إن الإنسان حين ينشد الزواج، فإنه ينشد به الاستقرار، والهدوء في الحياة، والمشورة الصالحة من الزوجة، والذرية الصالحة التي تحمل اسمه، ويعيش مرفوع الرأس بها، يأتنس بهم ويأتنسون به، ويعملهم ويربيهم، ولا يظلمهم، بل يعدل بينهم، ويجعلهم في أحسن حال.
فالزوجة والأولاد، هم من يجعلوا لأيام الشقاء والكد طعمًا، فغاية إطعام الزوجة والأولاد خير غاية قد يربو إليها الإنسان في الحياة، وعليها يرزق رزقًا واسعًا.
والزوج الذي يأخذ بالأسباب، ويدفع حياته في الشقاء والكد والتعب والمحاباة، من أجل أن يحصل على الاستقرار والأمان لزوجته وأولاده، ويجعل حياته وحياتهم في راحة ورخاء فيما بعد، يستحق الرزق الواسع الذي يرزقه الله إياه، بل ينعم الله عليه، وعلى زوجته، وأولاده بالصلاح والفلاح في الدنيا، فالزوج الصالح كما يبذر يحصد في زوجته وأولاده.
لكننا اليوم نعاني أساليب كثيرة مشينة نراها تصدر عن الزوج تجاه زوجته وأولاده، مما يعود بالسلب والتفكك للأسرة كلها، ويتشرد الأولاد على أثرها، وكل ذلك يعود بالسلب على المجتمع والوطن ككل.
وقبل أن نعرض الآثار التي تترتب على ظلم الزوج لزوجته، وكيف يمكن الحد من تلك الظاهرة على الصعيد الأسري والاجتماعي، نفرد بوضوح مظاهر وأشكال ظلم الزوج لزوجته.
مظاهر ظلم الزوج لزوجته
إن الزوجة في أوقاتنا الحالية تعاني ظلمًا واسعًا من الزوج، وقد انتشرت حالات الطلاق في العالم، والمشاكل الأسرية التي تعج بها المحاكم.
إن من مظاهر ظلم الزوج لزوجته، الإهانات التي تتعرض لها الزوجة باستمرار من الزوج، أو الضرب، أو عدم العدل أمام الأهل، فتشعر الزوجة أنها ضحية زواج تعيس، وتشعر أنها محبوسة في قفص من قضبان حديدية، يسوده جو من التعاسة والشقاء والحزن، ذلك السجن اسمه الزواج، فتكره نفسها، وتكره زوجها، وكل من لهم صلة به، ويعود هذا الكره بالسلب على الأطفال بكل تأكيد، فتنشئهم وفيهم الكره تجاه أبوهم أو أقاربهم، وذلك يعود بالتفكك، والضعف الأسري، ويعود بالتأثير السيئ على الأبناء.
ومن مظاهر ظلم الزوج لزوجته، أن يبخل عليها، ويقتر في ماله، فلا يطعمها، ولا يكفي احتياجاتها، وينفق كل ماله على احتياجاته الشخصية، دون النظر إليها أو إلى أبنائه، فتشعر الزوجة بمغبة نصيبها، وأن زوجها بخيل يقتر المال، ولا ينفق على أولاده، أو عليها، فتشعر بالنقص بين أقرانها، وتشعر بقلة الحيلة، وقد يدفعها بخل الزوج إلى العديد من الوسائل لتأخذ المال، كالسرقة منه على سبيل المثال، أو تمد يديها لأهلها حتى تستطيع أن تنفق على أولادها، وعلى نفسها، وذلك يولد الحقد في داخلها والنقم على زوجها، وأولاده لا يعترفون له بالفضل، مما يدفع إلى التفكك، والكره الذي ينمو في داخلهم تجاه والدهم.
ومن مظاهر ظلم الزوج لزوجته أنه لا يرضى بها، كقسمة الله ونصيبه، بل يطمع في أخريات ولا يستكفي بهن أيضًا، فتصير حياته دائرة من دنائة النفس والجري وراء الشهوة التي لا تفنى حسها من نفسه، وإن ذلك المظهر من مظاهر الظلم شأنه عظيم! فالرجل حين يقبل على شهوته متلهف متشوق، يصير مهانًا بين الناس، لا سيما أسرته: امرأته وأولاده، غير أنه حين يدخل الرجل في مثل هذه الدائرة القذرة من الشهوة، يعاني الكثير من المشكلات فيما بينه وبين نفسه، وزوجه، وأولاده، فلا يحترمونه الاحترام الواجب من الزوجة إلى الزوج، ولا يوقره أولاده التوقير الواجب من الولد إلى والده، ويصير منبوذًا فيما بينهم، وهو أمر جلل يؤدي إلى فساد الأسرة والتفكك، وضياع الأولاد فيما ضاع فيه أبوهم.
إن مظاهر ظلم الزوج لزوجته لا تعد، ولها أشكال لا تحصى، في كل بيت في زماننا هذا نرى قصة مختلفة من قصص ظلم الزوج لزوجته، ولكن أعظمها إطلاقًا، الزوج الديوث، الذي يبيع زوجته من أجل رغبة في نفسه، من أجل المال، أو مصلحة شخصية يربو إليها، أو أي شيء أناني يربو إليه، مما يدفعه بزج زوجته في وجه من يريد منه هذه المصلحة أو الرغبة، حتى تصير معبدة بين يديه طريقها سهل، وذلك من أعظم مظاهر ظلم الزوج لزوجته، وأشدها خطرًا على المجتمع والأسر، وعذاب الزوج حينئذ يوم القيامة عظيم، فاللهم اعفنا.
والمظهر الأخير من مظاهر ظلم الزوج لزوجته، والذي لا يمكن إغفاله؛ حين يتفق الزوجان على الطلاق، فيلقي بها الزوج في غياهب المحاكم ويرفض النفقة لها ولأولاده، أو إعطائها حقوقها الواجبة كافة، وهذا يؤدي إلى المنازعات والخلافات التي لا تنتهي، غير أن حساب الزوج يوم القيامة عسير.
نتائج ظلم الزوج لزوجته
وبعد أن استعرضنا شيئًا من ظلم الزوج لزوجته، ولا أدعي أنني أفردت كل المظاهر التي تمثل ظلم الزوج تجاه زوجته، بل حاولت قدر الإمكان أن أرصدها، وأوجزها حتى يطلع عليها القارئ ويحيد عنها.
ويجدر الإشارة إلى أن ظلم الزوج لزوجته لا يقتصر تأثيره السلبي على الزوجة فقط، أو الأولاد فقط، بل يؤثر على الزوجة والأولاد، وبدوره مصير الأسرة ككل، ومن ثم مصير المجتمع كله.
فأما الزوجة، فإنها حين تعاني الظلم عن طريق زوجها، الذي أعدته يومًا سندًا لها في الحياة لا ينكسر أبدًا، تشعر بالقهر، والذل، والضيق لما يفعله زوجها به، ولا غرو أن يصيبها الاكتئاب، وتشعر أنها حبست نفسها داخل قفص كانت تحلم داخله بالحياة الأفضل، والأهنأ، لذلك حين تصدم بالواقع، تصير حياتها جحيمًا.
ومن ناحية الأولاد: فإنهم يشعرون بالضياع، والتشتت، والاشمئزاز من أبوهم، ومن ثم أسرتهم كلها، ويعود ذلك عليهم بالتصرفات العنيفة، والأفكار الشهوانية التي ترمي بهم في غياهب الضياع.
وأما ما يعود على الأسرة في النهاية: أنها تعاني تفككًا فيما بينها، فيصير كل فرد فيها له ميول ورغبات مختلفة عن الآخر، لا يعلم فيها الواحد عن الآخر شيء، ويكونون بالككاد يذكرون أسمائهم، غير ما تعانيه الأسرة فيما بينهم من النزاعات والخلافات التي لا تهدأ، ومن ثم تضيع الأسرة، لعدم شعورها بالدفء والاحتواء التي كانت تنشده منذ بدء تكوينها.
وبالطبع كل هذه الآثار السلبية تؤثر على المجتمع كله، فانظر إذا كانت الأسرة مفككة، الأم تشعر بالقهر، مما يضعف عزيمتها في تربية أبنائها، بل تربيهم على التمرد حتى لا يصيرون في مكانها يومًا، والأبناء يعانون تفككًا في الأسرة وضياع في تفكيرهم ومستقبلهم، العلمي والعملي، فماذا إذن يعود على المجتمع؟ إن المجتمع حينها سيعاني من الشباب والأطفال الضائعين في شهواتهم، ولهوهم، وتفاهة أفكارهم، ولا يجد له داعم، فينحدر المجتمع في غياهب الانحدار والانحطاط في كل المستويات، السياسية والاجتماعية، والثقافية، والدينية، وكل المستويات التي ينبني عليها المجتمع المتحضر.
كيفية الحد من ظاهرة ظلم الزوج لزوجته
في البادئ، يقع عاتق اختيار الزوجة على الأسرة أولًا؛ فيجب ألا يغصب الأب أو الأم أولادهم على الزواج من إحداهن، والزوج لا يعرفها، ولا يعرف أخلاقها أو طباعها، بل يجب أن يخوض هو غمار حياته، ويرى من الأصلح له، ويختارها من بين الزوجات، لتكون هي زوجته المصون، التي تحافظ عليه، ويحافظ عليها، وتتفهمه، ويتفهمها، ويصير الولاء والاحترام قائم بينهما كل عمرهم.
والأمر الثاني، أنه يجب على الزوجة أن تتحرى كل صفات الزوج، في السراء والضراء، في الفرج والشدة، في كل مظاهر الحياة قبل أن تقبل به زوج، أو تتخذه زوجًا لها؛ فيجب أن تتحرى فيه الدين والأخلاق أولًا، كما يجب أن يكون الدين، ويكون الأخلاق، ثم يأتي بعد ذلك أي شيء آخر.
وبهذا يقي الزوج وزوجته نفسيهما مخاطر الظلم، وما يعود عليهما بالسلب في الدنيا والآخرة.