صفة الأمانة خلقٌ إنساني، يجب أن يتصف به كل إنسان عاقل بالغ على وجه البسيطة؛ فالحياة حتى تستقيم يجب أن تقوم على عدة أسس وقوانين اجتماعية، إذا التزم بها الناس بين بعضهم البعض، حل الأمان بينهم، وازداد الثقة فيما بينهم، فلا ينتابهم خوف أو ينتشر بينهم البغضاء.
والأمانة، هي أول الصفات الاجتماعية الإنسانية التي يجب أن يتصف بها الإنسان في كل أمور حياته، حتى يسود بينه وبين المجتمع الثقة في تعامله مع الغير، فلا ينذبه الناس بالشك أو يطعنه أحد في أمانته.
وقبل أن تكون الأمانة خلق إنساني، فإنه خلق حث عليه الرسول “صلى الله عليه وسلم، ودعى إليه القرآن الكريم، وكان الرسول “صلى الله عليه وسلم” خير من اتصف بالأمانة، إذ كان يلقب بالصادق الأمين، حتى قبل أن يُبعث بالإسلام، وكان الناس يعرفونه بالخق القويم والأمانة والصدق.
وأول ما يدل على أن الرسول “صلى الله عليه وسلم” خير من اتصف بالأمانة، أنه “صلى الله عليه وسلم” عندما نزل عليه جبريل بالوحي، وأمره بدعوة الناس إلى الإسلام، لبى الرسول “صلى الله عليه وسلم” النداء، وشرع في مسيرة حياته كلها يدعو إلى الإسلام، ويزيد من بقعة الدولة الإسلامية، على خطى القرآن الذي تنزل من عند الله، دون أن يزيد فيه، أو يُنقص منه، بل كان “صلى الله عليه وسلم” يوضح ما نزل في القرآن الكريم، ويُلزم الصحابة أن يلتزموا به.
وذلك أول دليل على أمانته “صلى الله عليه وسلم” وأعظم دليل، وإذا أردنا دليلًا آخر، فهو ما فعله الرسول “صلى الله عليه وسلم” مع السيدة خديجة، حين عمل معها في التجارة، فكانت “رضي الله عنها” تأتمنه على تجارتها، وكان الرسول “صلى الله عليه وسلم” له بركة، فيزيد ربح التجارة عما كانت تتوقعه، وحين عزمت على الزواج به، اعتقد الناس أنه سيطمع بمالها، لكنه “صلى الله عليه وسلم” لم يطمع في مالها، بل حافظ عليه وزاده بركة، فكانت السيدة خديجة “رضي الله عنها”
وفي معنى الأمانة أقول، أن الأمانة هي كل ما يؤتمن عليه الإنسان في العبادة؛ كالصيام، الصلاة، والزكاة، وغيرها. وأمانة الإعراض عن المال الذي لا يحق للإنسان، أو المال الذي يخص غيره ويودعه معه.
فضل الالتزام بصفة الأمانة
إن صفة الأمانة، لها على من يتحلى بها فضائل دنيوية، وفضائل يكافأ بها العبد يوم القيامة.
أما في الدنيا، نرى الأمانة تؤدي بصاحبها إلى الثقة المتبادلة بينه وبين غيره من الناس، إذ لا يشكون فيه، أو يفتشون وراءه، او يكذبونه، بل يحسون بالطمأنينة بإيداع أماناتهم عنده، أو إخباره بالأسرار، غير المودة والحب الذي يشاع بين الأفراد، تلك هي فضائل صفة الأمانة في الدنيا، الأمانة تحمل الخير بين الناس، وتسود المودة والألفة فيما بينهم.
أما في الآخرة، فإن المتصف بالأمانة ينال جنة الله “سبحانه وتعالى” لأن الإنسان الملتزم بصفة الأمانة، يطبقها على كل ما فُرض عليه في الحياة، من العبادة، والمعاملات وكل أنواع الأمانة، فمن يلتزم بكل أنواع الأمانة يشعر بالرضا يغمر قلبه، وهو ناتج عن رضا الله “سبحانه وتعالى”.
أنواع الأمانة
إن الأمانة انواع، لابد أن يعرفها الإنسان ويلتزم بها، ويحرص على تطبيقها في حياته، حتى تعود بالفضائل التي ذكرتها آنفًا على حياته، ولا تدفعه رغبة أن يحيد عن الامانة، حتى ينال رضا الله في الآخرة، ومحبة الناس في الدنيا، والائتلاف فيما بينهم.
وأول نوع من أنواع الأمانة، هي الأمانة في آداء العبادات، فالإنسان الذي يلتزم بكل تعاليم الله والرسول “صلى الله عليه وسلم”، ويؤدي فروضه كما يحب الله، ويؤدي نوافله تقربًا إلى الله على خطى الرسول “صلى الله عليه وسلم” والتزم بقرآنه، وغمر قلبه بالذكر، وتعاليم الإسلام، فإنه بذلك يحافظ على الأمانة التي حملها الله إياها في حياته، وفي النهاية لا يتساوى الإنسان الملتزم بكل ما أمره الله به، والإنسان يؤدي الفروض لمجرد تأديتها أو لا يؤديها إطلاقًا.
والأمانة في أداء العبادات لا تقتصر أداء العبادات المفروضة، والنوافل التي يتقرب بها العبد من الله، بل كل ما يتحراه العبد لكي يؤدي شكر نعمة الله عليه، فالله نعمه واسعة كبيرة، أولها أنه خلق الإنسان على الدين القويم، وعى ذلك فإن من الأمانات التي قد يلتزم بها العبد ليؤدي شكر نعمة الله، ان يتصدق على غيره من الفقراء، او يفعل أي عمل من أعمال الخير، تقربًا إلى الله، وزيادة محبة في الله ورحمته، وشكر للنعمة التي وهبها الله إياها.
إن أول نوع من أنواع الأمانة، هو أجل نوع، ما إن يتمسك بها العبد حتى يهبه الله الرزق في كل حياته، وتعم صفة الأمانة حياته بكل أنواعها بالفطرة، بل كل الخير يعم حياته.
والنوع الثاني من أنواع الأمانة، أمانة حفظ الجوارح من الشهوات، فالنفس ليس عليها سلطان، تدفع الإنسان إلى الطريق السهل، وهو طريق الشهوات، الذي يدفع صاحبه إلى الهلاك.
والإنسان الذي حافظ على نفسه من الشهوات، يحافظ على الأمانة التي أودعها الله إياه، وهي جسده وعقله وكل جوارحه، وهذه الصفة من الأمانة هي نوع من شكر النعمة التي يهبها الله إلى العبد، فالله رزقنا نعمة البصر، والسمع، والتنفس، واللمس، وكل شيء في الإنسان هو نعمة من عند الله “سبحانه وتعالى”، فالإنسان لا يغضب الله بأن يهدر أمانته، في النظر إلى ما حرمه الله، أو الطمع في شيء لا يحق له، أو يفعل بجوارحه ما يغضب الله مما حرمه.
بل يجب على الإنسان أن يحافظ على جوارحه بعمل ما يفيد، كالقراءة، وعمل الخير، وتلقي العلم، العمل، وغيرهم من الأمور التي يجب أن يلتزم بها الإنسان للحفاظ على أمانة الجوارح.
والنوع الثالث من أنواع الأمانة، هو أمانة حفظ العهد، وأمانة العهد، معناها أن يحفظ الإنسان كل العهود الذي التزم بها مع الآخرين، بالالتزام بالمواعيد في أداء الأمانات مثلًا، أو مواعيد المقابلات، أو أي شيء قد يضم معنى العهد يلتزم به الإنسان لكي يتحلى بهذه الصفة الجليلة.
اخترنا لك أيضًا
وآخر درب من دروب الأمانة، هو أمانة ما ينطق به اللسان، نعم، فاللسان يجب أن يتحرى الأمانة فيما ينقله عن الغير، والإنسان لكي يتحلى بالأمانة، لابد أن يتحرى الدقة فيما يقول، أو يصمت، لأن ما يلفظ به الإنسان، قد يؤدي إلى الخير بين الناس، أو الشر فيما بينهم، إن الكلمة قد تؤدي إلى قيام الحروب، وإشعال الفتن، فالإشاعات التي نواجهها في أيامنا هذه، أدت إلى خراب كثير من المجتمعات، والبيوت، لذلك لابد للإنسان أن يحافظ على ما يخرج من لسانه، أو يكتبه على الورق، لأن الإنسان سوف يحاسب على ما يقول يوم القيامة.
إن الأمانة صفة يجب أن يتحلى بها كل مسلم، بل كل إنسان على وجه البسيطة، حتى يسود الود والعمار فيما بين الناس، وفي المجتمعات الكبيرة والصغيرة، إن الأمانة هي من إحدى أسس قيام الحضارة، فلابد أن يتحرى الإنسان ما يفعل وما يقول وما يحافظ عليه من العهود والودائع، حتى يسود الرقي بين المجتمعات.