كان الرسول محمد “صلى الله عليه وسلم” أسوة حسنة، بُعث في الناس ليتم فيهم مكارم الأخلاق، ويرشدهم إلى الطريق الصحيح المؤدي إلى الوحدانية، ولكي ينبذ فيهم التعصب والحروب والقتل، كل ذلك بأمر من الله “سبحانه وتعالى”، والرسول “صلى الله عليه وسلم” تمسك بدعوته للناس، فوحد القبائل المتفرقة، وبنى دولة الإسلام في المدينة المنورة (يثرب)، وفتح مكة، وأعلى كلمة الإسلام بإذن الله تعالى.
والرسول “صلى الله عليه وسلم” بذلك خير قدوة في كل أمور الحياة، فيجب أن نحذو حذوه، ونتصف بشيء من أخلاقه الكريمة، متعلمين منه، ومن مواقفه الجميلة مع المسلمين وغير المسلمين، ونتسم بالاجتهاد والمثابرة والعمل الجاد من أجل أن ننفذ ما أمرنا الله به، وهو أن نكون خليفة الله في الأرض، نعمر فيها ونبنيها ونعلي فيها الكلمة الحق.
ولأن الرسول “صلى الله عليه وسلم” خير معلم للبشرية، ومنقذهم من الضلال، أردت في هذا المقال أن ألقي قليل من الضوء عن حياته “صلى الله عليه وسلم” من نشأته وأهم صفة اتصف بها قبل الإسلام، وزواجه من السيدة خديجة “رضي الله عنها” ثم بعثته وانتشار الدعوة، وأهم غزواته التي أدت إلى إثبات قوة الإسلام في كل بقاع الأرض.
نشأة الرسول “صلى الله عليه وسلم” وأهم صفاته
في يوم الإثنين الموافق الثاني عشر من ربيع الأول، ولد الرسول “صلى الله عليه وسلم” وكان ذلك في عام الفيل، وهو ما وافق الثاني والعشرين من شهر إبريل في السنة ٥٧١ ميلاديًا.
واسمه أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر، وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وذلك هو المتفق عليه من نسبه “صلى الله عليه وسلم” ولم يكن فرع في قريش إلا كان للرسول “صلى الله عليه وسلم” فيهم قرابة.
نشأ الرسول “صلى الله عليه وسلم” يتيم الأم والأب، وتولى عمه أبو طالب رعايته وتربيته، وكان يحبه حبًا جمًا، ولم يهمل أبدًا في تربيته، وأنشأه نشأة صالحة، فلما بلغ الرسول “صلى الله عليه وسلم” عمل في رعي الغنم، حتى يكسب منه رزقه ويساعد عمه الذي لم يكن ذا مال وفير، وفي ذلك نرى شهامة الرسول “صلى الله عليه وسلم” وإنسانيته وعقله الراجح، لأنه لم يقبل أن يكون عالة على عمه، وفقه جيدًا ضيق حاله، وأراد أن يساعده.
وأشهر صفة اتصف بها النبي “صلى الله عليه وسلم” بين أقرانه، الصدق والأمانة، فلقب بينهم بالصادق الأمين؛ إذ كانوا يودعون أماناتهم عنده، فلم يسرقها أو يطمع فيها، بل يردها عند حاجتهم إليها، ولم يسجد الرسول “صلى الله عليه وسلم” لصنم قط، ولم يشارك في اللهو واللعب، بل كان يشارك في حروب قبيلته مثل (حرب الفجار).
مواقفه مع السيدة خديجة “رضي الله عنها”
لما علمت السيدة خديجة بنت خويلد عن أمانة الرسول “صلى الله عليه وسلم”، وكانت في هذا الوقت تعمل في التجارة، وصاحبة مال وجاه وفير، عرضت على الرسول “صلى الله عليه وسلم” أن يعمل معها في التجارة، وتعطيه أفضل مما تعطي غيره من التجار، فوافق الرسول “صلى الله عليه وسلم”، واتجه إلى الشام في قافلة مع غلام لها يسمى ميسرة.
وقد شُهد للرسول “صلى الله عليه وسلم” في هذه الرحلة بالبركة والرزق الواسع، والعناية من الله “سبحانه وتعالى”، فإذا اشتد الحرّ في الرحلة يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره، وحين عاد إلى مكة قدم لخديجة ضعف الربح الذي كانت تربحه.
فعرضت عليه السيدة خديجة “رضي الله عنها” الزواج بمساعدة صديقتها (نفيسة بن منية) فوافق الرسول “صلى الله عليه وسلم” وذهب لخطبتها مع عمه، وتزوجا وبقيت معه خمس وعشرين سنة لم يتزوج غيرها حتى توفيت.
بعثة الرسول وهجرته
بدأت تظهر عند الرسول “صلى الله عليه وسلم” آثار النبوّة حينما بلغ الأربعين من العمر، وكان الأثر الأول: الرؤيا الصادقة، فقد كانت تتحقق رؤياه “صلى الله عليه وسلم” وبعد ذلك بستة أشهر تنزل عليه جبريل “عليه السلام” بالوحي، وكان النبي في غار حراء، فقال له جبريل: اقرأ، فقال الرسول “صلى الله عليه وسلم”: ما أنا بقارئ، وظل جبريل يردد عليه الكلمة ثلاث مرات، والرسول يرد نفس الرد، حتى قال له جبريل: (قْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).
فرجع الرسول “صلى الله عليه وسلم” إلى السيدة خديجة وهو خائف يرتعد، وقص عليها ما رآه وما قاله جبريل عليه السلام، فطمأنته السيدة خديجة وبشرته، وذهبت معه إلى ابن عمها، ورقة بن نوفل، وهو عالم بالكتب السابقة، فبرشها أنه نبي الأمة.
وانقطع الوحي عن الرسول “صلى الله عليه وسلم” مدة طويلة، فاغتم الرسول، حتى عاد إليه الوحي من جديد يبشره بالنبوة ويأمره بدعوة الناس إلى الإسلام، فنفذ الرسول “صلى الله عليه وسلم” ما أمره به الله وشرع يدعو الناس إلى الإسلام.
وقد كانت الدعوة في بادئ الأمر سرية، وحينما كثر عدد المسلمين، أصبحت الدعوة جهرية، وقامت خلافات ونزاعات بين المشركين والرسول “صلى الله عليه وسلم”، واشتد أذى المشركين للرسول “صلى الله عليه وسلم” والمسلمين، فأذن الله له بالهجرة، بعدما بايع الرسول أهل المدينة بيعتي العقبة الأولى والثانية، ثم هاجر “صلى الله عليه وسلم” إلى المدينة المنورة وأقام فيها دعوة الإسلام وكانت مركز التعاليم الإسلامية.
غزوات الرسول
تمكنت غزوات الرسول “صلى الله عليه وسلم” من إعلاء كلمة الإسلام بين القبائل المشركة، وبين قبائل الديانات الأخرى مثل اليهود، وأيضًا بين البلاد الأخرى التي اتسمت بالقوة والمنعة مثل بلاد الروم.
ومن أهم الغزوات التي خاضها الرسول “صلى الله عليه وسلم”: غزوة بدر، غزوة أحد، غزة بني قينقاع، غزوة تبوك، غزوة الخندق، فتح مكة، غزوة حنين، غزوة خيبر.
وفي تلك الغزوات كانت تظهر قوة الإسلام، ورجحة عقل الرسول “صلى الله عليه وسلم” واستراتيجياته المصيبة التي تجعل الرعب يدب في قلوب المشركين الذين يواجهون الإسلام.
أهم كتب السيرة
ومن أهم كتب السيرة النبوية التي تعرض سيرة الرسول “صلى الله عليه وسلم” من مختلف جوانبها، ويمكن أن يطلع عليها المسلم ليتعرف إلى أخلاق ذلك الرسول الجليل، ويشكر الله “سبحانه وتعالى” أنه خلقه على دين الإسلام، الدين الذي دعى إليه الرسول “صلى الله عليه وسلم”:
الرحيق المختوم، كتاب السيرة النبوية للدكتور علي الصلابي، وكتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، وكتاب محمد “صلى الله عليه وسلم” كأنك تراه للدكتور عائض القرني، وكتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد “صلى الله عليه وسلم، وكتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، وكتاب نبي الرحمة من تأليف ياقوت الحموي، وكتاب السيرة النبوية لابن هشام.