إن موضوع ضياع الوقت موضوع شيق يجب أن نتناوله بالمناقشة، وعرض تأثيره، وكيفية المحافظة عليه؛ فالوقت له من الأهمية ما له، ولا يمكننا أن ننكر فضل الوقت علينا، وننعي الزمن الآن في الوقت الذي يذهب سدى دون طائل أو فائدة.
ونستعجب كيف أن الأيام أصبحت تمر مر الرياح دون أن نفعل شيء يذكر، أو نحقق إنجازًا كبيرًا، ويمر العمر دون أن نحقق اي إنجاز.
إن الوقت سيف ذو حدين، إما أن تستخدمه كسلاح في مسيرة أيامك، تنجز به الكثير مما تطمح فيه، أو تُقتل بنفس السلاح الذي قد تستخدمه، لذلك احذر جيدًا من ضياع الوقت، فإما في القمة، أو القاع الدائم.
معنى الوقت
إن الوقت هو الوعاء الكبير الذي يدور فيه عمرنا، نعبئ فيه ما نفعله، سواء في الخير أو الشر، سواء في الصالح أو الفاسد، سواء فيما يفيد، أو فيما يضر، أو قد لا نعبئ فيه أي شيء من الأصل. كل يرجع للإنسان وكيف ينظر إلى قيمة الوقت وكيف يستخدمه.
إن الوقت هو الكنز الذي يملكه الإنسان حقًا حين يأتي إلى الدنيا، فالإنسان حين يرى نور الشمس لا يملك من نفسه شيء سوى الوقت الذي يقضيه، وهو من تقع عليه مسئولية الاختيار، إما أن يضيع الوقت فيما يفيد، أو يضيع فيما يضر.
الإنسان إذا أنجز شيئًا في حياته، فيجب أن يتعلم مهارة عظيمة جدًا، تترسب في داخله بالمران المستمر، ألا وهو تنظيم الوقت؛ فتنظيم الوقت هو الذي يُحدث المعجزات في حياة الإنسان، وهو أيضًا الذي يجعل الإنسان في مكانة عالية في المجتمع.
الوقت صفحة بيضاء، الإنسان يخط فيه ما يحب وما يختار لنفسه.
وفي هذا المقال أحاول أن أوضح تأثير ضياع الوقت على الفئات المختلفة من الافراد، وأحاول أن أضع خطوات لتنظيم الوقت، وعلى سبيل المكافأة، أوضح في النهاية ما يعود على الإنسان من تنظيم الوقت.
تأثير ضياع الوقت
إن ضياع الوقت يعود على الإنسان بالآثار الوخيمة، والتي تدفع حياته إلى قاع المنحدر، فيشعر، وقد بلغ من الكبر ما بلغ، أنه لم يفعل في حياته أي شيء يذكر، فينتهي عمر الإنسان في حسرة على حاله، ويتمنى لو يعود به الزمن حتى ينجز ما لم يتسنى له إنجازه في حياته السالفة.
ولأن المجتمع ممتلئ بالفئات، فإن الوقت يمثل لكل فئة في المجتمع أهمية خاصة، ويعود عليها بالضرر إذا لم تستغله، فمثلًا:
الطلاب؛ الذين ينشدون العلم، ويسعون وراء تحصيله قدر المستطاع، آملين أن يكونوا ذا شأن يومًا ما، الوقت هو سلاحهم الوحيد إلى جانب عقلهم في الاستذكار، لتحصيل أكبر قدر من المعلومات، فإذا أهمل الطالب مذاكرته، ودروسه، ولم ينظم وقته عليها، تراكمت عليه الدروس والمواد، وحين يقترب الامتحان، يحيط به الخوف من كل جانب، فلا يجد أمامه بد من الرسوب في الامتحان.
أيضًا، الشاب الذي اشتد عوده، ويريد أن يصبح في المستقبل أفضل مما هو عليه في الوقت الراهن، إذا ضيع وقته بين اللهو دون أن يكون رقيبًا على نفسه، فإنه بذلك يحكم على مستقبله بالاندثار، ويصطدم في النهاية بفشله في الحياة؛ فما كان يجب أن يقضيه في التطوير، وزيادة الحصيلة اللغوية، وزيادة الحصيلة العلمية في مجال معين يرنو إليه، أضاعه في اللهو مع الأصدقاء وفي الخروج أغلب الوقت، وفي الوقت المتبقي يقضيه في النوم، حتى ينسى نفسه في لذة هذه الدائرة، ويعود عليه بالسقوط والانحدار، ولا ينفع الندم فيما بعد، لا ينفع حين يأخذه الكبر، وتتراكم عليه المسئوليات، سيجد نفسه مضطرًا لأن يعمل في أي شيء حتى يرضي مسئولياته، ويضيع منه ما كان يطمح فيه يومًا ما.
أيضًا، العامل أو الموظف، إذا ضيع وقته بين عمله وأصدقائه، مهملًا زوجته وأولاده، فإنه بذلك يقضي على حياته الأسرية، ويساعد في تفكك العلاقة بينه وابنه أو ابنته، ويعدونه أنانيًا لا يفكر إلا في نفسه، وإذا أهمل أعماله من أجل أسرته وأصدقائه، سرعان ما يطالبونه بتلبية احتياجاتهم، المسئول عنها دائمًا، والتي يجب أن ينظر إليها بعين الاعتبار، لذلك يجب على الأب أن ينظم وقته بين عمله، ونفسه، وبيته وأولاده، حتى تستقيم حياته وتستقر.
لك أيضًا هذه المقالات المُفيدة
ولا يقتصر الأمر على الطالب، والشاب الواعد، أو الأب، بل فئات كثيرة في المجتمع ينطبق عليهم نفس الأمر في ضياع الوقت، إذا لم يحسنوا استغلال أوقاتهم، شعروا بخواء في حياتهم، وأن ما أنجزوه يمكن عده على الأصابع، فلا يشعرون بأهمية خلفوها لأنفسهم في الحياة، لا في أنفسهم، ولا بين أقرب الناس إليهم، وهكذا يقضون حياتهم في قبر مظلم من الكسل، والنوم الطويل، والخمول الذي لا ينقطع، والعاقبة في النهاية تكون وخيمة.
كيفية تنظيم الوقت
وبعد أن حاولت استعراض الآثار السلبية التي تترتب على ضياع الوقت، أحاول أن أضع أمام القارئ الخطوة الأولى في مسيرة تنظيم الوقت والحفاظ عليه، حتى يقيه من الضياع، ويقي وعاءه من الانكسار، ويستطيع أن يملأ فيه أكبر قدر من المنجزات.
إن الإنسان الذي يستطيع إنجاز الكثير من الأمور، لديه أربعة وعشرين ساعة، تمامًا كالإنسان الخامل الكسول الذي يعيش في نوم طويل، وتسويف لا ينقطع نهائيًا؛ فالطموح لا يزيد عن غير الطموح ساعة أو أزيد، بل لديهم نفس المخزون من الوقت في اليوم.
لكن يفرق إنسان من آخر في طريقة تنظيم الوقت. فهناك إنسان يقضي اليوم كله في قضاء شيء تافه، وتقضية بقية الوقت في اللهو والمرح، والنوم والكسل. وهناك إنسان يعرف أولوياته، وما يجب عليه فعله في المقام الأول، وما يمكن تأجيله إلى يوم آخر، وما يوم تأجيله إلى أسبوع أو أكثر.
لذلك أول خطوة في طريق تنظيم الوقت أن يعرف الإنسان أولوياته وكتابتها في قائمة، ثم يستخلص منها الأمور الهامة العاجلة في تنفيذها، وتخصيص لها وقت معين، لا يحيد عنها إلا حين ينتهي منها، لا يتلهى في ذلك الوقت بأي شيء من الملهيات، لكن يستطيع كل مدة معينة من العمل أن يأخذ راحة لعينيه أو لجسده، ثم يستأنف العمل. وفي النهاية سيجد نفسه أنجز ما له الأولوية في الإنجاز، ويتبقى من وقته ما يستطيع أن يفعل فيه ما يحلو له.
ثم بعد ذلك ينظر إلى الأمور الأقل في الأولوية ويبدأ في تنفيذها. إن الأمر ليس بالصعوية التي يصورها البعض؛ إذ يتطلب الأمر كله أن ينظر الإنسان في أولوياته، ويعرف ما عليه في صورة شاملة، ثم يحدد الأولويات العاجلة ثم الأقل ثم الأقل، ويضع لكل منها وقتًا لتنفيذها، وما يتبقى فهو لنفسه.
وفي النهاية سيشعر الإنسان أن حياته مليئة بالمنجزات، حتى لو اقتصر في اليوم على شيء قليل ينجزه، على المدى البعيد سيجد ما شرع فيه يكبر مع الوقت ليشكل إنجازًا كبيرًا، ويشعر الإنسان بأهميته في الحياة، بل يزيد الأمر من حماسته فينجز أكثر، ويأخذ من وقت لهوه وكسله من أجل أن ينفذ مشاريعًا أكبر، فيصير قويًا له سلطة على وقته وتحكمًا كبيرًا، يعطيه الثقة في نفسه، والطمأنينة حول مستقبله.