فضل الله شهر رمضان على غيره من الشهور؛ إذ تنزل فيه القرآن، فكان هدى وبيان للناس، يرشدهم إلى الطريق الصحيح المستقيم، الذي يحدوه الخير من كل الجوانب رغم صعوبة مسلكه، وينهيهم عن الطريق الفاسد المليئ بالشهوات، والذي ينتهي بالهلاك، رغم سهولة مسلكه.
إن الله فضل شهر رمضان على غيره من الشهور، لأن من صامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله ما تقدم من ذنبه، قال “صلى الله عليه وسلم”: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه).
قال “تعالى”: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ).
قال “تعالى”: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
والتقوى كلمة عامة شاملة للكثير من المعاني والسبل التي يسلكها الإنسان حتى ينال رضا الله، ويحظى أجل الدرجات يوم القيامة عند الحساب، ويدخل الجنة وقد رُجحت كفة خيراته في الدنيا.
وفي هذا المقال أضع الخطوات المناسبة التي يجب أن يتبعها المسلم حتى يستعد لشهر رمضان، ويخوض التجربة الرمضانية بما فيها من بهجة وروحانية جميلة، تجعل الإنسان يخرج من الشهر وقد اطمأنت نفسه، وتحلى بالخلق القويمة.
الاستعداد لشهر رمضان
إن الله أعطانا هدية جليلة قبل شهر رمضان، هما شهري رجب وشعبان، وفي هذين الشهرين حكمة بليغة يجب أن يعيها المسلم، ويتخذهما السبيل للاستعداد للشهر الكريم.
إنه على المؤمن في هذين الشهرين من باب أولى، أن يعقد النية: نية التدرب على الصيام، متحملًا مشقته وعنائه، في الحفاظ على نفسه من الشهوات، والتحلي بالصبر، وأن يقيم العبادات التي أهملها في أيامه الأخرى.
وبعد النية، يجب على الإنسان أن يبدأ في التنفيذ على الفور في غير ملل أو كلل، بل يجب أن يدرب نفسه ألا يكل أو يمل، يجب عليه أن يقيم صلاته في المسجد، يصيب يومًا ويخفق يومًا وفي النهاية يكون قد تعود الصلاة في المسجد، وأن يبدأ في التعرف إلى القرآن الكريم الذي هجره منذ فترة بعيدة، فيحاول ختمته مرة واحدة على الأقل يكون قد أعاد التعرف إليه، وعلم شيئًا مما فيه.
وإذا استطاع الإنسان أن يفعل هذا في هذين الشهرين، فقد تمكن من الاستعداد للشهر الكريم، الاستعداد الذي يجعله صائمًا مؤمنًا محتسبًا.
العشرة الاوائل من رمضان
إن العشرة أيام الأوائل من الشهر الكريم عادة ما تكون مصحوبة بالحماس المزيف الذي يدخل قلب المسلم حينئذٍ، وأقول مزيفًا لأنه سرعان ما تكل عزيمة المؤمن بعد بضعة أيام من مجيء الشهر الكريم، فلا يعبد الله حق العبادة، ولا يؤدي الطاعة كما هي واجبة فلا يستحق في النهاية الفضائل العظيمة التي أعدها الله للصائمين.
ولكي يُدخل الإنسان الحماسة الحقيقية في نفسه، ولا تنتهي هذه الحماسة طوال الشهر، بل في عامه كله، لابد أن يحسن الاستعداد لمجيئ الشهر المبارك كما سبق أن أوضحت، كخطوة أولى في طريق صيامه، ثم يجب أن يعلم عن فضائل الشهر الكريم، وفضائل الشهر الكريم عظيمة، تستحق أن يجاهد الإنسان نفسه من أجلها حياته كلها وليس في شهر رمضان فقط.
فالإنسان الذي يضع نصب عينيه مغفرة الله الدائمة له في هذا الشهر، ويعلم جيدًا أنه سينال الجزاء العظيم يوم القيامة إذا أتم صيامه كما يجب أن يكون، والذي يدرك مدى الأخلاقيات الكريمة التي يربيه عليها الصيام، ويدرك الباب المخصص في الجنة الذي يدخل منه الصائمون، يستطيع أن يؤدي صيامه إيمانًا واحتسابًا، بروحانية جميلة تعبق بمحبة الله “سبحانه وتعالى”، ويشحن نفسه بالحماسة الدائمة التي لا تنقطع، والتي تكون حقيقية بعيدة عن التكلف والتصنع والزيف.
العشرة التالية من شهر رمضان
حينما يمر على المسلم العشرة الأيام الأولى، ويدخل غمار العشرة أيام الثانية، فإنه، في الغالب، يعاني انخفاض في الحماسة، قد يكون دوافعها كثرة انشغالاته في الطقوس المجتمعية في هذا الشهر الفضيل، أو كلت عزيمته ووهنت، فما عاد يشعر بالحماس الذي شعر به في أول الشهر، رغم أنه ملأ نفسه حماسًا حقيقيًا، وبالتالي تهبط عبادته، ويصبح على حافة الهاوية.
لذلك المطلوب من الإنسان أن ينتبه جيدًا، حين يقارب العشرة الأوائل على الانتهاء، أن يشحن نفسه من جديد، يجدد إيمانه، يذكر نفسه بالفضائل التي أعدها الله للصائمين، ويدفع نفسه في سبيلها، كأنما يشحن طاقته من جديد، ويحاول أن يغالب نفسه الدنيئة، التي تدفعه دائمًا على الكسل، والخمول عن الطريق القويم. وبذلك يستطيع أن يعيد شحن الحماسة في نفسه من جديد، ولا تهبط عزيمته بحلول العشرة أيام التالية.
ويكون قادرًا على الخوض في طريق العبادات، ومن الأفضل أن يحرص المسلم على الإكثار من عبادته، بأن يؤدي العبادات بشكل مضاعف، بمعنى أصح أن يورط نفسه في العبادات، وهي خير توريطه قد يدفع إليها الإنسان نفسه، وبذلك يتحمل مسئولية الطريق الذي بدأه بانه يجب أن ينهيه، فيزيد من صلاته، ويكثر من قراءة القرآن، ويضاعف صدقاته، ويبتهل بخشوع أكبر، حتى يقارب على العشرة أيام الأخيرة.
العشرة الأواخر من رمضان
إن العشرة الأواخر هي فرصة سانحة للمسلم الصائم، فإذا لم يستطع الإنسان أن يؤدي العبادات على أكمل وجه في العشرين يومًا الأولى، فإنه يمكن أن يكثف عباداته في هذه العشرة الأواخر ويحظى بالمكانة التي كان يرنو إليها من البداية.
ولا معنى هذا أن يتكاسل الإنسان طوال الشهر ويكثف العبادة في هذه العشرة الأواخر، بل أخص بكلامي الإنسان الذي حاول جهاد نفسه حق الجهاد لكنه سقط في هفوات بسيطة أشابت عباداته وصيامه، هؤلاء هم من أخصهم بكلامي.
العشرة الأواخر يترقب فيها المسلمون ليلة هي عند الله خير من ألف شهر، وهي ليلة القدر، الليلة التي تنزل فيها القرآن على الرسول “صلى الله عليه وسلم”، لذلك يجب على المسلمين أن يأخذوا بهذه الأهمية التي يوليها الله هذه الليلة، ويجاهدوا أنفسهم في العبادة، ويكثفوها قدر الإمكان، بالصلاة، والابتهال، والبعد عن المحرمات، ومضاعفة العبادات التي تقرب بين العبد وربه، حتى يخرج من الشهر إن شاء الله وقد غُفر ذنبه، وجازاه الله خير الجزاء، وصار في منزلة عالية في الدنيا والآخرة.
أخلاقيات
إن الصيام له حكمة جليلة للإنسان، يجب أن يعيها ويسعى من أجلها حتى يرتاح في عمره كله.
إن الصيام يربي الإنسان على الصبر، ومجاهدة النفس، وسكينة القلب؛ فالإنسان حين يصوم ينمي في نفسه الصبر على أداء العبادات، فيتعود عليها وتكون سببًا في دخول الجنة، والصبر على مشقة قلة الطعام والشراب، وفي ذلك تهذيب للنفس، والصبر على المحرمات، فلا يقربها الإنسان، ويهذب نفسه، ويربيها على البعد عن الشهوات، ويصير الإنسان أمام نفسه ذا عزة وهيبة، لا تستطيع أن تكسره شهوة، أو تحط من ذاته إلى الحقارة.
شهر رمضان طقس إجتماعي
إنه إلى جانب دور العبادة التي تضج بالمسلمين والمقبلين على الله في هذا الشهر الكريم، هناك الكثير من المظاهر الاجتماعية التي لا نراها إلا في هذا الشهر الكريم، ولا نترقبها إلا في هذا الشهر؛ كالفوانيس، والزينة، وموائد الرحمن، والرحمة التي تطغى على قلوب الناس في هذا الشهر، ومظاهر التهنئة بحلول الشهر الكريم، غير المأكولات الرمضانية الشهية التي لا تذهب إليها النفس إلا في هذا الشهر الكريم.