نحن بانتظار عام جديد أوشك على الوصول، ونحن نستقبله بكل الحب والشغف يملؤنا الأمل والتفاؤل بأن يكون العام الجديد أفضل من كل الأعوام الماضية، ولأن الأمنيات لا تنال بالتمني فقط فإننا يجب أن نجدد نشاطنا ونعيد صياغة أفكارنا ورؤانا لنحقق لأنفسنا السعادة التي ننشدها.
وهنا ومع بداية العام الجديد يجدر بنا أن نتعلم سرا من أسرار السعادة والشعور بالراحة، نطبقه عمليا ونجعل من تأريخ العام الجديد مولدا للسعادة والراحة في حياتنا.
كيف تعتني بنفسك وتدللها لتقوى على رحلة الحياة؟
معظمنا تربى على فكرة التضحية والعطاء والتفاني المطلق في سبيل راحة وسعادة الآخر والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، فنحن نرى أمهاتنا كيف يتعبن ويبذلن من الجهد ما لا يطيقون في سبيل راحتنا وتحقيق الاستقرار والراحة التي تصل إلى الرفاهية لنا، فكل أم تقضي ساعات يومها وسنين عمرها في خدمة الأبناء، وتفكر وتدبر كل أمور بيتها، وتربي وتعلم وتبني جيلا صالحاً، تفعل كل ما يخطر بالبال لكي تصل في نهاية المطاف بكيان الأسرة إلى بر السلامة والأمان.
وفي رحلة التفاني المطلق تنسى الأم أو تتناسى نفسها ورغباتها وأحلامها، تمضي في رحلتها متجاهلة الاهتمام بنفسها، تتنقل بين الضغوط والمسئوليات بلا رفق ولا هوادة، حتى تصل إلى مرحلة من الضعف والوهن لا تقوى فيها على التحمل، ولا تقوى صحتها على المواصلة أو المزيد من الجهد، في الوقت الذي يشق فيه الأبناء طريقهم نحو الاستقلال.
كذلك الآباء الذين يدورن في فلك المعاناة المادية بلا توقف، ينتقلون بين عمل وآخر ومن مكان لآخر سعياً وراء حلم الاكتفاء وتحقيق الرفاهية للأولاد، فيفنون شبابهم وزهرة أعمارهم في سعيهم، حتى تحين منهم التفاتة إلى أنفسهم فإذا الأجساد قد وهنت والملامح تغيرت والقوى خارت.
وهنا مع بداية العام الجديد
لنا وقفة! عزيزتي الأم والزوجة، عزيزي الأب مع بداية عام جديد من العطاء والتضحيات يجب أن نتوقف ونراقب أنفسنا عن كثب ونتأمل إلى أي مدى نحن متناسين لها ومتجاهلون لمتطلباتها؟ يجب أن يتوقف كل منا ليقيم مقدار قسوته على نفسه ومدى ظلمه لها، فكلنا ظالم لنفسه بشكل أو بآخر -إلا ما رحم ربي- ومعظمنا جائر على حقوقها ومقصر فيها.
مع بدايات العام الجديد
قدّروا أنفسكم حق قدرها! إنني هنا أوجه دعوة قوية لإعادة النظر في تعاملنا مع أنفسنا لتعديل ثقافة التضحية والعطاء، ولنؤكد مراراً وتكراراً على أن فاقد الشيء لا يعطيه وأن دوامة الحياة الطاحنة تحتاج منا إلى دعم أنفسنا وتقويتها وتعزيزها بكل ما يجعلها قادرة على المقاومة والاستمرار بكفاءة، وأن التفاني في سبيل الآخرين وتجاهل حقوق النفس والعناية بها طريق لا يوصل في النهاية إلا إلى التوقف المفاجئ والعجز عن الاستمرار.
كيف تعتني بنفسك وتحسن إليها؟
هناك عدة أمور يمكن من خلالها أن تدعم نفسك بنفسك، وتهتم بها وتدللها وتشفق عليها من الضغوط التي لا تتوقف، وهنا بعض الأفكار التي تساعدك على تجديد طاقاتك وتحقيق هدفك: أيا كان موقعك على خارطة الحياة وأيا كانت مسئولياتك فلا تنسى أن تقتطع بعض الوقت تخصصه لنفسك، وتتعرف على احتياجاتها وتتفهم ما تتطلبه منك وتعيد تجديد طاقتها.
حينما تنهي القيام بمهمة شاقة استغرقت منك الوقت والجهد فتعلم كيف تكافئ نفسك بشيء تحبه، بوجبة مفضلة أو القيام بهواية مفضلة، أو الخروج إلى مكان تحبه وتستريح له أو زيارة شخص تجد راحة ومتعة في وصله، أي شيء تفضله، المهم أن تكافئها لكي تواصيل مسيرة العناء والعطاء، واجعل عامك الجديد عاما مليئا بالمكافآت فنفسك تستحق ذلك؟ لا تكلف نفسك بما لا تطيق من التزامات أو واجبات، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا يعرف أحد حدود طاقتك غيرك فكن عادلا.
مع بدايات سنة جديدة لا تقبل أوضاعا أو استمرار علاقات ترهقك نفسيا وذهنيا، كن واضحا وشجاعا وتوقف عن الاستمرار فيما يتعبك ويشق عليك.
لا تجامل ولا تحابي أحدا على حساب نفسك، قدر نفسك حق قدرها فإن لم تفعل أنت ذلك فلن يفعله غيرك، فمن هانت عليه نفسه فهي على غيره أهون.
لا تبالغ في توزيع الوعود ولا تسرف في التضحيات واجعل كل شيء بقدر حتى لا تجلد نفسك ندما بعد فوات الأوان.