الجهود المصرية تثير بخطى حثيثة نحو مكافحة الفساد
يعتبر الفساد في أي دولة بمثابة الآفة التي تنخر في جذورها وتهدم بنيانها هدماً طويل المدى، صوره لا تعد ولا تحصى وطرقه الملتوية المشوهة لا يحيط بها وصف.
والفساد هو كل ظلم أو جور أو تلاعب يقتضي أخذ شيء بدون وجه حق، أو تضييع أو اهدار للمال العام دون مسوغ مشروع أو قانوني، ويشمل الفساد ضمن ما يشمل إهدار طاقات الناس وتكليفيهم فوق ما يطيقون والتعنت في قضاء مصالحهم وتسيير أمورهم، والإنجاز لما تتطلبه ظروفهم، فالتعطيل غير المبرر في القيام بالوجبات فساد، والانفاق من المال العام في غير ما خصص له فساد، والرشوة وصورها درب من الفساد، والغش في المواصفات في أي منتج وعلى أي مستوى فساد، وتولية الأمر لغير أهله فساد، والتقاعس عن مكافئة المتميزين فساد، والمماطلة في ردع المخطئين فساد، ومظاهر الاعتداء على الغير بالقول أو الفعل أو إلحاق الضرر به فساد، فصور الفساد لا تعد ولا تحصى ومعناه فضفاض وواسع ويشمل كل ما هو عكس الصلاح والإصلاح.
ومصر كغيرها من الدول تعاني من تأصل الفساد الإداري والفساد المالي، والذي بات يطول كل مصلحة حكومية أو حتى خاصة، ولا تسلم منه مؤسسة ولا يخلو منه أي كيان، الأمر الذي جعل من محاربة الفساد بكل السبل وتضييق الخناق عليه، واغلاق الطرق في وجهه ضرورة قومية أمنية واقتصادية وإنسانية أيضًا.
ومن ثم فقد اتخذت مصر خطوات جادة في عدة اتجاهات في سبيل تحقيق الهدف الأكبر وهو القضاء على مظاهر الفساد من جذورها، ومعاقبة المفسدين في شتى المجالات وعلى كل الأصعدة، وهنا سنحاول تسليط الضوء على بعض تلك الجهود.
المحاور الأساسية لمحاربة الفساد
يتضمن السعي إلى محاربة الفساد التركيز على محاور رئيسية والتحرك في اتجاهها جميعًا بالتوازي والتزامن وتلك المحاور هي:
المحور الأول: إصدار التشريعات واللوائح والقوانين التي تحاب الفساد وتعمل على تقويضه.
المحور الثاني: السعي الجاد إلى تمكين الجهات الرقابية والقضائية التي من شأنها تفعيل التشريعات وتنفيذ الاستراتيجيات الموضوعة.
المحور الثالث: ويتمثل في الإرادة الحقيقية والقوية من قبل القادة والمسؤولون عن هذا التوجه.
إنشاء الهيئات والمؤسسات الإدارية خطوة ضرورية نحو محاربة الفساد
انعكست قناعة مصر وإيمانها بالتأثير السلبي الكبير جدًا للفساد على مسارات التقدم والتنمية، وأنه يعيق التحرك إلى الأمام ويكلف الدولة بأسرها خسائر اقتصادية اجتماعية ومالية وسياسية وغيره، ومن ثم فقد عمدت الدولة إلى انشاء هيئات رقابية مستقلة ومنحتها الصلاحيات القانونية التي تمكنها من القيام بدورها الرقابي والمحاسبي بكافة الطرق القانونية.
انضمت مصر ضمن عدد من الدول العربية إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي صدقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار الصادر عنها رقم 4/58 وذلك من منطلق ايمانها القوي أن محاربة الفساد لم تعد شأنا خاصًا، بل هي قضية عامة تستدعي تضافر الجهود الدولية ودعم النظم الداخلية لأداء دورها بفاعلية وقوة، كما انضمت مؤخرا إلى اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع الفساد ومكافحته.
بالإضافة إلى الخطوة السابقة فقد جاء الدستور المصري الذي تم تعديله لعام 2014 متضمنا لعدة مواد تمنح الجهات الرقابية الاستقلالية، ومن أهم تلك الجهات الهيئة العامة للرقابة المالية، البنك المركزي، هيئة الرقابة الإدارية، والجهاز المركزي للمحاسبات.
خطوات مصر لمكافحة الفساد على ضوء ما جاء في تصريحات رئيس الجمهورية
تم انعقاد المؤتمر الإفريقي لمكافحة الفساد بتاريخ 12 يونية 2019 والذي شهد تصريحات من قبل رئيس الجمهورية تكشف أهم الاجراءات التي تبنتها مصر في سيبل تحقيق مكافحة الفساد، والذي يري أن مصر قطعت شوطاً كبيرًا في هذا الصدد مبينًا أنها قامت بإجراء البحوث واستطلاعات الرأي والدراسات المختلفة التي تهدف إلى تقصي الأسباب الحقيقية وراء الفساد، والوصول إلى قياسات حقيقية له.
كما أوضح الرئيس أن مصر قامت بسن التشريعات والقوانين اللازمة لمكافحة الفساد بكل صوره وأنواعه، مينا أنها عمدت إلى تفعيل تلك التشريعات ولم تكتف بالتشريع النظري فقط، وأشار إلى استحداث ادارات خاصة للقيام بمهام رقابية مبيناً أن ذلك كله كان له عظيم الأثر في محاربة الفساد، مع اتخاذ اجراءات التحول الرقمي والذي يهدف إلى تعزيز الحوكمة المالية والإدارية والقضاء على البيروقراطية.
استراتيجية مصر التي تبنتها في سبيل مكافحة الفساد على مدار الأعوام الماضية
أعلنت مصر اطلاق استراتيجيتها الأولى في سبيل مكافحة الفساد منذ أربع أعوام في إطار فاعليات اليوم العالمي لمكافحة الفساد، وبدأت التحرك في أكثر من اتجاه فتحالفت كافة جهود وحدات الأجهزة الإدارية للدولة مع الأجهزة التنفيذية في محاولة لوضع التشريعات والقوانين موضع التنفيذ، بينما أخذت اللجنة الوطنية الفرعية التنسيقية للوقاية من الفساد ومكافحته على عاتقها مهمة القيام بدور المتابع لتنفيذ الاستراتيجية على أرض الواقع، أما الأمانة الفنية للجنة فقد تبنت رصد التحديات والمعوقات التي واجهت تنفيذ الاستراتيجية، كما قامت بمتابعة أفضل الممارسات الناجحة في تنفيذ الاستراتيجية في مرحلتها الأولى.
عززت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد مبادئ المحاسبة والمسائلة الحيادية والعامة والشاملة والتي لا تقبل الاستثناءات، كما أكدت على فكرة أن مكافحة الفساد مسؤولية قومية مشتركة بين الجهات التشريعية والقضائية والسلطات التنفيذية والمجتمع كطرف ثالث يدعم مكافحة الفساد ويرفض الانخراط فيه أو قبوله على أي مستوى من المستويات.
أما عن مدى نجاح تلك الاستراتيجية فيمكن القول أنه نجحت إلى حد كبير في التصدي للفساد ومكافحته، الأمر الذي يغري بمواصلة تلك المسيرة وفق استراتيجية جديدة وتكميلية لمكافحة الفساد في الأعوام القادمة.
مظاهر نجاح تلك الاستراتيجية التي تبنتها النيابة الإدارية في مكافحة الفساد
اتخذ نجاح تلك الاستراتيجية على يد النيابة العامة والجهات الإدارية المختلفة في عدة مظاهر أبرزها عدد القضايا التي حظيت بالتحقيق فيها من قبل النيابة العامة في تلك المرحلة والذي يعكس تطورًا كبيرًا في المراقبة والمتابعة.
ومن تلك المظاهر أيضا نسبة الإنجاز التي حققتها النيابة الإدارية في القضايا المطروحة أمامها، والتي بلغت 148815 قضية خلال عام 2014 من إجمالي القضايا العالقة، وانجاز عدد 153763 قضية لعام 2015 من جملة القضايا المطروحة بزيادة تقدر بــ 35393 قضية، وقد لقي هذا الانجاز إشادة من الأوساط الدولية المختلفة والتي عدت مصر ضمن أكبر الدول المكافحة للفساد.
مواصلة مسيرة مكافحة الفساد وفقًا لاستكمال الاستراتيجية الأولى
يأتي اطلاق الرئيس المصري للمرحلة الثانية من الاستراتيجية القومية لمكافحة الفساد كدليل واضح على نجاح الاستراتيجية الأولى وتتويج لدورها، هذا وتتبنى تلك الاستراتيجية رؤية مستقبلية بناءة وشاملة تنطوي على ادراك مجتمعي وجماهيري عام لخطورة الفساد ومكافحته، ورفضه بكل الطرق، استنادًا إلى دعم فاعل وقوي من لدن أجهزة ادارية وسيادية تعلى قيم الشفافية والنزاهة والوضوح، من خلال وضع استراتيجيات فاعلة في تقييم خطورة الفساد، وتفعيل ثقافة رفض الفساد ومقاومته، وتمتع الجهات الرقابية بالاستقلالية والصلاحيات التي تكفل لها القيام بمهامها، وتفويض الجهات التنفيذية مع الارتقاء بمستوى الشفافية والوضوح.
مكافحة الجريمة باختلاف أنواعها
تنطوي مكافحة الفساد على جانبين وهما الفساد الإداري والجرائم بمختلف أنواعها، وقد لاحظنا مؤخرًا نشاطًا مكثفًا للشرطة في متابعة ورصد الجرائم بمختلف أنواعها، ووضع الخطط الممنهجة والمحكمة للقضاء علي المجرمين وملاحقتهم، فيوميًا توافينا نشرات الأخبار بالقبض على مهربي المخدرات ومروجي المواد الممنوعة أو الأسلحة، فضلًا عن الجرائم الأخرى الخاصة بالاعتداء على الآخرين وإيقاع الضرر المعنوي والمادي بهم، من السرقات والسطو وغيره.
انظر أيضاً: الهيئة العامة للإستعلامات