جلس الجد عرفان في الحقل مع حفيديه حسام ومرام ينتظرون الجدة زينب التي حضرت أخيرا وهي تحمل أكواب العصير اللذيذ، لاحظت مرام أن جدتها تغطي الأكواب، فسألتها: لماذا تغطين الأكواب يا جدتي؟
فقالت الجدة: أخشى من الذباب المنتشر في الحقل.
ضحك حسام قائلا: ها قد بدأت جدتي زينب!
ضحكت الجدة أيضًا وقالت: حقيقي الذباب ينتشر في أوقات النهار.
استطردت مرام: فعلا، وهو يختفي في الليل.
سأل الجد عرفان: من منكم يعرف بما يسمى صوت الذباب؟
أجابت مرام بسرعة: أزيز … صوت الذباب أزيز، وهو مزعج جدا.
وأضاف حسام: الذُّبَابُ جمع، والواحدة ذُبَابَة، وهو اسم واحد للذكر والأنثى، والجمع القليل منه أذبة، والكثير منه ذبان، وسمي بذلك لكثرة حركته.
وأوضح الجد عرفان الذبابة هي جنس من الحشرات يتبع الفصيلة الذبابية، من رتبة ذات الجناحين، وهناك مائة ألف نوع من الذباب في العالم تقريبا، فقط عشرة أنواع منها تعيش في المنازل، وأكثرها انتشارا الذبابة المنزلية.
زاوية 360 درجة
قال حسام: الذباب سريع جدا، ومن الصعب اصطياده.
ابتسمت الجدة زينب وقالت: الذباب ليس سريعًا كما تعتقد، ولكن يمكن للذبابة الرؤية بزاوية 360 درجة أي إنها ترى من كافة الاتجاهات، لهذا إذا كنت تخطط للإمساك بها من الخلف، فإنها تراك كما لو أنك هاجمتها من الأمام.
قالت مرام متعجبة: قرأت أن الذباب يهتم بتنظيف نفسه، رغم أنه ينقل لنا الأمراض.
مهارات التنظيف
أجاب الجد عرفان: إذا أمعنت النظر للذبابة، فسوف تلاحظين أنها تفرك أرجلها وجسمها ورأسها وأجنحتها وهي تفعل ذلك بمهارة عالية من أجل التخلص من الأوساخ والأتربة العالقة بها.
أيضًا هنا تقرأ ⇐ تعرف على العنكبوت.. في الطبيعة وفي القرآن الكريم – للأطفال
أنبوب لامتصاص الطعام
سألت مرام: ولكني أرى الذباب يقف على كل أنواع الأطعمة تقريبًا، فهل معنى ذلك أنه يأكل كل شيء؟
أجاب حسام: قرأت عن هذا الموضوع كثيراً، فالذباب كأنه مختبر كيميائي متكامل، حيث تقوم الذبابة بفرز إنزيم لعابي ليمكنها من تحليل الطعام، وتحويله إلى مادة سائلة لمساعدتها على امتصاصه، فالذبابة تبدأ بهضم الطعام قبل أن يدخل إلى جسمها، لذلك فالطعام الذي دخل في جوف الذبابة لم يعد هو نفس الطعام الذي وقفت عليه.
وأضاف الجد عرفان: ولا تنس يا حسام أن الذبابة عند التغذية تمد شفاها من أسفل رأسها إلى السطح المقابل له مكونة بذلك أنبوبا لامتصاص الطعام، وإذا نظرت بدقة إلى الأنبوب الماص لوجدت أن الطرف الملامس لسطح الطعام متسعًا، وكأنه مكنسة كهربائية، بعد ذلك تبدأ الذبابة بشفط الطعام من خلال الأنبوب.
أضرار وفوائد
قالت مرام متعجبة: ولكن الذباب له أضرار كثيرة، فهو يسبب الأمراض للإنسان.
رد حسام: صحيح، فالذباب يحمل جراثيم كثيرة على جسده وخاصة أنه يقف على النفايات، ويمكنه أن يلوث المواد الغذائية ولهذا فهو يعتبر من الآفات، ولكن أخيرًا مع البحث العلمي الدقيق اكتشفنا للذباب فوائد أيضًا.
سألت مرام متعجبة: كيف؟
أجاب حسام: في ألمانيا على سبيل المثال، تم الاستفادة من يرقات بعض أنواع الذباب في شفاء الجروح والتقرحات.
سورة الحج
وأوضح الجد عرفان: بيّن الله لنا هذه المعجزات عن أصغر الحشرات في كتابه الكريم، حين قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾. ففي هذه الآية الكريمة، يؤكد الله ﷻ قدرته المطلقة على الخلق، فإن أصغر الكائنات وأقلها -الذباب- لا تستطيع الآلهة التي يعبدها المشركون من دون الله أن يخلقوها، ولو اجتمعوا لذلك، وهنا يخاطب الله ﷻ الناس كافة، لأنه يعلم ﷻ أن بعد مرور ألف وأربعمائة عام تقريبا سوف يكتشف العلم الحديث سر هذه الحشرة الصغيرة.
ردد حسام ومرام: سبحان الله!
وأضافت الجدة زينب: وأيضًا توضح الآية الكريمة أن الكفار وآلهتهم عاجزون عن مقاومة الذباب والانتصار عليه، فلو سلبهم شيئًا من طعامهم لن يستطيعوا أن يستنقذوه منه، والذباب من أضعف مخلوقات الله، ولهذا قال ﷻ: ﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾.
سألت مرام: لقد فهمت أن الذباب يفرز إنزيما يعمل على تحليل الطعام وتغيير تركيبه الكيميائي؛ ولذلك لن يستطيع أحد استرجاع نفس الطعام منه؛ لأن الطعام سيكون قد تحول من هيئة إلى أخرى، فهل ما فهمته صحيح؟
أجابت الجدة: صحيح يا مرام. وفجأة صاح حسام ليس هذا فقط، فقد تم الوصول إلى اكتشاف علمي مذهل خاص بأحد جناحي الذبابة!
ولا يفوتكم القراءة عن ⇐ النحل: تربيته، فوائده، ما نتعلمه منه.. وذِكره في القرآن – للأطفال
جناح داء وآخر دواء
وهنا تحدث الجد قائلا: أعرف ما تقصده يا حسام، فقد أجريت عدة أبحاث علمية في هذا المجال، وأسفرت الأبحاث عن وجود تنوع كثيف لأنواع الكائنات الدقيقة المتواجدة على جناحي الذبابة، وتتركز الأنواع الضارة من هذه الكائنات على جناح، أما الجناح الآخر فيحمل الكائنات المفيدة التي تقوم بالقضاء على الكائنات الضارة إذا اجتمعا في مكان واحد، وقد ورد عن النبي ﷺ أنه قال عن الذباب: “فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً، وَفِي الآخَرِ دَاءً”.
نظر حسام ومرام لبعضهما وقالا: سبحان الله!
نظر الجد والجدة إليهما، وشاهدا عيونهما تلمع بالمعرفة والعبرة. فقالت الجدة: كم أنا فخورة بكما!
ضحك الجد وقال: ولكن هل تذكران اتفاقنا؟
صاح الحفيدان وقالا في مرح: طبعا يا جدنا.
قال الجد: إذن نلتقي غدًا في الموعد نفسه لنتحدث عن الحية والثعبان.