ما هي الخلايا الجذعية؟
أجاب الدكتور “فوزي عبد الرحمن” استشاري أمراض الدم والأورام وزراعة النخاع العظمي ومدير برنامج زراعة النخاع العظمي بمركز الحُسين للسرطان سابقًا بقوله: الخلايا الجذعية عبارة عن الخلايا الأم المكونة لكُريات الدم (كريات الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية)، وهذه الخلايا موجودة عادةً وبنسب مرتفعة في نخاع العظم، وتُستخدم في علاج بعض الأمراض سواء الحميدة منها أو الأمراض السرطانية.
وتجميع هذا النوع من الخلايا من المريض أو المتبرع يكون في غرفة العمليات بعد التخدير الكامل، ويتم التجميع إما من النخاع العظمي مباشرة، أو بتحفيز الخلايا الجذعية للخروج من النخاع العظمي إلى الدم ثم تُجمع منه وهي أسهل طرق التجميع، وإما تُجمع من دم الحبل السُري.
وآلية سحب الخلايا الجذعية من النخاع العظمي تكون بتنويم المريض على بطنه بعد تخديره، ثم يُسحب الدم من النخاع العظمي الموجود في منطقة الحوض، ثُم يُجمع الدم في أكياس خاصة ليُؤخذ إلى المختبر ليتم التخلص من الشوائب وتركيز الخلايا الجذعية فقط.
وتابع “د. فوزي”: أما في طريقة التجميع الثانية فيتم تحفيز الخلايا الجذعية بواسطة أدوية معينة للخروج من النخاع إلى الدم، ثُم يُسحب الدم من المريض بنفس طريقة التبرع بالدم إلى جهاز خاص يقوم بتنقية وتركيز الخلايا الجذعية وشفطها، ثم إعادة الدم مرة أخرى إلى جسم المريض، وهذه أسهل طرق التجميع المعروفة لأنها لا تحتاج إلى تخدير ولا يحدث فيها نزول لقوام الدم بالجسم.
أما الطريقة الأخيرة للتجميع فتحدث أثناء الولادة، حيث تُسحب الخلايا الجذعية من الحبل السُري لأنه يحتوي على نسب مرتفعة جدًا من الخلايا الجذعية أثناء عملية التوليد، ليتم تخزين الخلايا المجمعة لاحقًا.
والعامل المُحدد لإختيار طريقة التجميع هو الحالة الصحية للمريض، ففي حالة سرطانات الدم الحادة واللوكيميا يُفضل تجميع الخلايا عن طريق الدم، لكن مع الحالات الغير سرطانية فيتم التجميع من النخاع العظمي نفسه، أما التجميع من الحبل السُري فيتم عند عدم وجود متبرعين أحياء تتطابق فصيلتهم مع فصيلة دم المريض.
وأردف “د. فوزي” قائلًا: الجدير بالذكر أن الدول المتقدمة قامت بإستحداث نظام بنك الخلايا الجذعية لتخزين الخلايا الجذعية من كل الأحبال السُرية للمواليد، وعمل قاعدة بيانات كاملة بمحتويات هذا البنك، فإذا تصادف إحتياج حالة مرضية لزراعة الخلايا الجذعية ولكن لا متبرع مطابق لها من الأحياء يتم أخذ الكميات المناسبة والخلايا المطابقة له من البنك، بنفس فكرة بنك الدم تمامًا ولكنه بنك للخلايا الجذعية.
كيف تُخزن الخلايا الجذعية؟ وكيف يُعاد زراعتها في جسم المريض؟
تُخزن الخلايا الجذعية في نيتروجين مُسال تصل درجة حرارته إلى (- 160). ويُعاد إدخالها إلى جسم المريض بعد تحضيره بالأدوية اللازمة عبر قسطرة وريدية تُشبة تلك المستخدمة في التبرع بالدم، وبمجرد دخول الخلايا الجذعية إلى الجسم تذهب إلى النخاع العظمي لتنغرس فيه، وبعد فترة زمنية لا تتجاوز الأسبوعين تبدأ الخلايا المنزرعة في إنتاج خلايا جديدة.
والمدة الزمنية ما بين الزراعة وبداية إنتاج الخلايا الجديدة يعاني فيها المريض من نزول حاد في مناعة الجسم تصل إلى الصفر، وكذلك نزول في الدم لذلك يحتاج المريض إلى نقل دم ونقل صفائح دموية، فهي فترة حرجة جدًا في العلاج بالخلايا الجذعية، لأن المريض يكون عُرضة للإصابة بالإلتهابات لذلك يحتاج إلى العلاج بالمضادات الحيوية. ومع بدء إنتاج الخلايا الجديدة تتلاشى هذه المضاعفات شيئًا فشيئًا ويعود الجسم إلى طبيعته.
ما هي الأمراض التي تُعالَج بزراعة الخلايا الجذعية؟
أكد “د. فوزي” على أن الأمراض المُعالَجة بالخلايا الجذعية تنقسم إلى شقين هما
1. الأمراض التي تحتاج إلى تجميع الخلايا الجذعية من متبرع، ومنها:
بعض الأمراض السرطانية مثل سرطانات الدم الحادة (اللوكيميا)، وبعض سرطانات الدم المزمنة، فهنا يكون المرض السرطاني بنخاع العظم نفسه فيكون العلاج بالتخلص من النخاع الموجود بالعلاجات الكيماوية والإشعاعية ثم تجميع خلايا من متبرع ونقلها إلى المريض لإعادة تجديد النخاع.
الأمراض المناعية التي يتحول معها النخاع العظمي إلى دهون يتوقف معها إنتاج كُريات الدم الحمراء (يُعرف هذا المرض باسم فقر الدم اللانسيجي)، ففي هذه الحالة تُجمع الخلايا الجذعية من المتبرع ثم تُحقن في المريض لإعادة تجديد نخاع العظم.
بعض الأمراض الوراثية مثل فقر دم البحر المتوسط (الثيلاسيميا).
2. أما الشق الثاني فهو الأمراض التي تتم معها زراعة الخلايا الجذعية ذاتيًا:
تجمع الخلايا الجذعية من المريض نفسه ثم يُعاد زرعها مرة أخرى، ففي هذه الحالة يكون نخاع العظم للمريض سليم ومتعافي من الأمراض فتُسحب منه الخلايا الجذعية وتُخزن لحين إعادة الزرع، والهدف من الزراعة هنا هو اللجوء لعلاج المريض بجرعات مرتفعة من العلاج الكيماوي للقضاء نهائيًا على الورم السرطاني (وخاصةً مع سرطانات الغدد الليمفاوية) فسيتأثر حتمًا نخاع العظم بهذه الجرعات المرتفعة من الكيماوي، وهنا يأتي الدور على الخلايا الجذعية المخزنة ليتم إعادة حقنها وبالتالي يتجدد النخاع العظمي بعد تدهوره بفعل جرعات الكيماوي.
كم تبلغ النسب الشفائية للحالات المُعالَجة بزراعة الخلايا الجذعية؟
مع الكثير من حالات اللوكيميا الحادة التي تم الشفاء منها بالعلاج الكيماوي إذا تجددت الإصابة بها تصبح نسبة الشفاء في المرة الثانية لا تتعدى الـ 5%، أما مع زراعة الخلايا الجذعية فسترتفع نسب الشفاء إلى ما بين الـ 50% إلى 60% أي ما يُمثل عشرة أضعاف، والأمر بالمثل تمامًا مع سرطانات الغدد الليمفاوية. وبالنسبة لعلاج الأمراض المناعية فتصل نسب الشفاء إلى ما يُقارب الـ 70%. ومع الأمراض الوراثية فتصل النسب إلى 90%.
أثبتت الدراسات وجود بروتينات معينة على كريات الدم البيضاء لها دور في رفض أو قبول الجسم للخلايا الجذعية المنزرعة حديثًا، وكذلك لها دور في ظهور المضاعفات الصحية بعد عملية الزراعة، وهذه البروتينات محددة مخبريًا بأرقام، فعند فحصها عند المريض وعند المتبرع بالمختبر إذا تطابقت الأرقام أُكملت عملية التبرع والزراعة، والعكس صحيح. وتختلف عملية التبرع بالخلايا الجذعية عن التبرع بالأعضاء في سهولة تطابق بروتينات المريض والمتبرع حتى وإن لم توجد صلة للقرابة وهو أصعب قليلًا في الأعضاء.
هل تحدث مضاعفات صحية للمتبرع على المدى القريب أو البعيد؟
اختتم “د. فوزي” حديثه مؤكدًا على أنه إذا تم تجميع الخلايا الجذعية من الدم فلا مضاعفات صحية سوى ألم بسيط في العظام يزول بعد تناول المسكنات ليومين فقط، أما إن كان التجميع من النخاع العظمي مباشرةً فالمضاعفات عادةً هي من جراء التخدير الكلي وهي لا تتعدى القيء والغثيان، أما فيما عدا ذلك لا خطورة أبدًا على صحة المتبرع.