لم يُقرّ الاحتفال باليوم الوطني على المستوى الشعبي إلا منذ أعوام قلائل، ومن الواضح مدى التغير الذي حدث في التعاطي مع هذه المناسبة بعد إقرار تنظيم احتفالات شعبية محلية بهذه المناسبة تعززت بقرار اعتماده يوم عطلة رسمية. وكان لهذا القرار الذي نقل الاحتفالية من الدوائر الرسمية إلى الشعبية، دور مهم في تغيير النظرة نوعا ما عن فكرة المواطنة والانتماء. ملامح هذا الفعل الشعبي، ليست محصورة على الشكليات الاحتفالية في الشوارع والميادين، بل تتعدى ذلك نحو إدراك الرابط الوحدوي بين المناطق المختلفة للبلاد، فالمناسبة التي يحتفل بها الجميع في نطاق معين تعود في أولى نتائجها بإحساس أولئك المحتفلين بالصلة الواحدة التي تجمعهم مع بعضهم بعضا.
ليس ثمة سبيل إلى تكريس الانتماء الوطني الواحد، غير استثمار هذه المناسبات التي يمكن أن تكون دعائية من جهة، غير أنها أيضا تحمل أهمية غير قليلة في خلق شعور الانتماء للكيان. لذلك فإن مثل هذه المناسبات الانتمائية تعود بفوائد جمة بالنسبة إلى النظام الاجتماعي والسياسي، وكلما شاعت هذه المناسبات قابلها انحسار شامل أي انتماءات ضيقة.
تبقى بعد ذلك مسألة مهمة، هي المتعلقة بإشاعة المعرفة عن تاريخ الوطن، فأجيال التسعينيات والثمانينيات وما قبلها لم يكن عند الشاب أو الفتاة منهم أي معرفة، وإن كانت هامشية، بتاريخ الوطن وتفاصيل ظهوره، عدا ما تبثه المناهج الدراسية بصيغة عمومية، وما تستهلكه وسائل الإعلام التقليدية من مواد لا تتعلق بإشاعة المعرفة التاريخية المهمة، بقدر ما كانت تتعلق بالمظهرية البالغة. غير أن الأمر اختلف مع اختلاف النظرة لـ«اليوم الوطني السعودي»، فالطفل ذو السبعة أعوام يملك معلومات الآن عن يوم بلاده الوطني أكثر مما يملك من هو في الـ30 أو الـ 40، وليس ذلك عائدا إلى شيوع وسائل الاتصال بقدر ما هو ناتج من التعامل المختلف في استثمار هذه المناسبة. ومن أمثلة ذلك إنتاج أعمال وثائقية تتحرى الدقة والموضوعية، فتقدم تفاصيل هي في غاية الأهمية بالنسبة إلى النشء، لأنها تمثل معرفة تاريخية من الواجب على المنتمي لوطن أن يعرفها ويدركها.
الاحتفال رسميا وشعبيا ذو انعكاس مؤثر جدا على العلاقة بين المواطن ووطنه، نحو بناء روابط أكثر، وإتاحة مساحة فكرية لإعادة التأمل والنظر والتفكير في هذه العلاقة على المستويات كافة.
بقلم: رباح القويعي
وهنا نجِد بنفس الخصوص: