نشهد في العصر الحالي العديد من الجرائم التي تُرتكب في حق المرأة من بعض أنواع الرجال، الذين امتلأت نفوسهم بالنظرة الدونية للمرأة من ناحية أنها ليست إلا للشهوة والغريزة والرغبة، وأنها ضعيفة، وأن حقوقها في الحياة غير معترف به.
ونرى بعض الرجال ممن بلغت اللحى في وجوههم إلى أقدامهم يفسرون الزواج وحقوق المرأة كما يشتهون دون النظر إلى الإنسانية والرحمة التي حثتنا إليها الإسلام إلى جانب الرفق في المقام الأول، فيبدون كما لو أنهم حفظوا دون أن يفهموا شيئًا مما نزله الله في كتابه وما وصى به الرسول “صلى الله عليه وسلم”.
ومن الجرائم التي نشهدها الآن في المجتمع والتي تقام في حق المرأة، وإن لم تكن أبشعها، هو زواج الرجل من القاصرة.
وفي هذا المقال نسلط الضوء على هذه القضية: فنذكر فيها معنى القاصرة والزواج منها، والأسباب التي تدفع كل من أهل الفتاة القاصرة والرجل نفسه للزواج والتضحية بالفتاة التي لم تعي بعد معنى الزواج والمسئولية تجاهه ثم نحاول أن نتبين رأي الإسلام في زواج القاصرات ودرء بعض الشبهات التي تدول حول تحليل الإسلام الزواج من القاصرات، ثم في الخاتمة ننتقل إلى التوعية بضرورة رعاية القاصرات من خلال بعض المقترحات التي تؤدي هذه التوعية على أكمل وجه.
معنى الزواج من القاصرات
من المعروف أن الفتاة القاصرة هي الفتاة التي لم تبلغ السن القانوني للزواج، أي لم يبلغ عمرها الثمانية عشر عامًا.
وبالتالي فإن الزواج من القاصرة يعني: أن تُقدم الفتاة للزواج من أحد الرجال الذي يكبرها في السن، قبل أن تبلغ السن القانوني والرسمي للزواج وهو سن الثمانية عشرة عامًا.
وذلك يرجع إلى الكثير من الأسباب التي تدفع الأهل إلى الزج بفتياتهم في مثل هذا الفخ، دون أن يعوا الأسباب النفسية والصحية التي يمكن أن تصاب بها الفتاة في أثناء زواجها.
وظاهرة زواج القاصرات نراها منتشرة على نطاق واسع في الدول النامية، التي تعاني ظروفًا متدنية من الفقر، والجهل.
وفي الأسطر القليلة الآتية أحاول أن أوضح الأسباب التي تدفع الأهالي للزج بفتياتهم القاصرات في مثل هذا العمل الوحشي الذي يرتكب في حق الفتاة.
أسباب زواج القاصرات
هناك العديد من الأسباب التي لا يمكن حصرها والتي تؤدي إلى الزج بالفتاة القاصر للزواج، وكل الأسباب لا تدل على شيء سوى التخلف والجهل من الأهالي، والتمسك بالعادات القديمة دون فهمها، وانمحاء الإنسانية من قلوب الآباء والأمهات تجاه فتياتهم.
أول تلك الأسباب: الفقر الشديد الذي تعانيه الأسرة، إذ يؤدي الفقر إلى انتظار الأهل الفرصة السانحة لبيع الفتاة الجميلة التي وهبها الله من الجمال ما لا يضاهيه جمالًا، لأحد الرجال الذين يشتهونها، ولا يقدرون نعمة جمالها، وطيبة قلبها، وصغر عقلها، وعدم تحملها مشقة الزواج، ولا تدري ما هو الزواج من الأساس، وكل ذلك في مقابل مهر كبير تخبئه الأسرة في جيوبها، وتكتنزه وتغتني به، فتصبح الفتاة ضحية جشع الأسرة من الأب والأم، وطمعهم في الأموال، وضحية الفقر والجوع، وضحية شهوة الرجال ووحشيتهم ونظرتهم الدونية للجمال.
ومن الأمور التي من الممكن أن يؤديها الفقر، أن يفرط الآباء في بناتهم، ويبيعونهن في أسواق الرقيق، حتى تعمل في مجال الدعارة، والمجالات المشبوهة التي تؤدي الأغراض الدنيئة عند الرجال، وترضي شهواتهم، والأهالي يظنون أنهم يفعلون خيرًا في فتاتهم، ولكن يا ويلهم من عذاب ربهم لما يسببوه من الأذى البدني والنفسي والصحي لهذه الفتاة المسكينة.
وعلى الرغم من اعتقاد الأهالي أن الفتاة من الممكن أن تحظى بمستوى معيشي أكثر تحسنًا مع زوجها الذي يحوز الكثير من المال، وسوف يتسنى لها التعلم، ورؤية العالم على حقيقته وإنجاب أطفالًا متعلمين متنزهين، فإنهم لا يدرون أن هذا الزواج يطمس عقلية الفتاة، ويجعلها غائبة في غياهب التخلف والجهل، وسوف يرث أبنائها هذا التخلف والجهل.
ومن الأسباب التي تؤدي إلى زواج القاصر، اعتقاد الأهل أن بتزويج الفتاة فإنه لن يكون لديها وقت للإنحراف وستعرف مسئولياتها تجاه زوجها، وأن احترامه واجب، وهذا الاعتقاد خاطئ، إذ إن الفتاة من الممكن أن يزيغ عينيها وهي متزوجة عشق حقيقي، فلا تستطيع أن تبصره، أو تلجأ إلى الفعل المحرم حتى تشبع رغبتها في الحب مع غير زوجها.
غير أن المجتمعات المليئة بالآراء الذكورية التي ترى في الذكر القوى العظمى المسئولة عن كل شيء، وأن الفتاة هي الأرض الخصبة للإنجاب والعمل في خدمة الزوج ذلك البُعد من الأسباب التي تؤدي إلى زواج القاصر، لأن الأهل لا يعترفون بالفتاة، ولا يعترفون بصحتها، أو عقلها، أو مدى قصور فهمها، أو مدى أهمية رأيها.
وهذه النظرة الذكورية للمجتمع أعطت الحق للذكر أن يفعل الكثير من الأمور الشنيعة دون إلقاء اللوم عليه، مثل: العنف الأسري، والاغتصاب الزوجي، وحرمان الفتاة من الحقوق في الطعام والشراب والملبس، وفرض أعمال شاقة تهدف خدمة الرجل فقط، ومنعها من التعلم، وعدم الاهتمام بصحتها، وتقييد حركتها وممارسة العنف في حقها.
من الأسباب المؤدية للزواج المبكر للفتاة القاصر: الاعتقاد الخاطئ بأن الزواج المُبكّر من الممكن أن يضمن غنجاب أطفالًا يستطيعون أن يورثوا المال والجاه المكنوز لهم.
إلى جانب أسباب أخرى من نحو: التقليد الأعمى للآباء والأجداد، والعادات المتخلفة القائمة على الجهل، واعتبار الفتاة عبئًا كبيرًا على الأسرة لا يمكن أن يتخلصوا منه إلا بتزويج هذه الفتاة.
واطّلع على: الزواج المختلط بين الأديان
الأضرار المترتبة على زواج القاصرات
إن زواج الفتاة القاصرة يولد الكثير من الأضرار في كل مناحي حياة الفتاة: الصحية، والاجتماعية، وغيرها.
ومن المخاطر الصحية: يؤدي الزواج المبكر إلى وفاة الفتيات القاصرات نتيجة حملهن في سن مبكر، والفتيات اللواتي تحت سن البلوغ أكثر عرضة للوفة نتيجة الزواج المبكر.
ومن الآثار الاجتماعية: ما تعانيه الفتيات من العزل الاجتماعي، والعنف المنزلي الذي يمارس عليهن، غير أن الزواج المبكر قد يؤدي إلى أضرار نفسية خطيرة للفتاة: مثل الاكتئاب، والانهيارات العصبية جراء ما يمارس ضدها من القهر والظلم، والإقبال على الانتحار، وانهزام الآمال وتهدمها في نفسية الفتاة الصغيرة.
إن الزواج المبكر للفتاة، وهي غير متعلمة، تتسم بالتخلف والجهل والفقر، يجعل الرجل يتجرأ عليها، ويمارس عليها أنواع كثيرة من الظلم والعنف والقهر، لأنه لا يعلم لها قيمة، فهي بالنسبة له سلعة قد باعها أهلها له، وهو حر يفعل بها ما يشاء، دون النظر إلى نفسيتها، والأضرار والمخاطر الصحية والنفسية التي من الممكن أن يؤدي إليها ذلك، ودون النظر إلى احترام عقليتها، واحترام رغبتها.
واقرأ هنا: زواج القاصرات .. طبياً، نفسيا وعلمياً
إن الفتاة مصدر كبير للزرق والحنية، إذا استطاع الأب أن يعد ابنته وينشئها على الأخلاق الحميدة، ويجتهد في تعليمها، ستدر عليه البركة من حيث لا يعلم، وستكون هذه الفتاة هي مبعث العزة والكرامة له، لأن الفتاة مفطورة على المودة، والصبر، والقابلية على التعلم والتلقي والوصول إلى القمم.
والفتاة لا تحتاج رجلًا يكبرها سنًا وحجمًا، يذلها ويهينها ويفعل فيها ما يشاء، بل تحتاج إلى الرعاية والاحترام والنظر إلى حقوقها كما النظر إلى واجباتها.
اتقوا الله في فتياتكم فإنهن أمانة في رقبتكم.