إن العلم فضله عظيم على الإنسانية، فهو سبب ما توصلنا إليه الآن من تطور، ساهم بشكل أو بآخر في تسهيل حياتنا، وجعل معيشتنا أفضل، وحسن الأدوات التي يستخدمها الإنسان في حياته، فجعلت حياته أيسر وأفضل.
والعلم مطلب واجب على كل إنسان عاقل، قادر على التفكير بشكل سليم، عليه أن يلبي نداء العلم، وينهل من نبعه الذي لا ينضب، حتى يساهم في تطور العلم ورفعته، والإنسان يجب أن يطلب العلم منذ الصغر، “فالعلم في الصغر كالنقش على الحجر”.
فضل العلم على الإنسانية
إن فضل العلم واسع على الإنسانية؛ فالإنسان في كل جوانب حياته يرى مظاهر العلم، تلك المظاهر جعلت حياة الإنسان أسهل، ومعيشته أكثر راحة وتطورًا ورقيًا عما سابقها، فإنسان اليوم ليس كإنسان العصر الحجري.
والإنسان منذ وجوده على الأرض كان يحاول أن يجعل حياته أكثر سهولة، وأن يسخر من الطبيعة الأدوات التي تجعله يمارس أعماله بسهولة ويسر، وهذا الأمر توارثته الاجيال لكن بطريقة أوسع، مع اكتشافات أكثر، وتطور أكبر.
فاليوم أصبح العالم كله قرية صغيرة، بفضل العلم، وأصبح الاتصال بين الناس أيسر، بفضل العلم، وأصبح التنقل أسهل، بفضل العلم، وأصبح للأمراض التي لم يكن لها دواء، دواء فعال يشفي في لمح البصر. واستطاع الإنسان أن يسافر إلى الفضاء بفضل العلم، والإنسان اخترع الكمبيوتر بأشكاله، وأحجامه، واخترع أشياء كثيرة سهلت عليه حياته، وكل ذلك بفضل العلم.
العلم فضله على الإنسانية كبير، فالعلم كان سببًا على مر الزمن في رقي البشرية وتحضرها، وما توصل إليه البشر الآن من القوة في الاقتصاد والسياسة والعلوم، والحياة الاجتماعية والثقافية، كل ذلك بفضل العلم، الذي هو خلاصة أفكار العلماء.
الحث على طلب العلم
إن الإسلام أول ما تنزل على الرسول “صلى الله عليه وسلم” كان يدعو إلى العلم؛ إذ كانت الكلمة الأولى التي قالها جبريل “عليه السلام” لسيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم” من الوحي: اقرأ، وبعدها استمر الوحي يتنزل على الرسول “صلى الله عليه وسلم” يقيم عمدان الدولة الإسلامية، ويقيم فيها حدود الرقي والتحضر، في التشريعات والمعاملات، وكل شيء وضعه الإسلام كميزان لمعيشة الناس، وتعديل حياتهم من التخلف إلى الحضارة والرقي، كل ذلك بفضل العلم الذي أنزله الله على الرسول “صلى الله عليه وسلم” وهو القرآن الكريم.
والقرآن الكريم بدوره من أجل العلوم التي انبرى العلماء يفسرونه، ويكتبون حوله، حتى أن القرآن انقسم في علومه أقسام عدة، فمن علوم القرآن: علم التفسير، وعلم في أسباب النزول، وعلم في الناسخ والمنسوخ، وعلم في المتشابهات، وعلوم شتى في القرآن الكريم، كانت سببًا في تفهم الإنسان أكثر حول الإسلام، وذلك إلى جانب علوم الحديث الشريف.
وفي الوقت الذي كان فيه الغرب في أكثر العصور تخلفًا وانحدارًا وانحطاطًا، كان الإسلام يشق طريقه بين الدول، يدخلها ويفتحها بالعدل والمساواة، والسماحة، وكل تعاليم الإسلام التي علمنا إياها الرسول “صلى الله عليه وسلم”، وانتشرت في بقاع الأرض العلوم الإسلامية، في الكيمياء، والفلك، والرياضيات، والفلسفة، وعلم التاريخ، وعلوم شتى.
وبعد ذلك أصبح الغرب يورثون هذه العلوم عنا،و ويزدهرون تبعًا للقوانين التي انتهجناها في العلوم.
وإن العلم لا يعني تشييد البناءات، واختراع الطائرات والسيارات، وأجهزة التواصل المختلفة بكل أشكالها وأنواعها، بل العلم يعني ما يفكر فيه الإنسان بعقله، ويساهم في تغيير تفكير البشرية، ويزيدها تطورًا وتفتحًا على العالم، وأيضًا يعني الرقي في التعامل والتحضر، والرقي في الفن: في الموسيقى، والكتابة، والتصوير، والتمثيل.
والإسلام دعى إلى إعمال العقل دائمًا، وينكر على الإنسان أن يعيش بدون أن يعمل عقله، ليختار بين الصحيح والخاطئ، ويتعلم كيف يتعامل وفقًا للشريعة الإسلامية، والحدود التي حدها الله، بأن يتفكر في حكمتها، ويتسنتج منها العلوم المختلفة.
ومن أجل ذلك كله حث القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة على طلب العلم.
في القرآن الكريم
قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
وفي الآية الكريمة يتبين مدى عناية القرآن الكريم بالعلم، فيخبرنا أن من يطلب العلم يرفعه الله درجات، بشرط أن يكون العلم مصحوبًا بالإيمان، فكم من علوم ساهمت في تدمير البشرية.
قال تعالى: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ).
وفي الآية الكريمة، يميز الله الإنسان الذي يعقل من الذي لا يعقل، فالذي يعقل يتوصل إلى الطرق الصحيحة، ويتخير الخير من الشر، وكم من علماء رأيناهم يدخلون الإسلام بعد صراعات كبيرة مع العلم، أفنوا فيها عمرهم كله، ووجدوا أن القرآن الكريم أشار إليه في بساطة.
قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء).
وفي الآية الكريمة يبين الله ما يميز العلماء، أنهم رغم علمهم يخشون الله، لأنهم مدركين جيدًا مدى ما احتوى عليه الكون من المظاهر العظيمة التي لا يقدر عليها يد بشر أن يشكلها بالتشكيل الدقيق الذي عليه الكون، ولا تقدر الطبيعة أن تشكلها من تلقاء نفسها، لابد أن يكون وراءها خالق عظيم جليل، لذلك هم يخشون الله كثيرًا.
في السنة الشريفة
قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” (من سلَكَ طريقًا يبتغي فيهِ علمًا سلَكَ اللَّهُ بِهِ طريقًا إلى الجنَّةِ وإنَّ الملائِكةَ لتضعُ أجنحتَها رضاءً لطالبِ العلمِ وإنَّ العالمَ ليستغفرُ لَهُ من في السَّمواتِ ومن في الأرضِ حتَّى الحيتانُ في الماءِ وفضلُ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درْهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَ بِهِ فقد أخذَ بحظٍّ وافرٍ).
والرسول “صلى الله عليه وسلم” لا ينطق عن الهوى، فكل كلمة يتلفظ بها إنما بوحي من الله “سبحانه وتعالى”، والرسول “صلى الله عليه وسلم” أدرك قيمة العلم والعلماء، فأخبرنا أن من يسلك طريق العلم الصحيح، فإنه بذلك يسلك طريقًا إلى الجنة، وأن الملائكة تدعمه بإذن من الله وتستغفر له، حتى الحيتان في الماء، رضاء له، وأن العالم له فضل على الآخرين، كأنه القمر يضيء عتمة الكواكب.
ضرورة طلب العلم
ولكل ما سبق، لابد أن يطلب العلم كل إنسان على وجه الأرض، وكل إنسان له في عقله علم نابغ فيه، عليه أن يسعى إليه، عاقدًا النية لله، في أن يساهم في تطور الأمة، ويقودها إلى طريق التحضر والرقي، ويعلي من شأنها؛ فالعلم فضله عظيم عند الله والرسول “صلى الله عليه وسلم”، ومن يطلب العلم يصبح ذا مكانة عالية بين الناس، وبين الأمم الأخرى، يتلمسون علمه، حتى ينير عتمة العقول بما عرف من العلوم الأخرى.
دور الأسرة والمدرسة والمجتمع في طلب العلم
إن للأسرة والمدرسة والمجتمع دورًا مهمًا في ترسيخ العلم لدى الأبناء، وتحبيب العلم في نفوسهم ونبوغهم فيه.
فالأسرة يجب أن تدعم أبناءها معنويًا وماديًا حتى ينال ما يريد من الدرجات العلمية، ويحصل على ما يحب أن يتعلمه ويتقنه، ويبرع فيه، وألا تشكل عليه ضغطًا فتحبطه وتساهم في فشله.
وكذلك المدرسة والمجتمع، يجب أن تساهم بطريقة أو بأخرى في إشراك الطلاب في النشاطات التي توافق ميولهم العلمية، حتى ينموا عقولهم تنمية صحيحة خالية من الحشو والتخلف، ويساهم طلاب العلم بدورهم في بناء المجتمع.