إن التسول ظاهرة انتشرت بشدة في المجتمع في الآونة الأخيرة، والمتسول، هو الشخص الذي يمد يديه للناس ليأخذ منهم المال، بأي طريقة.
والتسول لم يعد ظاهرة يمارسها قلة في المجتمع، بل وصلت إلى وظيفة كاملة يقتات منها بعض الرجال والنساء، ويأكل منها أولادهم، وهي وظيفة رغم أن كسب المال فيها سهل إلا أنها لا تحيد صاحبه عن مظاهر الذل والمهانة بين الناس، وبين أبنائه، وفي نفسه.
إن ظاهرة التسول، ظاهرة خطيرة، انتشرت بشدة في المجتمع في الآونة الأخيرة، وإنها إن دلت إنما تدل على انحدار الحال الذي وصل إليه البعض، من الفقر، والجوع، وغيره.
لكن المتسول لا يرى عيبًا أن يمد يديه للناس، لطالما مكسبها مضمون، والمال منها وفير، فانظر إلى ما يستطيع المستول جمعه في اليوم الواحد من التسول.
أشكال التسول في المجتمع
إن للتسول أشكال كثيرة، بل أخذ الناس يبتدعون فيها أساليب جديدة، فما كان قاصرًا في الأيام الآنفة على إنسان ذا ملابس رثة، وشكل قبيح، يمد يديه إلى الناس ساعيًا إلى المال المجاني الذي يأخذه دون تعب، أصبح التسول الآن يدخل في دائرته الشباب العاطلة، يطوفون على الناس في الشوارع يأخذون منهم المال، وفي الأسطر القليلة الآتية، قصة التسول.
إن الشكل الأول من أشكال التسول والتي نعرفها جيدًا، ونحفظها منذ قديم الأزل، هو الشخص الذي نلاقيه في الشوارع الفقيرة، يرتدي ملابس رثة، ووجهه يغلفه الغبار والتراب، ويسير بين الناس مادًا يديه طالبًا العون المادي، وفي فمه كلمة واحدة: (حاجة لله).
ثم تطور الأمر أكثر فأصبح هؤلاء المتسولين يجوبون الطرقات العامة، ويرتادون وسائل المواصلات العامة، وينتشرون بين الناس طالبين المال، يحتكون بينهم، ويتلفظون بكلمات تبعث الشفقة في قلوب الآخرين، فمنهم من يحلف بالأيمان أنه اب لأولاد وعنده كمّق هائل من الأمراض، والله يعلم صدق كلماته من كذبها.
ولكن ما جعل الناس لا تصدق هؤلاء المتسولون، هو تشابه ما يتلفظون به في كل مرة، فهم كلهم بلا استثناء، إما يعانون مرضًا، أو يعولون أولادًا، أو يموتون جوعًا كل يوم.
ثم تطور الأمر مرة أخرى، وأصبح المتسولون يجلسون في قارعة الطريق، وينشرون أولادهم في الطرقات، يحتكون بالناس، ويقبلون الأيادي، ويتمسحون في الأرجل، ناشرين الرعب بين الناس منهم، من أجل القليل من المال الذي قد يجود عليهم أحد به، أو لا ينالون شيئًا بعد ذلك كله.
إن مثل هذا المظهر من مظاهر التسول يبعث الحزن في القلب، والضيق في الصدر، وجنون العقل؛ إذ كيف لأم أو أب يسمح لنفسه أن يترك أولاده في الشوارع متخلين عن فطرتهم الجميلة، وروحهم الشفافة المفطورة على الشفافية، أن يجوبوا الشوارع لينشروا الرعب في نفوس الناس بما يفعلونه، وتحل مهارة الذل والمهانة محل الفطرة الجميلة التي خلقه الله بها.
وفي الزمن الحالي تطور الأمر إلى مظهر من مظاهر التسول، يثير الدهشة في النفوس، ويبعث على العجب؛ ذلك المظهر نراه في ذلك الشاب الأنيق الذي تراه يمشي في الشارع، وغالبًا في نفس الشارع كل مرة، يقف بمحاذاة الشخص، ومن ثم يبدأ يسرد عليه مشكلة هو واقع فيها، بأن يخبره –مثلًا- أنه تعرض للسرقة وأُخذ منه كل ماله، وهو يسكن في مكان بعيد، ويريد بعض المال حتى يستطيع أن يعود إلى بلده، ويعشم الشخص بكلمات تبعث على الشفقة من مثل: سأعطيك رقمي حتى تقابلني مرة أخرى وتسترد المال، وغيرها من العبارات التي توحي بصدق ما يقول، ويحصل على المال أخيرًا وهو يظن أنه لم يعرض نفسه للمهانة، ومن ثم يعيد الكرة مرة أخرى مع أشخاص آخرين.
إن هذا الأمر يبعث الناس على العجب والاشمئزاز في آن واحد، إذ كيف يكون هذا الشاب بمثل هذا المنطق، وهو قادر على العمل في أي مكان يستطيع أن يكسب منه المال بعرق جبينه، كيف يكون هذا الشاب بمثل هذه النضارة والحيوية، ويمد يديه ليتسول المال من الناس في الشوارع؟ إنه أمرٌ محير فعلًا.
وتلك هي مظاهر التسول المتعددة، وكيف تطورت مع مرور الوقت، والمتسول رغم كل ما يفعله، لا يشعر بالذل أو المهانة مما يفعله، لكن الشخص الذي يتعرض لظاهرة تسول أظن أنه يشعر بشيء ما مما يلاقيه على يد هؤلاء من أعمال النصب.
واقرأ هنا كذلك
أثر التسول على المجتمع
إن الشخص الذي يتعرض لظاهرة التسول، بشكل ما، يشعر في نفسه مشاعرًا متضاربة، قد لا يعترف بها، لكن النفس لا تخلو منها.
إن المتسول حين يهم بالهجوم على شخص ما، سرعان ما يشعر هذا الشخص بالخطر والخوف، لأنه لا يدري ما يمكن أن يفعله هذا المتسول، قد يضايقه بأشياء لا يحبها، كجذبه من ملابسه حتى يعطيه ما معه من المال، أو قد يغفله ويسرق منه ماله، أو أي شيء خطير قد يفعله المتسول ويهرب.
والمتسول الذي يدخل على الناس بعاهة في جسده، ينشر الرعب في نفوسهم، وشعور بالشفقة ووجع القلب، والألم على حاله.
غير الثقة التي تنعدم بين الأشخاص حين يهم أحد الشبان الأنيقين بأخذ المال من شخص ما، وتمر الأيام فيجد هذا الشخص ذلك الشاب يعيد الكرة مع أحد آخر، فسرعان ما يشعر الشخص بعدم الثقة في الآخرين، ولا يصدقهم مرة أخرى، حتى لو جاءه أحد يطلب المال لأنه في ضيق فعلًا ويحتاجه، لن يعطيه، لأنه يظنه متسولًا.
إن ظاهرة التسول تبعث على الشعور بالخطر وقلة الثقة، وعدم الأمان، إذ إن المكان الذي يغص بالمتسولين لا يشعر فيه الأشخاص بالراحة أو الأمان، لأنهم يعلمون أن ذلك المتسول ينظر لهم في مالهم وفي حياتهم بالحقد والحسد، ولو كان هذا غير صحيح، إلا أن الأشخاص ينتابهم مثل ذلك الشعور.
كيفية الحد من ظاهرة التسول
إن ظاهرة التسول بكل مظاهرها، وما تبعثه في النفوس، تحتاج إلى الحد منها. والحد من ظاهرة التسول يقع على عاتق الحكومة في المركز الأول، إذ إن الحكومة يجب أن تكافح مثل هذه الظواهر، تعول منهم الفقير الذي لا يقدر على المال فعلًا ولا حيلة له إلا أن يمد يديه حتى يدخل القوت بطنه، أو تأخذ المتسولين القادرين على العمل وتهيئ لهم فرصة عمل، يقتاتون منها، ويستفيدوا منهم في منفعة الدولة، لقاء أجر يحسن حياتهم ومعيشتهم، وأخص بذلك هؤلاء الشباب الذين يمدون يديهم لأنهم كسالى لا يبحثون عن العمل، أو يمدون أيديهم طلبًا للمال، ومن ثم يصرفونه على المخدرات وغيرها من مظاهر التدمير.
ثم في المرتبة الثانية يأتي دور الفرد الغني ناحية الفقير، وقد لاحظنا في المجتمع في الآونة الأخيرة، مجموعة من الشباب يلفون الشوارع، يبحثون عن المتسولين، أو الذين يقضون أيامهم نومًا في الشوارع، ويأخذونهم ويوفرون لهم معيشة أفضل، وأماكن ينامون فيها، ويبحثون لهم عن عمل، وإن هذا الفعل نابع عن الرغبة الدخيلة، مصحوبة بالحب، في إعانة هؤلاء الفقراء والضعفاء في المجتمع.
وحين يتكاتف المجتمع بأفراده، الحكومة، والأشخاص، يتسنى لهم الحد من ظاهرة التسول، ويعود الأمن للشوارع، وتعود الحضارة إلى أصلها.