لأن الفقير إنسان كما الغني تماما فإنه يعتل ويسقم ويمرض ويتألم! غير أن الفارق بين الأول والثاني في حال هبوط المرض عليهما أن الثاني بمقدوره الهرولة إلى آخر بقعة في الأرض في أول طائرة مغادرة للبحث عمن يداري مرضه بأحدث الأجهزة وأفضلها، بغض النظر عن تكاليف العلاج التي تكفي لبناء مجمع صحي متكامل، فيما يظل الأول هنا رهنا لموعد مستشفى حكومي ربما يأتي بعد أكثر من ثمانية أشهر!
أقول ربما لأنني لست متأكدا إن كانت روح الفقير قوية بما فيه الكفاية للبقاء داخل جسده المثخن بالآلام قبل أن تكتحل عيناه بمشاهدة الطبيب عن قرب!
وإذا كان الثاني يحجز سريره في أرقى المصحات العالمية والمشافي المتخصصة قبل أن تقلع طائرته من أرض المطار لاستكمال رحلته العلاجية! فإن الأول يظل «يبترم» يمينا ويسارا بحثا عمن يمن عليه ولو بنصف سرير بغض النظر عن كونه محشورا في غرفة صغيرة يشاركه فيها عدد يصل إلى الثمانية من نظرائه، أو حتى في أحد الممرات الخلفية للمستشفى!
ولأن الفقير يصبح عاجزا أمام مواعيد المستشفيات الحكومية «طويلة الأجل»، ويصبح أكثر عجزا أمام فواتير المستشفيات الأهلية المتخصصة التي ستحوله ستقضي على ما في جيبه بعد انتهائه من دفع فاتورة أول «حقنة» معطاة! فإنه لم يتبق للفقير غير خيار واحد فقط وهو أن يصبح جسده حقل تجارب لمدعي الطب البديل وأصحاب الخلطات الفتاكة التي قد تتكفل بالقضاء على المرض وتصيبه بآخر أو تتكفل بالقضاء على المرض وعلى صاحب المرض معا!
وكما للثراء من ضرائب فإن للفقر محاسن، فرغم أن جسد الفقير معرض لكل الأوبئة والأمراض من ضغط وسكر وأمراض تنفسية وباطنية ونفسية وتناسلية حتى إن جسده النحيل يصبح ذا مناعية ذاتية ضد بعضها ويعقد اتفاقا غير معلن مع البعض الآخر بأن تزوره وتغادره دون ضجيج! إلا أن بعض الأمراض لا يسرها أن يكون من بين ضحاياها فقير واحد، خذوا عندكم مرض النقرس مثلا. هل سمعتم بفقير مصاب بالنقرس؟
لست هنا ضد ما يفعله الغني، إلا أنني ضد ما يُفعل بالفقير !
بقلم: ماجد بن رائف