريش مخافة البطش بهم، لكن الفاروق عمر لم يرض بذلك، وخرج هو وحمزة بن عبد المطلب، بعدما تيقن أنهم على الحق، وأن قريش على الباطل، إلى مكة يكبرون ويهللون، حتى وصلوا إلى الكعبة، وأدخلوا الكآبة في نفوس القرشيين.
واستمرت الدولة الإسلامية تزداد منعة وقوة في عهد الرسول “صلى الله عليه وسلم” وعمر بن الخطاب من أهم قادة الدولة الإسلامية في رجاحته وقوته، حتى توفي الرسول “صلى الله عليه وسلم”، وتولى الخليفة أبو بكر الصديق خلافة الدولة الإسلامية، فكان عمر “رضي الله عنه” مساعده الأول ومستشاره الأساسي في خلافته، لا سيما في الأمور العسكرية، فكان “رضي الله عنه” أحب رجل إلى أبو بكر الصديق.
خلافة عمر بن الخطاب “رضي الله عنه”
حينمال اشتد المرض بأبو بكر الصديق “رضي الله عنه” بايع عمر بن الخطاب بالخلافة، وبذلك تفتح عهد جديد للدولة الإسلامية، عهد الرخاء والرقي والعدل، رغم ما عُرف عن عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” من الحمية والتعصب والقوة.
أكمل عمر بن الخطاب ما ابتدأه أبو بكر في الفتوحات الإسلامية، فاتسعت رقعة الدولة الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب “رضي الله عنه”؛ ففتح الشام، وفلسطين، وغيرهما، كما فتح العراق وفارس.
وقد واجه عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” أقسى الشدائد في خلافته، تعامل معها بحكمة وروية؛ فقد حل عامان على المسلمين هم من أشد الأعوام آنذاك، هما المجاعة التي حلت في المدينة المنورة، والطاعون الذي حل في بلاد الشام، فكان عمر “رضي الله عنه يخفف عن الناس، ويدعمهم معنويًا وماديًا حتى انفكت الأزمة بحمد الله.
ويحسب في تاريخ فتوحات الخليفة عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” فتح مصر بسيطرته على حصن بابليون، ومدينة الإسكندرية، وبناء مدينة الفسطاط، وتوالت فتوحات عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” لتملأ رقعة الدولة الإسلامية رحاب الأرض.
وقد عُرف بن الخطاب بحسن الإدارة السياسية رغم اتساع الأراضي وازدياد رقعة الدولة الإسلامية؛ فقسم عمر بن الخطاب البلاد التي فتحها إلى ولايات، وقسم كل ولاية إلى مجموعة من المقاطعات، يولي على كل مقاطعة أحد الصالحين الذي يثق به في تطبيق العدل وشرائع الإسلام.
كما نشات الدواوين في عهد عمر بن الخطاب لاتساع الدولة الإسلامية، والتحام الثقافات، وكان له رضي الله عنه مواقف عديدة راجحة وذكية في أمور تنظيم الجيش، والشرطة والأمن، والقضاء، وإنشاء التقويم الهجري.
وانتهت حياة عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” باغتياله غدرًا على يد أبو لؤلؤة المجوسي، وبذلك ينتهي عهد من أزهى عهود الدولة الإسلامية التي لم تعوض بعد ذلك.