جبر الخواطر من الأخلاقيات التي يجب أن يتحلى بها الجميع، وأن نقوم بها في تعاملاتنا اليومية بين بعضنا البعض. وقد حثنا الإسلام على جبر خاطر الغير. ورسولنا الكريم صلوات الله وتسليماته عليه كان أكثر الناس جبرًا للخواطر وأكثرهم شفقة بالغير. فجبر الخواطر هو خلق يتخلق به المسلمون، فالمسلم لا يكسر بخاطر أحد ولا يرد أحدًا مظلومًا مقهورًا، بل يطيب خاطره ويكون ذا إيجابية مؤثرة ترفع من همم الغير ونفوسهم.
الكلمة الطيبة صدقة
جبر الخواطر يكون بالكلمة الطيبة، والكلمة الطيبة صدقة كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم في سورة ابراهيم {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} صدق الله العظيم. فالكلمة الطيبة لها فضل كبير وشأن عظيم عند الله ويكافئ الله عليها. فالكلمة الطيبة للمحتاج صدقة وبها تجبر خاطره، والفقير الذي يتعفف أن تحسن إليه هو جبر لخاطره وإدخال للسرور إلى قلبه، كما أنك تغنيه عن السؤال وفضل ذلك عظيم عند الله.
وكذلك الكلمة التي تعمل على تشجيع الغير هي جبر لخاطره. وكثير منا ترفعه كلمة لأعلى المراتب وتهوي به كلمة إلى أسفل المنازل وتدمر حياته. فالكلمة يمكنها أن تجبر نفسًا أو تكسرها وتحط من معنويات الفرد. فاعمل دائمًا على أن تكون صاحب كلمة طيبة تجبر بها خاطر الآخرين ولا تكون لوامًا مقللًا من شأن الغير. واعلم أنك إن تدين تُدان فإن تجبر بخاطر أحدهم اليوم فهو جبر لخاطرك يوم غد، وأنت أحوج إلى هذا.
مظاهر جبر الخواطر
ومن مظاهر جبر الخواطر التبسم في وجه الآخرين واعلم أن تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأنت لا ترغب في أن تلقي أحدهم ووجهه عابس عند لقائك، وعندها تحزن وتتساءل ماذا استحققت كي يقابلك الآخرون بهذه الطريقة وقد تغضب لعبوس أحدهم في وجهك وتلومه على ذلك. ولكن من يقابلك بالابتسامة يدخل في قلبك السرور والبهجة، فبشاشة الوجه والتبسم تفتح أبواب مغلقة وتعمل على إرساء الإخاء والمحبة بين الناس.
والبر جبر للخواطر، وأعظم البر أن تبر والديك، فإن تبر والديك مثلًا وتحسن إليهما فأنت بهذا تجبر خاطرهما. وتجد ذلك عندما توجه إليهما كلمة طيبة أو تبتسم في وجيهمها، تجد نتاج هذا وتأثيره سريع على نفسيهما. ولكن إن كنت فظًا لا تبر والديك تجدهما وقد ملأ الحزن قلبيهما وكُسرت نفسيهما. وما أنت بمستطيع أن تتحمل جزاء كسرة النفس وخاصة إن كانت لدى والديك وكنت انت السبب في هذا. فاجبر بخاطرهما وبرهما وابتسم في وجهيهما وقل لهما قولًا كريمًا.
لا تقهر يتيمًا، ولا تنهر سائلًا، فقهر اليتيم كسر لخاطره ونفسه وفيه ظلم كبير، أما أن تحسن إليه وتصلح حاله فهو جبر لكسور أصابت نفسه ويحتاج إلى من يجبرها ويضمد جراحه. فقد حُرم اليتيم راحة البال والسكون والسكينة بفقد أعز من كانوا عونًا له، وواجب على كل فرد أن يعوض اليتيم عن فقد الأب أو الأم وأن يجبر بخاطره ويرفع من معنوياته. وأن تعطي المحتاج وتزيده هو جبر للخاطر، وأن تزيد من يتعفف في تجارة يبيعك أشياءً بسيطة زهيدة وتزيده من المال فهو جبر عظيم لخاطره فما بالك أنك تعينه على أن يُرزق بالحلال حتى وإن كان ما يقدمه لك لا تحتاجه.
وما أفضل وأعظم من أن نتحلى بصفة من صفات الله العلي القدير، فالله سبحانه وتعالى من أسمائه الحسنى الجبار، والجبار تعني قاهر الجبابرة والظالمين وهو يغلبهم بقوته العلي الكبير. ويعني اسم الجبار أيضًا أنه يجبر الضعيف والمقهور والمظلوم، وهو من يحل بالفرج على عبده بعد الضيق، وهو من يرسي السكينة والطمأنينة في قلب كل خائف.
وهو سبحانه وتعالى من يجبر النفوس ولا يكسرها ويشد من أذر الضعيف بالقوة، ويمنح الفقير غنًا وتعفف، ويدخل الصابرين الجنة، فالله سبحانه وتعالى يجبر النفوس والخواطر والقلوب. وهو أحنّ على العبد من أمه لذا فقد قال الله عن نفسه أنه الجبار والرؤوف والرحيم. فما بالك أن تتصف بصفة من صفات الله تبارك وتعالى، أن تجبر بخاطر المكسور والمقهور والمظلوم والفقير واليتيم والضعيف والمحتاج، فيا له من خلق عظيم عظُم شأن من اتصف به، ويا لها من فضيلة تسمو بالنفس وتجل الفؤاد. فمن سار بين الناس جابرًا للخواطر وكان في عونهم وما تأذى منه أحدهم كان الله في عونه وأدخله الجنة وأجاره من جهنم وحرها.
واقرأ أيضًا فضلًا
اعملوا على نشر الكلمة الطيبة والابتسامة في وجه الآخرين، وطيّبوا خواطر ونفوس وقلوب من أرهقتهم الدنيا وأتعبتهم الأيام وهم في حاجة ولو لكلمة تريح النفس وتسكن البال وتبعث الطمأنينة والهدوء في أرواحهم. لا تكونوا سببًا في كسر النفوس والقلوب فتنكسر قلوبكم يومًا. ولا تذيقوا الآخرين مرارة الكسر وكونوا باعثين على الآمال مانعين للألم في نفوس الغير. كونوا عونًا للمحتاج ولا تكونوا على الضعيف، وقولوا للناس حسنى يغفر الله لكم وينجيكم من عذاب أليم ويستركم في الدنيا والآخرة.