هناك اهتمام واسع من قبل الإنسان في هذه الآونة بالصحة النفسية نتيجة وجود ضغوطات شديدة عليه نتيجة عدة أسباب، وهذا حتماً يتطلب منه الارتقاء بصحته النفسية بنفس المستوى الذي يرتقي فيه بصحته الجسدية.
على الرغم من ذلك، هناك بعض المفاهيم والأفكار المغلوطة عن الطب النفسي في مجتمعنا العربي على الرغم من تغير هذا المجتمع عن ذي قبل، حيث أنه قبل 30 عاماً من الآن كان هناك جهل واسع بالطب النفسي وكان من المشين أن يذهب شخص ما للطبيب النفسي.
ما هو مفهوم الطب النفسي؟
ترى الدكتورة راويا البورنو ” استشارية الطب النفسي والإدمان ” أنه قد وصل الإنسان إلى مرحلة من الخلط في الأمور التي جعلته يرى الطب النفسي أمراً معيباً وهو ما أثر على سلوكه عند التعامل مع قضايا الطب النفسي.
يُعد الطب النفسي هو أحد أقسام الطب في نهاية الأمر، كما أن الطبيب النفسي يتخرج من كلية الطب ويدخل قسم أو اختصاص الطب النفسي، وهذا الاختصاص هو فرع من فروع الباطنية.
مضيفةً، هناك جزء من المفاهيم المغلوطة عن الطب النفسي وهي أن البعض لا يفرق بين أخصائي علم النفس والطبيب النفسي.
أما أخصائي علم النفس فقد درس في قسم الأدبي وعلم النفس في كلية الآداب حيث تخصص علم النفس الإكلينيكي أو السريري، لكن الطب النفسي هو أمر مختلف، بمعنى أن علم النفس هو نقطة في بحر فيما يدرسه الطبيب النفسي بحيث يصير مختص في هذا المجال، وبالتالي فإن التردد على العيادات أو الطبيب النفسي أحياناً يشمل خلط كبير عند العديد من الناس الذين يظنون الطبيب النفسي مرشد اجتماعي أو مرشد زواج أو مرشد تربية أطفال إلخ إلخ.
أما الطبيب النفسي فهو في نهاية الأمر يقوم بتشخيص الحالات المرضية ويقوم بمعالجتها، وحتى في حالة وجود إشكالات عند هذا المريض فإنه يدله على الطريق الصحيح للعلاج ولكنه لا يقوم بعلاج هذه الحالة التي يعاني منها المريض.
على الجانب الآخر، يمكننا القول بأننا لا يمكننا إدارة شئون الغير فيما يخص حياتهم الشخصية لأن الإنسان وحده هو المسئول عن أخذ قرار التغيير في حياته.
ما هي نوعية شكاوى مرضى الطب النفسي؟
ما يحدث في المفاهيم الخاطئة فيما يخص الطب النفسي سببه الأول والأساسي هو الإنترنت لأن أي شخص يعاني من مشكلة نفسية ما نراه يصف نفسه بالمكتئب، وهذا ما نرفضه تماماً أن يكون الإنترنت ومصادره الغير موثوق بها هي الفيصل في تحديد ووصف الدواء للمريض النفسي.
إلى جانب ذلك، يجدر الإشارة إلى أن غالبية المعلومات الموجودة على مواقع الإنترنت خاطئة خاصةً فيما يخص الأعراض المرضية والأدوية الخاصة بالطبب النفسي، وهو ما يؤثر حتى على مسار معالجة مريض الطب النفسي.
على سبيل المثال، إذا لم يستطع شخص ما فهم كل ما يدور بداخله فعلى الأقل يقوم الطبيب النفسي يدله على الطريق الصحيح للعلاج، وهذا ليس شرطاً أن يعالج الطبيب النفسي كل المرضى النفسيين أو الذين يعانون من مشاكل نفسية، كما أن هناك بعض الحالات التي لا تستلزم دواء معين وإنما تستلزم فقط إرشاداً من الطبيب النفسي دون أن يتكفل بكامل علاجه.
إن كلمة اكتئاب هي في الأساس وصف مَرضي له أعراضه وظواهره المرضية ومدة زمنية معلومة لوجود هذه الأعراض والظواهر، لذلك فإن الشعور بالضيق لفترة قصيرة لا يعني اكتئاباً بمعنى الكلمة وإنما هو شعور عادي يشعر به الإنسان عندما يتعرض لضغط ما في حياته.
إنني على يقين بأن فن الحياة هو فن التعامل مع المتغيرات المفروضة علينا من هذا المجتمع، لذلك فإننا في اليوم الواحد يمكن أن نمر بالعديد من المشاعر الحزينة والسارة والغاضبة والقلقة إلخ إلخ…، وهذا هو الوضع الطبيعي للإنسان الذي خلقه الله ليتفاعل مع البيئة المحيطة به، لذلك يجب علينا الابتعاد عن مواقع الإنترنت الغير موثوقة أو الخاطئة معلوماتياً فيما يخص الطب النفسي لأنها تجعل الإنسان يشخص نفسه أو حالته بطريقة خاطئة وتجعله يتوهم بأنه يعاني من أمراض كثيرة غير موجودة في الواقع.
كيف يمكن للأسرة التعامل مع مريض الطب النفسي؟
إن من أهم المفاهيم الخاطئة للأسرة فيما يخص الطب النفسي هو أنهم يقومون باصطحاب أحد أفراد تلك الأسرة إلى الطبيب النفسي بهدف علاجه، ولكنهم يذهبون إلى المريض ويعطونه الأدوية دون علمه ودون علم الطبيب، وهذا هو أخطر ما يتعرض له هذا المريض في حياته، لأنه جزء أساسي في علاج المريض النفسي هو إنارة بصيرته ليستطيع المريض أن يأخذ دوائه بنفسه دون أن يعتمد على الآخرين في هذا العلاج.
أما الجانب الآخر، فإن فكرة دخول أحد أفراد العائلة إلى المستشفى مرفوضة تماماً عند هذه العائلة، لكن في كثير من الأمراض النفسية الشديدة كالفصام والاكتئاب الشديد أو اضطراب المزاج ثنائي القطب نحتاج إلى ضرورة دخول المريض للمستشفى لأن دخوله للمستشفى حينئذ في صالحه وليس ضده كما يتوهم البعض.
أما عن بعض المفاهيم المغلوطة الأخرى عن الطب النفسي فهي أن البعض يعتقد أن دخول شخص ما للمستشفى للعلاج النفسي تجعله يظن أن هذا المريض سيخرج من هذه المستشفى حاملاً لقب ” مجنون ” دون أن يكون هذا الشخص على دراية أن الطب النفسي هو فرع كأحد فروع الطب الأخرى.
الجدير بالذكر كذلك أن علاج الأمراض النفسية الكبيرة مرتبطة بالقانون حيث أن الأهل مثلاً لا يتقبلون فكرة الدخول القسري للمستشفى على الرغم من أن هناك بعض القوانين التي تسمح في بعض الحالات أن يتم دخول المريض النفسي للمستشفى قسراً لأن عدم علاج المريض حينئذ قد يعرض المريض نفسه أو من حوله للخطر، وبالتالي لابد لنا من احتجاز المريض في هذه الحالة ونجبره على العلاج الدوائي وتثقيفه بأهمية ذلك العلاج.
وختاماً، أصبحت نسبة دخول المرضى النفسيين في الدول المتقدمة إلى مستشفى الأمراض النفسية أقل من نسبة إدخال المرضى لأقسام الطب النفسي في المستشفيات العامة، وللأسف فإننا في دولة الأردن متأخرين جداً في هذه المسألة نظراً لوجود قسمين فقط في الأردن أحدهما في مستشفى الملك عبد الله والآخر في مستشفى الجامعة الأردنية، لكن باقية المستشفيات الحكومية أو الخاصة لا تحتوي على أقسام أمراض الطب النفسي.
من أكثر المفاهيم الخاطئة التي نراها في الطب النفسي كذلك ما نلاحظه على المراهق الذي يقوم الأهل بتدليله في الصغر ثم يوقفون هذا التدليل في الكبر ومن ثم تبدأ أعراض الانحراف عند هذا المراهق كالكذب والسرقة وفساد الأخلاق والتدخين والمخدرات وغيرها، وهنا لابد للأهل أن يدركوا أن المراهق حينئذ لا يعاني من أي مرض نفسي وإنما هي مشكلة تربوية في الأساس تكمن في طريقة تربيتهم لطفلهم بطريقة خاطئة من الأساس.