بالنظر إلى كوكب الأرض منذ بداية الخليقة سنرى كيف أن العُنف والعدوان وجد طريقًا بين بني الإنسان… لنُسلّط الضوء على الجانب المظلم من البشرية منذ أن طُرِدت من جنات النعيم.
وكأن بعدما قتل قابيل أخاه هابيل تحولت الأرض إلى مكان لسفك الدماء ونبذ الآخرين والبحث عن سُبلٍ للنجاة وإن كانت على حساب الآخرين وأكبر مثال يتجسد فيه العُنف في أوضح صوره هو (الحرب العالمية الأولى – الحرب العالمية الثانية) التي تمت بهما إبادة الكثير من البشر الأبرياء الذين كانوا يسعون فقط خلال يومهم باحثين عن الرزق وأن تمضي أيامهم، أولئك الذين لم يذوقوا من الحرب سوى ويلاتها ولم يعرفوا منها سوى فُقد أحبائهم الذين كانوا بلا حول أو قوة هم مجرد قطع شطرنج يتم تحريكها من قِبل قوى أكبر وأعظم من أن يمرّ يومهم بسلام كما كانوا يطمحون وكأن “الحياة” و”السلام” كلمتان من درب الخيال لم تعرفهم البشرية قط.
فالعنف نمط من أنماط السلوك الإنساني الذي لايمكننا تجاهله أو نمضي دون أن نلتفت إليه، فالعنف شيء متأصل في النفس البشرية وتتفاوت حجم سيطرته من شخص إلى آخر بحسب ظروف النشأة والبيئة المحيطة والظروف الإجتماعية والإقتصادية التي تُشكّل شخصياتنا وكأنها تضع بعض الرطوش والألوان على أنفسنا التي تبدو كلوحة بيضاء لتصنع منّا لوحات وكل لوحة تختلف عن الأخرى، كما أن الله خلف الإنسان بفطرته يستطيع تقويم العنف بداخله والسيطرة ولكننا نتكلم عن من اتخذوا من العنف طريقًا يسيرًا للوصول إلى أهدافهم دون عناء.
ما هي صور العنف في المجتمعات؟
وبالنظر إلى أنماط العنف المختلفة في مجتمعاتنا سنجد أمثلة لا حصر لها وعلى سبيل المثال:
الحروب والمجاعات التي بدأها الإنسان ضد أخيه الإنسان تفضيلًا لعِرقه وبالنظر إلى أفضليته واستحقاقه للحياة وموارد الطبيعة أكثر من غيرة فأصبح يسعى في الأرض فسادًا باحثًا عن مكتسباته الشخصية وأهوائه التي قد تقضي على حياة العديد من الأشخاص الذين يرغبون فقط في السلام ويتجنبون مواجهة الخطر، وكذلك فقد تزايدت أحداث العنف منذ بداية الألفية الثالثة مع العلم والتكنولوجيا وإتجاه الحياة إلى الناحية المادية أكثر من المعنوية فأصبحت العلاقات البشرية تتسم بالجفاء ويتغلّب عليها طابع المصلحة الفردية مما تسبب في ازدياد العنف وظهور مصطلح جديد المعروف بـ “التنمر“. من منّا لم يتعرض إلى التنمر من زملائه على اشياء لا يدّ له بها؟ من منّا لم يرى شخصًا يتعرض للتنمر؟ وكأن الشخص يقوم بتعويض ما ينقصه في الحُكم على الآخرين والهيمنة على عقولهم.
كذلك فقد برز العنف ضد الحيوان والعنف ضد المرأة بضورة يمكن ملاحظتها بشدة في الآونة الأخيرة، فعندما تضح الرؤية أمام أعيننا نجد أن الشخص يميل إلى فرض العنف الكامن بداخله على الطرف الأكثر ضعفًا في محيط مجتمعة فكذلك نرى بعذ الآباء يمارسون أشكال مختلفة من العنف على أطفالهم وتعنيفهم بقوة كتعبير عن الغضب من المجتمع والمسئولية والسلطات، وكذلك نرى الأطفال المُضطهدون من قِبل آبائهم ويتعرضون للعنف فإنهم بمارسونه على الحيوانات كتعبير عن غضبهم في صورة تجعلهم يشعرون بالرضى عن أنفهم وأن هناك من هو أضعف منهم في الكون يمكن ان يشعر بالمعاناة مثلهم، بل أن من الممكن أنهم هم من يكونون سببًا في معاناته كما كان الآخرين سبب في معاناتهم.
كذلك كانت هناك صور عديدة للعنف ضد المرأه واضطهادها باعتبارها الطرف الأضعف في المجتمع وقد ازداد حدة العنف ضد المرأة في أواخر القرن الماضي وبداية القرن الحالي عن طريق سلبها حريتها وفرض الهيمنة والسلطة عليها من قبل المجتمع بل ومن قبل النساء من بني جنسها الذين خضعوا للعنف واعتبروا أنه الوسيلة الوحيدة للنجاة والحماية من الضعف المقترن بإسم المرأة. فهناك إحصاءات مرعبة لجرائم تحدث ضد المرأة لا يمكن التصديق بأنها تحدث في القرن الـ٢١ في ظل القوانين المفروضة من أجل تنظيم الحياة وضمان حقوق جميع الأفراد.
وقد توصل المفكرين على مرّ العقود الماضية إلى أنه لتفادي تفشي العنف وازدياده فيجب علينا النظر إلى الوجه الآخر من الحياة وهو ما تحتاجه البشرية بشدة لتتنفس ألا وهو “السلام” فجميعنا نحتاج إلى هدنة من تحول حياتنا إلى المادة والبحث عن الأهداف دون الوعي بالظروف المحيطة فإذا بدأ كل إنسان بنفسه أولًا ونظر إلى أخيه الإنسان حتى وإن كان عدوه على أنه خُلِق من نفس الطين وكأنهم روح واحدة متفرقة في أجساد بالية لا تستحق الحروب ولا تستحق الدمار سينعم الإنسان بالسلام الداخلي، وكذلك إذا ما اجتمع قادة البلدان ونظروا إلى تلك الحدود الواهية التي يتم فُفد العديد من الأرواح على أنها خلافات على بعض الخطوط التي تفصل دول !
ولعلك تود قراءة المزيد
حينها يمكن الإتفاق بين بني الإنسان على وقف الدمار والقتال، وقف ويلات الحروب، قتل الخوف والفقر والجوع،وقف المآسي البشرية وانقاذ الأجيال القادمة حينها ستتوقف البشرية عن نزف المزيد من الدماء من أجل أشياء واهية. كما أشار المغني الأمريكي من أصول أفريقيقة “مارفين غاي” إلى السلام في إحدى أقواله. “إذا لم تتمكن من إيجاد السلام داخل نفسك، لن تجده أبدًا في أي مكان آخر!”. فإذا تمكن الإنسان من إيجاد السلام الكامن داخل أعماقه البشسرية سيعم السلام على الجميع ويتم نبذ العنف بعيدًا عن البشرية لتنعم بعصور من التفتح والإزدهار.