لقد كان عمر بن الخطاب من أقوى قادة الإسلام الذين نفتقدهم في زمننا الحالي ونحتاج إليهم، فالصحابي الجليل “عمر بن الخطاب” كان مثالًا بارزًا في القوة والمنعة والحمية من أجل كلمة الإسلام، والإيمان بالله والرسول “صلى الله عليه وسلم”، وقد لقبه الرسول “صلى الله عليه وسلم” بالفاروق لمقدرته على التفريق بين الحق والباطل، ومن الجدير بالذكر أن هذه السمة هي ما أدت إلى الرقي الذي أصبحت عليه الدولة الإسلامية في عهد الفاروق عمر بن الخطاب.
كان الفاروق عمر “رضي الله عنه” مناهضًا للباطل مدافعًا عن الحق، وعن الرسول “صلى الله عليه وسلم” والإسلام بكل ما يملك، ماله ونفسه، رغم العداء الذي كان يضمره للإسلام والرسول محمد “صلى الله عليه وسلم” قبل إسلامه.
حين قرر الفاروق عمر بن الخطاب “صلى الله عليه وسلم” أن يجاهر بإسلامه، لم يخش في ذلك أي أحد، وتصدى للمشركين ودخل معهم في قتال دائم، ونزاعات لا تنتهي، وكل ذلك في سبيل أن تكون كلمة الإسلام على كل الألسنة وفي العقول، ولا يخشى الإنسان أبدًا أن يعلنها، طالما هي كلمة الحق من الله “سبحانه وتعالى”
كان الفاروق عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” رغم قوته ومعته ضد الباطل، ومناصرته للحق بكل ما يملك، يخاف خوفًا شديدًا من الله “سبحانه وتعالى” وقد تجلى ذلك حينما أقبل على الخلافة، وأصبح خليفة على المسلمين وغير المسلمين، يرعى شئونهم، ويحقق لهم الأمان والعدل الذي يرجونه.
وفي هذا المقال ألقي الضوء على القليل من حياة عمر بن الخطاب “رضي الله عنه”، كمحاولة بدائية نعرف من خلالها شيئًا ولو ضئيلًا عن حياة الفاروق عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” الذي خلد اسمه في التاريخ، وأصبح اسمه محفورًا في القلوب والعقول، ونتمنى أن نلقى مثله في زماننا هذا؛ فألمح إلى نشأته قبل الإسلام، وظروف إسلامه، وتمسكه بالإسلام، وشيء قليل من خلافته “رضي الله عنه”.
نشأة الفاروق
كانت ولادة الفاروق عمر “رضي الله عنه” بعد عام الفيل، أي بعد ميلاد الرسول “صلى الله عليه وسلم” بثلاث عشرة سنة، وقد نشأ “رضي الله عنه” في قريش، وكان يمتاز فيما بينهم بتعلمه القراءة، وغيرها من المهارات: كالمصارعة، وركوب الخيل، والفروسية، وتقريظ الشعر، وتعلم التجارة؛ إذ كان يحضر أسواق العرب، فتعلم منها وأصبح من أسياد قريش فيما بعد.
والفاروق “رضي الله عنه” قبل الإسلام كان يدين بالوثنية، الديانة التي كان عليها قومه في قريش، ونذكر له حين حكى قصته مع الأوثان أنه قال: انهم كانوا يصنعون الإله من التمر ويعبدوه، فإذا اشتد بهم الجوع أكلوه.
وكان عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” قبل الإسلام ضعيف أمام الشهوات؛ إذ كان معاقرًا للخمر، ومغرمًا بالنساء، رغم قوته وغلظته، ولكن حين جاء الإسلام، ورأى فيه قوة الحق، أصبح إنسانًا مغايرًا لما كان عليه، كما أشعل الإسلام في داخله جذوة الخير الكامنة والشرف، فأصبح به عمر بن الخطاب الشريف العظيم الذي نعرفه في زمننا هذا.
وذلك ينبهنا بطريق غير مباشر لما يمكن أن يحدثه الإسلام في نفوس المقبلين عليه؛ غذ يلمس دواخلهم، ويغير الشر فيهم ويستبدلها بالخير الكامن في دواخلهم.
دخول الفاروق الإسلام
كانت دعوة الرسول “صلى الله عليه وسلم” في البداية سرية، ثم بدأ يجهر بها بين قومه، مما أدى إلى تحايل القرشيين عليه وإبرام المكائد له، وكان الفاروق عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” واحد من أولئك الذين يناصبون العداء للرسول “صلى الله عليه وسلم” ويكيدون له ويشرعون في أذيته، وقد فعل ذلك الفاروق حتى يساير غيره من سادات قريش ويجاريهم، وذلك ينبهنا إلى الصراع النفسي الذي كان داخل الفاروق عمر “رضي الله عنه” حينها، فرغم غلظته وشدته تجاه من يدخلون الإسلام، فإنه كان يعلم أنه يريد أن يحرص على سيادته في قريش، ويشرع في التفكر في ما يفعله أهو صحيح أم خطأ، والله أعلم.
وحين اشتدت الحيرة بالفاروق عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” أراد أن يحسم أمره، وهو ما عرف عن الفاروق آنذاك، فقرر أن يقتل الرسول “صلى الله عليه وسلم”، فأخرج سيفه، وهرع إلى النبي “صلى الله عليه وسلم” يبتغي قتله، لكنه علم في طريقه أن أخته قد أسلمت، وابن عمه، فاندفع إليهما وضربهما ضربًا شديدًا لا يخلو من العنف والغلظة، وتلك كانت آخر عهده في التعصب للباطل؛ فقد كان بيد أخته صحيفة بها شيء من القرآن، فأراد عمر بن الخطاب أن يقرأها، فأبت أخته إلا أن يتوضًا، فتوضأ وقرأ الصحيفة، وأقر بعدها أنه ليس من كلام بشر، وأعلن إسلامه بعدما تبين له الحق، وبذلك أتم الأربعين صحابيًا الذين دخلوا الإسلام.
ورغم اختلاف الروايات حول قصة إسلامه، فإن الأولى بالذكر أنه قد دخل الإسلام، واستطاع أن يحقق فيه الإنجاز والنجاح العظيم.
وفي قصة تسميته بالفاروق، قيل أن المسلمين كانوا يؤدون شعائرهم سرًا خوفًا من المشركين وبطشهم، لكنه “رضي الله عنه” لم يرض بذلك، فخرج مع حمزة بن عبد المطلب عم الرسول “صلى الله عليه وسلم” بعدما تيقن من الرسول “صلى الله عليه وسلم” أنهم على الحق، وأن قريش على الباطل، واتجهوا إلى مكة يكبرون ويهللون حتى وصلوا إلى الكعبة، وأدخلوا الكآبة في نفوس القرشيين لرؤيتهم يفعلون ذلك، لذلك سمّاه الرسول “صلى الله عليه وسلم” الفاروق، لأنه لم يخش في الحق لومة لائم.
واستمرت دعوة الرسول “صلى الله عليه وسلم” في الانتشار، وتعاقبت الحوادث والخطوب والوحي يتنزل على الرسول “صلى الله عليه وسلم” حتى اشتد عود الدولة الإسلامية وقويت في العالم كله، وتوفي الرسول “صلى الله عليه وسلم” وتسلم الصحابي الجليل أبي بكر الصديق الخلافة، وكان عهده من أزهى العهود، وكان الفاروق “رضي الله عنه” مستشاره الأول في الشئون العسكرية والشئون الأخرى، وكان بذلك أحب رجل إلى أبي بكر الصديق “رضي الله عنه”.
خلافة الفاروق
حينما اشتد المرض بأبو بكر الصديق “رضي الله عنه” بايع عمربن الخطاب بالخلافة، وبذلك تفتح عهدًا جديدًا للدولة الإسلامية، عهد ساده الرخاء والعدل، والقوة أيضًا في مجابهة الأعداء، والتمسك بالحق وبكلمة الله ورسوله “صلى الله عليه وسلم”
وأكمل الفاروق عمر ما بدأه الصحابي أبي بكر الصديق في الفتوحات الإسلامية؛ فاستعت رقعة الدولة الإسلامية في عهده وفتح الشام، وفلسطين، وغيرهما، كما فتح العراق وفارس.
وعرف عن عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” رجاحة عقله وصبره على الشدائد، وخير مثال على ذلك: حكمته في التعامل مع عامي المجاعة والتي حلت في المدينة المنورة، والطاعون الذي حل في بلاد الشام، فكان “رضي الله عنه” يخفف عن المسلمين، ويدعمهم معنويًا وماديًا حتى انفكت الأزمة.
ومن إنجازات الفاروق في الفتوحات: فتح مصر بالسيطرة على حصن بابليون، ومدينة الإسكندرية، وبناء مدينة الفسطاط.
وعرف “رضي الله عنه” بحسن الإدارة السياسية رغم اتساع الأراضي وازدياد رقعة الدولة الإسلامية؛ فتعامل الفاروق مع ذلك بحكمة، وقسم الدول التي فتحها إلى ولايات، وقسم كل ولاية إلى مجموعة من المقاطعات، يولي على كل مقاطعة أحد الصالحين الذين يثق بهم في تطبيق شرائع الإسلام.
وانتهت حياة الفاروق “رضي الله عنه باغتياله غدرًا على يد أبو لؤلؤة المجوسي، ويذلك انتهى عهد من أزهى عهود الدولة لاغسلامية التي لم تعوض.