يقول الله عز وجل في سورة المزمل: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ صدق الله العظيم، ذكر الله منزلة كبرى من العبادة، يهون الصعب ويفك الكرب ويفرج الهم والغم ويبعد النقم، والذكر سعادة يجلب السرور والبهجة، وهو دواء للقلب من الأسقام والعلل وشفاء من الأمراض، وفيه وصل فهو يصل بين العبد وربه، وهو طاعة لله أيضًا إذ أمر ألا ننساه وأن نتبتل إليه دومًا، والذكر فيه محبة وود ووفاء من المحب لمحبوبه.
وذكر الله من أسهل العبادات وأفضلها، أما عن حاجتنا للذكر فهي أكبر من حاجتنا للأمور الدنيوية من مأكل ومشرب وغيرها، فهو يقوي القلوب ويعمل على صفاء الروح، وفيه طاعة وعبادة وتقرّب ومحبة وشكر وسؤال وتضرع لله رب العالمين، والذكر جامع للعبادات وبه يجيب الله الطالب مسألته، ويجلب الرزق والفوز والمغفرة، ويزيد البركة في الوقت والنفس والأولاد والعيش كاملًا، ويجيب الذكر مسألتك، فإن كان الدعاء طلب لحاجة أما الذكر فهو تقرب وحب، وهل يعطي الله السائل ولا يعطي المحب؟
وما بالنا وقد خلقنا الله ولم ينسانا ولن ينسانا وهو الملك الذي لا حاجة له إلينا ومع هذا فهو خلقنا وقدّر أرزاقنا ولا يتركنا لأنفسنا ونلجأ إليه في كل مسألة فهو الرازق المنعم، ومع هذا لا نعطي الله حقه ولا ننفذ تعاليمه ولا نقوم بطاعته ولا نذكره كما أمر ونحن في حاجته وليس هو، وما بالنا لا نذكر الله إلا عند المصائب والصعاب والحاجات، أفمن يعطي ويمنح بغير حساب لا يجدر أن نذكره ولا ننساه؟ في السراء قبل الضراء؟ إنه يعطي وقتما نسأل ودون أن نسأل فقد كتب على نفسه أن يرزقنا ووجب علينا أن نشكره على نعمائه وأفضاله، والشكر له أوجه عديدة والذكر أحدها، فذكر الله هو تذكر له ولفضله وشكر عليه. كما يحفظ الذكر المسلم من غفلة القلب فاللسان المعطر بذكر الله والمداوم عليه لا يغفل صاحبه ولا ينام ولا ينافق ولا يهجع.
فضل الذكر وفوائده
يقول الله سبحانه وتعالى ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ صدق الله العظيم، والذكر يكسب رضا الله سبحانه وتعالى، ويكون سببًا في أن يذكر الله عبده الذاكر فإن ذكر الله هذا للعبد يجعله يتولى شأنه ويقضي جميع حاجاته ويحفظه، ويكون الله في معيته ومن كان الله في معيته لا يخسر أبدًا.
ويقول سبحانه جل وعلا في كتابه الكريم: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ صدق الله العظيم، فالذكر يطهر القلب من الذنوب وآثارها، ويجلي الفؤاد ويبعث على الطمأنينة والراحة والسكينة والهدوء، ومن منالم يمسه الضر إلا ولجأ إلى الله وذكره كثيرًا حتى أتاه الله الراحة والسكينة، وأنزل على قلبه الهدوء والاطمئنان وبدّل حاله من تعب إلى شفاء.
والذكر يجلب الأمن من غضب الله وعذابه، كما أن فيه نجاة في الدنيا والآخرة، ويطرد الشياطين ويبعد وسوستهم عن الذاكر، كما يرضى الله عز وجل عن عبده الذاكر فيزيل همه وغمه، كما أن دوام ذكر الله يعود الذاكر على تخيل وجود الله عز وجل وأنه يراه سبحانه فيراقب العبد جميع أفعاله وتصرفاته، ومن راقب تصرفاته لا يخطئ ولا يهفو أو يغفو.
واقرأ عن: ذكر الله “سبحانه وتعالى” في شهر رمضان
ويباهي الله ملائكته بعباده الذاكرين فقد رُوي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج إلى حلقة فيها أصحابه فسألهم: “ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنّ علينا بك، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله تبارك وتعالى يباهي بكم الملائكة”. ومن منا لا يرغب أن يباهي الله به الملائكة، ونحن غافلون أشد غفلة عن الله وعن ذكره ونسينا أن ذكر الله أفضل من ملهيات كثيرة تلهينا عن الطريق القويم. فجميعنا تلهيه الدنيا ومشاقها وما بها من صعوبات وتعب عن ذكر الله ونبحث عما نتباهى به أمام البشر فما بالنا أن يباهي الله بنا الملائكة فيا لها من جائزة.
كما يعمل الذكر على تقوية القلب وزيادة رقته والتخلص من قسوته وشدته ويبعد عن الغلظة، ويعلّم الرحمة والرأفة واللين، وهي من صفات المؤمن الحق ألا يكون المرء قاسيًا غليظًا بل رؤوفًا بغيره رحيمًا بالضعيف يحنو عليه، وهكذا كان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقد كان أرأف الناس وأحلمهم بغيره حتى من غير المسلمين، وعلينا أن نقتدي به وأن نتبعه ونتمثل بطبعه وهديه.
ولك هُنا أيضًا: أهمية ذكر الله جل شأنه
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابته: “ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا بلى يا رسول الله، قال ذكر الله عز وجل”.
هذا في باب فضل ذكر الله ودرجته عند خالقنا وبارئنا، ونحن أحوج ما يكون إلى أن نقوم بأعمال الخير التي تقربنا من الله وترفع درجاتنا، وها هو ذكر الله يقربنا منه سبحانه وتعالى ويعلي درجاتنا دون عناء، فلنرطب ألسنتنا وأفواهنا دائمًا بذكر الله.