بينما أصبحت الاحتجاجات في العراق شائعة في السنوات القليلة الماضية، إلا أن أحدث موجة من الاضطرابات التي أودت بحياة أكثر من ١٠٠ شخص وإصابة الآلاف يمكن أن تمثل نقطة تحول خطيرة في العراق، حيث لا يطالب العراقيون بإسقاط زعيم أو حزب سياسي، بل يطالبون بإنهاء نظام سياسي كان موجودًا منذ أن أطاح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة بالرئيس صدام حسين عام ٢٠٠٣ -وهو نظام، كما يزعمون، قد خذلهم، ويشيرون على وجه التحديد إلى الطريقة التي تتم بها التعيينات الحكومية على أساس الحصص الطائفية أو العرقية (نظام يعرف باسم المحاصصة)، وليس على أساس الجدارة والكفاءة، ويقول العراقيون إن ذلك سمح للشيعة والأكراد والسنة وغيرهم من القادة بإساءة استخدام الأموال العامة وإثراء أنفسهم وأتباعهم وسلب البلاد ثرواتها.
متي اندلعت ثورة العراق
في ١ أكتوبر، اندلعت احتجاجات عراقية مناهضة للحكومة في بغداد، حيث توجه المتظاهرون إلى الشوارع بسبب ارتفاع معدلات البطالة، ونقص الخدمات الأساسية، والبنية التحتية المتداعية والمتضررة في البلاد، والتي لم يتم إعادة بناء الكثير منها في السنوات الـ ١٦ الماضية منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.
ألقي المتظاهرون -الذين كان معظمهم من الشباب والرجال في البداية- باللوم على الحكومة العراقية في جميع هذه الإخفاقات، وعلى الرغم من أن الاحتجاجات اندلعت بسرعة، إلا أن السخط على الحكومة العراقية يتصاعد منذ سنوات، فقد حدثت تظاهرات ضد الحكومة على مدى السنوات القليلة الماضية لكنها لم تتحول إلى حركة احتجاجية مستدامة.
موقف الحكومة العراقية
مع تصاعد الاحتجاجات في الأسبوع الأول من أكتوبر، شنت قوات الأمن العراقية إجراءات صارمة، واستخدمت أجهزة الأمن خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين، كما فرضت السلطات تعتيمًا على الإنترنت في بعض المناطق لمنع الناس من التنظيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفرضت حظر التجول في بغداد لإبعاد الناس عن الشوارع.
ورغم محاولات الحكومة في إخماد هذه الاحتجاجات، إلا أنها توسعت خارج بغداد، ففي الأسبوع الأول من هذه الثورة، قُتل حوالي ١٥٠ شخص كما أصيب الآلاف، وقد كان يجسد الرد العدواني من قبل قوات الأمن موقف الحكومة العراقية ويوضح أنها كانت فاسدة وغير مبالية تمامًا بمطالب مواطنيها، ونتيجة لذلك تحول الغضب من احتجاجات بسيطة مناهضة للحكومة إلى دعوات لإصلاح النظام السياسي العراقي بأكمله.
وبعد ذلك أخذ المتظاهرون هدنة لمدة أسبوعين، لكنهم بدأوا مرة أخرى بشكل جدي في ٢٥ أكتوبر واستمروا في احتجاجهم، كما أنهم مارسوا ضغوطًا أكبر على الحكومة العراقية، وتحدوا بشكل متزايد نفوذ إيران.
هل استجابة الحكومة لمطالب المتظاهرين
ورغم كل هذه الأحداث، كان رد فعل الحكومة العراقية على المتظاهرين مفككا، كما أنه جاء متأخر جدًا، فقد التقى أخيرًا القادة العراقيون بالمتظاهرين بل ووعدوا بزيادة التمويل لبعض الخدمات، فعندما بدأت الاحتجاجات في أوائل أكتوبر، قال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي إن المتظاهرين لديهم مخاوف مشروعة ولكن لا توجد “طريقة سحرية” لحل مشاكل العراق، وقد أصدر خطة إصلاح تضمنت المزيد من الدعم للفقراء والتدريب التعليمي والوظيفي.
ولكن بعد استئناف الاحتجاجات في أواخر أكتوبر، تعرضت الحكومة العراقية لضغوط أكبر، وفي ٣١ تشرين الأول / أكتوبر، وعد الرئيس العراقي برهم صالح في خطاب له عبر التليفزيون بإصلاحات انتخابية من شأنها أن تجعل الحكومة أكثر تمثيلاً، كما وعد بتفكك بعض تلك الفصائل السياسية المرتبطة بإيران، ووعد صالح أيضًا بإصلاحات قضائية وحكومية أخرى.