العطاء في عامك الجديد مفتاح جديد
نحن في هذه الحياة جزء من دائرة متكاملة من العلاقات، التي تمتزج فيه المشاعر وتتوافق فيها المصالح أو تتعارض، ومهما تباينت المستويات واختلفت المكانة بين البشر تظل هناك حاجة متبادلة، واحتياج ما للأخر، فالفقير يحتاج للغني والمريض يحتاج للطبيب والغني يحتاج إلى الفقير، والطبيب لا تستقيم حياته لولا المريض، وهكذا ندور جميعاً في حلقة مفرغة من الاحتياجات المتبادلة والمصالح المشتركة.
كلنا نطالب بحقوقنا ويعلوا صوتنا ونحن ننادي بها، نستشعر افتقادها، ولكن هناك أناس لا يملكون حتى رفاهية المطالبة بالحقوق، وهناك خلق أضناهم الحرمان والوجع وشغلهم البحث عن أبسط وأهم الاحتياجات، فلم يلتفتوا إلى المطالبة بالحقوق ولا الثورة على الفقر، وكيف يثورن على الفقر وهم لم يصلوا حتى إلى مستوى الفقر.
هذا التباين الكبير والفروق الشاسعة خلقت احتياجات من نوع جديد، فالمحروم والمعدوم يحتاج إلى نظرة عطف، ويد تمتد لتداوي حرمانه ولا يعد أحداً بتقديم المقابل، فالمقابل هنا عند الله وحده، هو من يملك الجزاء والثواب.
كلنا يحب أن يأخذ كل شيء وأي شيء من متاع الدنيا، كلنا يحب أن يستأثر بالثراء والسعادة والرفاهية، وكلنا يسعى لكي يحظى بالاهتمام والحب والإعجاب، كلنا في النهاية يعرف لذة الأخذ، ويألف مذاقه، ويميز السعادة التي تصاحبه، ويعرف ذلك الغرور والفرح الذي يعلو نفسه عند الظفر بمطلب أو الفوز بمرغوب! ولكن يا ترى من منا يعرف لذة العطاء؟
ولأن كثير منا اعتاد على لذة الأخذ، وألف مذاقها، فقررنا أن نوجه دعوة من أعماق نفوسنا لتجربة نوع أخر من اللذة، وصنف آخر من أصناف المتعة السعادة، ومذاق جديد، بنكهة مختلفة عما اعتدنا عليه من قبل، إنه مذاق العطاء ولذته ومتعة البذل وروعتها!
فلنبدأ عامنا الجديد بنية مختلفة، نية تغيير استراتيجيتنا في الاستمتاع بطيبات الحياة وخيراتها، نية بتجربة الاستمتاع بطريقة مختلفة، نية متجددة وصادقة بأن نتخلص من بعض أنانيتنا ونخرج من شرنقة حبنا المفرط لأنفسنا ورغبتنا المحمومة في التملك والأخذ، إلى عالم العطاء والبذل حيث الحياة أكثر رحابة وأوسع مساحة.
فلنبدأ مع العام الجديد خطة جديدة للعطاء، قل لنفسك: (الآن ومن هذه اللحظة، لما لا أجرب لذة العطاء، لم لا أكون صاحب اليد العليا التي تعطي، لم لا؟) ابدأ التغيير الرائع، من الآن، لعل عامك الجديد يصير أجمل وأطيب وأسعد ألف مرة من أعوامك الماضية.
كيف تبدأ
النفوس التي اعتادت على الأخذ تستثقل العطاء، وتشعر بصعوبته، فليس من السهل أن يتحولوا في يوم وليلة إلى حاتم الطائي مثلا، لكن ككل المكارم فإن مكرمة البذل والعطاء تحتاج إلى مران ودربة، ومن ثم فإن هناك خطوات عملية بسيطة تجعل الإنسان يدخل في زمرة المعطائين وذوي الفضل وأولي الكرم، ومنها ما يلي:
- ابدأ بأصحاب الفضل عليك ومن اعتدت وجودهم بجانبك واعدت منهم على تقديم المساعدة والعون في معظم أمور حياتك، وقد يكون أخا أو أختا أو صاحبا أو حبيبا أو حتى جارا، انطلق إليه واشكره فكرا جديا في أن تقدم إليه هدية أو خدمة أو مساعدة من باب الشكر له على مروءته معك.
- اعلم أن العطاء المعنوي والدعم النفسي لا يقل أهمية عن العطاء المادي، فالإنسان منا يأتي عليه وقت لا يحتاج فيه إلا لمن يقدم له الدعم النفسي، ويحنو عليه ويحتوي ضعفه، درب نفسك على أن تكون الشخص الطيب القادر على احتواء أحبته وقت ضعفهم وفي لحظات ألمهم.
- جرب أن تشتري شيئا لشخص محتاج وانت تعلم حاجته، وفاجئه به، حاول التركيز على مشاعرك وأفكارك وانت تغلف هذا الشيء وتفكر في رد فعل الشخص حين تقدمه إليه، والله ساعتها ستشعر وتتذوق حرفيا معنى لذة العطاء، ومتعة تقديم الخير للغير، والمشاعر الرائعة التي تنتابك كلما هممت بإدخال السرر على قلب إنسان عزيز عليك أو شخص يحتاج إلى دعمك ويفيده عطائك، وقد قرأت ذات مرة دراسة نفسية تقول أن مشاعر الفرحة والسعادة التي يحسها من يقدم لغيره هدية تساوي أضعاف الفرحة التي يحسها المهدى إليه.
- ضع أمام عينك فكرة أخرى أكثر تحفيزا وأعظم دافعية وهي أنك بالإضافة إلى الفرحة العارمة التي تستشعرها مع كل عطاء فإنك موعود بحسن الأجر وعظيم الثواب من الكريم الوهاب.
واخيرا ابدأ عامك.. بالتمرد على الأنانية ودرب نفسك على العطاء!