إن الإنسان حين يشتد عوده، ويصبح مسئولًا أمام نفسه بالكثير من الواجبات التي يجب أن يؤديها، لإرضاء نفسه، أو إرضاء مسيرة حياته، إن كان متزوجًا، أو له هدف في الحياة، أيًا كان الهدف؛ يعاني من الحياة ضغوطات، هي عقبات تعرقل مسيرته، وتدفعه إلى الجنون في بعض الأحيان، فإما يتسم بالقوة في مواجهتها، أو يقع فريستها عند أول مطب يقابله، ويعرقل طريقه.
تلك الضغوط لا تخلو منها أيامنا، تشعرنا دائمًا أن الحياة تصر على محاربتنا بها، كأن الحياة تقف في مسيرة تقدمنا، أو لا تريد أن تجعلنا هانئين في عيشنا، كأن الحياة خُلقت ضدنا رغم أننا نفعل ما بوسعنا حتى نجعلها ميسرة، جميلة، تخلو من الشقاء والعراقيل.
فيصيب الفتور نفوسنا، وسرعان ما تهبط عزيمتنا، وتنتصر علينا الحياة، لطالما اعتقدنا أنها تقيم مؤامرة لا تنتهي علينا، لكن الحياة على قسوتها، فإن التعامل معها بسيط، وحلول مشكلاتها في أقل ما يمكن أن نفكر به، غير أن هذه الضغوط لها فائدة وحكمة، تربينا على أخلاقيات معينة، إذا واجهناها بالحكمة والعقل، بإدراك نهايتها، والخروج منها بأقل الخسائر، نصبح على الإنسانية التي يجب أن نكون عليها.
ضغوط الحياة
إن ضغوط الحياة كثيرة، فكل إنسان على وجه الأرض له قصة، تشكل ضغط عليه في حياته، وتضغط روحه وشعوره دائمًا، ولا يجد لها محيص، فهي تطارده دائمًا.
وضغوط الحياة لا يخلو منها الكبير أو الصغير، فالكل يعاني ضغوطًا في الحياة حتى الرضيع، لكن الكبار دائمًا هم من يحملون على عاتقهم ضغوط صغارهم، محاولين أن يخففوها عنهم، ويرفعوها عن كاهلهم الصغير الضعيف.
ضغوط الحياة دروبها كثيرة، ومظاهرها لا تعد، فكما قلت أن كل إنسان لديه قصة تشكل عائقًا في حياته، وكل إنسان قد يصبح هانئًا مطمئنًا، ثم يفاجأ بأمر مستحدث عليه يشكل عاقبة في حياته، لكني سأحاول أن أفرد أهم الضغوط التي يعاني منها الإنسان في الحياة، وتأثيرها عليه، ومن ثم كيفية التغلب عليها.
ضغط اتباع الشهوات
إن أول تلك الضغوط وأعظمها، الطرق الخاطئة التي يسلكها الإنسان في حياته دون أن يعي، أو حين تغشاه الشهوة، فتشكل على المدى البعيد دون أن يدري، عائقًا يضغط عليه، ويشعره بتأنيب الضمير دائمًا.
فالإنسان الذي يفعل شيئًا خاطئًا، يحرمه أمرًا كبيرًا يرغب فيه فيما بعد، كوظيفة مثلًا، حرمه منها المخدرات، يبدأ هذا الخطأ يضغط على حياته ولا سبيل إلى التخلص منه.
والإنسان الذي يسير في الطرق المشبوهة، من الصعب أن يشعر باحترام الغير له، ويرى الكل ضده، لا يأبهون لرأيه، ولا يقتنعون بحكمته، على الرغم أنه قد يمتلك شيء من الحكمة، لكنه لا يتمتع بالجهر بها، لأنها مضغوط بالشهوات التي كبل نفسه بها.
ذلك النوع من الضغط، الناجم عن اتباع طريق الشهوات، سرعان ما يُشعر الإنسان بالمهانة بين أقربائه، والذل بينهم، والقهر لنفسه، ويظل في دوامة كبيرة من تأنيب الضمير، وقد لا يعود عن أخطائه فيحاول يصححها، بل يتمادى فيها، مقتنعًا في داخله أنه لا سبيل لبلوغ مرتبة الاحترام التي يرى فيها غيره.
ذلك النوع من الضغط قد يودي بصاحبه في غياهب الوحدة والانطواء والانعزال عن المجتمع، كأنه ميت بينهم، وحي عند إرضاء شهواته فقط، ويدفن بذلك كل النافع في داخله، ولو كان قليلًا، حتى يتوارى خلف الثرى، ويخلف عمله السيء بين الناس. ذلك النوع من الضغط أمره شديد، وهو كالوباء قد ينتشر سريعًا، ويتفشى بين الشباب بخاصة، فيهدد حياتهم، ويتوعدهم بمصير هلاكه جلل.
ولكي يتجنب الإنسان هذا النوع من ضغوط الحياة، يجب أن يتحرى في حياته دائمًا الأخلاق الحميدة والدين القويم، فهم كالمنقذ، يمسكان بيديه قبل أن يقع في هاوية الشهوات؛ وهذه المسئولية تقع على الآباء والمجتمع بوسائله الإعلامية والتعليمية لتنشئة الأبناء، يرشدون دائمًا إلى الطريق القويم، ويحذرونه من طرق الشهوات، ويستغلون طاقته فيما ينفعه وينفعهم، فلا يملك الوقت الذي ينشغل فيه بشهواته، ويسير في دربها، ويهلك فيها.
ضغوط الحياة على الآباء
إن من أنواع ضغوط الحياة، ما يقع على عاتق الآباء من المسئولية تجاه الأسرة، والعمل، والترقية، وكثير من الأمور التي تشغل الآباء في حياته، وتشكل ضغطًا لا ينتهي عليهم.
فالأب دائمًا قلق على أولاده، يرنو دائمًا إلى مستقبلهم، بكفاح مستمر حتى يؤمن لهم حياتهم المستقبلية، مشوب بشيء من الخوف أن يفشل في تربيتهم، أو يذهب ما يفعله سدى، فيظل مهمومًا منكودًا، حتى لو لم يظهر ذلك لأبنائه وزوجته، فإنه يكتمه في نفسه، وغير ما يعانيه في العمل من الضغوطات، والقلق على مسيرة أعماله دائمًا التي تؤمن حياته وحياة أبنائه، غير تدبير المال اللازم لإرضاء حاجاتهم التي لا تنقطع، كل ذلك يشكل ضغطًا هائلًا على الأب لا يتخلص منه ما دام حيًا، وحتى لو كبر أبناؤه، فإنه يستمر في قلقه عليهم، لا يهدأ له بال إلا بالاطمئنان على حياتهم العملية والأسرية والاجتماعية، وكل ما يرتبط بهم.
وعند المصائب التي قد تحيق بالأسرة، تجد الأب هو المتصدر لها، صاحب الرأي السليم، والقرار السديد، والبطل الأوحد في وجه المشاكل التي تقع على عاتق الأسرة، فينام الأبناء، ويسهر الأب على مشاكله محاولًا لملمتها، وحلها بأقل الخسائر الممكنة.
وتأثير هذه الضغوط على الأب وخيم، قد يصل إلى حد الأمراض التي لا سبيل إلى الشفاء منها، الأمراض المزمنة، أو الموت كمدًا من القلق الدائم الذي لا ينتهي، تلك الضغوطات إذا ما واجهها الأب بقلب سمح، ونفس بسيطة، ترجو دائمًا كرم الله، وعين هانئة، أصبحت كارثة تحل عليه وعلى أسرته.
لذا، حل هذه العوائق والضغوطات التي تقع على الآباء دائمًا، ألا ينظر إليها الأب نظرة المصائب المدعاة للقلق الدائم، وأن يترك رزقه على الله، وأن يفعل ما يمليه عليه ضميره، غير أن جزء من المسئولية يقع على عاتق المجتمع في تأمين معيشة الأسر، وتأمين حياتهم، والوقوف بجانب الآباء في حقوقه، كما يطالبه دائمًا بالواجبات.
ضغوط الطلاب التعليمية
إن من أنواع الضغوطات الحياتية، الضغوطات التي تقع على طلاب العلم، فالمجتمع يلزمهم بتعلم مناهج عقيمة لا تغني ولا تسمن، ويطالبونهم دائمًا بإحراز أعلى الدرجات فيها، ولا يهتمون برغبات الطلاب، أو دعمهم المعنوي أثناء المرحلة التعليمية.
مما يدفع الطلاب إلى القلق الدائم، من الضغط الواقع عليهم من المدرسة، والأسرة، الذي يطالبون دائمًا الطالب بضرورة إحراز الدرجات العالية في المواد حتى يصبح ذا شأن في المجتمع، وإن لم يحرز الدرجات المنشودة، انحط مستقبله، وأصبح في مكانة تافهة لا ينظر إليها المجتمع ولا يأبهون بها.
وتأثير هذا الضغط، القلق الذي يحيق بعقول الطلاب، وقد سمعنا في الآونة الأخيرة عدد المنتحرين، المتاثرين بنتائج الثانوية العامة، وحالات الاكتئاب التي تحيط بالطلاب، وتدخلهم في دوامة الأمراض النفسية، كل ذلك والطالب ما زال في ريعان شبابه.
والواجب على المجتمع والأسرة ألا يهولوا من الأمور ويعطونها أكبر من حجمها، وأن يرحموا الضغط الذي يفرضوه على الطلاب، وأن يدعموهم معنويًا وماديًا، ويلبون رغباتهم في التعلم حتى ينبغوا فيما يحبون، ويرتفعوا بمكانة مجتمعهم.