ثمة دروس وعبر يجب أن نتعلمها ونحن نستنشق هذه الأيام عبق ميلاد أعظم وأشرف وأنبل إنسان عرفته البشرية على مر التاريخ منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها.. لا حرج أن يأكل بعضنا الحلوى ابتهاجا وفرحا بمولده وقدومه إلى هذه الدنيا ﷺ ليخلصها من براثن الشرك والوثنية وينشر بها قيم الحق والعدل والحرية، إن تعريف الأطفال وتبصيرهم بهذه الذكرى العطرة وبصاحبها مسئولية الآباء والأمهات ليتعلموا من هذه الشخصية العظيمة الكثير من القيم والمبادئ والأخلاق ما ينفعهم في حياتهم وفى هذه الدنيا الفانية..
وما أحوج الأمة اليوم أن تحاكى أخلاق وأفعال رسول الله في أهمية الانتماء للوطن والذى حينما خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة المنورة تحت تهديد قومه ومطاردتهم له ولأصحابه، نظر إليها قائلا: «يا مكة إنك أحب بلاد الله إلى قلبي ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت»..
وهذه رسالة إلى الذين باعوا ضمائرهم وأوطانهم بسبب حفنة من الدولارات وبالتآمر مع أجهزة استخبارات عالمية لتدمير الوطن الذي أكلوا من خيره وشربوا من نيله.
انظروا ماذا قال في حسن معاملة الإخوة المسيحيين: «استوصوا بالأقباط خيرا»، «ومن عادى لي ذميا فقد آذنته بالحرب».. وحينما أراد يهودي وكان جارا للرسول عليه الصلاة والسلام أن يبيع بيته ويرحل، وقد طلب خمسة آلاف درهم ثمنا للبيت أرسل إليه ﷺ على بن أبى طالب بالمبلغ الذى اشترطه اليهودي وقال لـ على أخبره بأنك تبيعنا بخمسة آلاف درهم ونحن لا نبيعك بأموال الدنيا كلها.. مما يؤكد قيم الوفاء التي أرساها حبيبنا ﷺ ليس بين المسلمين فقط ولكن مع أهل الأديان الأخرى والتي نسيها البعض اليوم بسبب ظهور هذه الجماعات الظلامية المارقة التي تكفر الجميع وتبتعد تماما عن منهج وصحيح الدين الذي أرسى دعائمه محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام.
إذن على المسلمين وأخص بالتحديد بني وطني أن يعودوا لسيرة الحبيب المصطفى ولآل بيته الكرام الأطهار ولصحابته الأجلاء ليتعلموا منهم قيم الحق والعدل والوفاء والتعاون والوحدة وعدم تصديق الشائعات التي تثير البلبلة والتي يروجها للأسف أشرار من بني جلدتنا لا يتورعون من إثارة الفتن والزوابع وهذه محاولات يائسة مصيرها الفشل لأن مصر بفضل الله قادرة على الفرز وملاحقة هؤلاء الأوغاد..
ما أروعك وما أعظمك يا سيدى يا رسول الله.. يا من أرسلك ربى رحمة للبشرية كلها وليس للعرب فحسب ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾، ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾، ﴿محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم﴾ يجب أن نتعلم أيضا كيف نحافظ على بلادنا ونصطف جميعا لمواجهة الأخطار لأن هذا من صميم الإيمان ولنا في رسول الله ﷺ القدوة والمثل، فلقد تعاهد حينما هاجر إلى المدينة مع السكان المقيمين بها من يهود ونصارى وقبائل الأوس والخزرج للدفاع عن المدينة وحمايتها.
ووقع الطرفان على اتفاقية صريحة ولم يخرج عن هذا الإجماع فرد واحد، وأظن أن ماتفعله الجماعات المتشددة التى تمارس العنف والإرهاب لفرض رأيها بقوة السلاح بعيدا كل البعد عن منهج صاحب هذه الذكرى العطرة الذى خاطبه ربه بقوله: ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين﴾ ولاشك أن جماعة الإخوان المسلمين التى أكلت من خيرات هذا الوطن وشربت من نيله وترعرعت بين جنباته تتحمل كل قطرة دم تسقط في سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر لأنهم هم من وضعوا اللبنة الأولى لتغذية هذا الفكر المتطرف البغيض وأول من استخدموا السلاح ضد من يخالف منهج الجماعة.
ويذكر أنه في يوم مولده ﷺ أسرعت خادمة عمه أبى لهب لتبشره بميلاد ابن أخيه محمدا، فما كان من أبى لهب الذى مات على الكفر وأنزل الله فيه قرآنا يتلى ويتعبد المسلمون به إلى يوم القيامة في سورة “المسد” قوله تعالى: ﴿تبت يدا أبى لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد﴾ إلا أن أطلق سراحها وأعطاها الحرية للأبد ابتهاجا وفرحا بقدوم محمد.. وإكراما لرسول الله يخفف الله عن أبى لهب العذاب كل يوم اثنين وهو اليوم الذى شهد مولد الحبيب ﷺ..
بقلم: جمال قرين