قبل رحلتنا إلى سيدني كنا متخوفين من مسألة تقبل الأستراليين للحجاب، ولأنه لم يسبق لأحد من معارفنا وأقاربنا الذهاب إلى مدينة سيدني بالتحديد فقد كان الخوف يتراقص بين أضلعنا.
ولله الحمد لم أتعرض لأي موقف من أي شكل؛ لأن سيدني مدينة سياحية عالمية متعددة الأجناس، وتتعامل مع الإسلام كجماعة إنسانية وليست دينية، بل بالعكس قامت سيدتان بمدح حجابي والإطراء عليه.
من هذه الناحية كان الوضع مطمئنا، من الناحية الأخرى افتقدنا كثيرا الاحترام الذي كنا نلقاه في الشارع أو السوبرماركت أو سواهما من الأماكن العامة في الرياض، فمثلا إذا دخلنا مقصورة القطار في سيدني التي تتسع لـ 8 أشخاص جلوسا و8 آخرين وقوفا وكان جميع الجالسين من الذكور فإنه لا أحد يحرك ساكنا ويتكرم بإعطائنا مقعده، نحن في نظرهم سواسية وكما يحق لي الجلوس فهو يحق له أيضا حتى عندما دخلت امرأة حامل في شهرها التاسع لم يشعر أحدهم بالإشفاق عليها وإعطائها مقعده!
الرجال هناك يزاحمون المرأة في كل شيء، والمرأة تكافح لإثبات وجودها وقد يكون كفاحها في الجانب الخاطئ كأن ترتدي ثيابا غير لائقة؛ لينتبه لها أحدهم، لكن الميزة الوحيدة التي تميز المرأة في سيدني أنها لا تتعرض للمضايقة ولا التحرش إلا في أوقات محددة وأماكن محددة، وليس مثل الوضع هنا؛ فقد تتعرض المرأة للتحرش اللفظي في أوقات وأماكن مختلفة، فلو دخلت مثلا مستشفى في ساعة الظهيرة فإن موظف الاستقبال قد لا يتردد بالغمز أو طرح تعليق يحسبه ظريفا، ليس بناء على شكلي أو طريقة ارتدائي للعباءة، فقط لمجرد أنني أنثى!
المرأة معرضة للمضايقة، فمنهم من يتعمد إمساك الريال كله أثناء مده للمشترية حتى تضطر للمس جزء من يده أثناء محاولة أخذها الريال منه أو العكس، وتم إبلاغ الهيئة عن صيدلي يتعمد تكرار هذه الحركة ثم يعلق بسفاهة على درجة نعومة يد الزبونة، والهيئة تجاوبت مع البلاغ وتم القبض عليه واتخاذ اللازم بحقه.
النظرات لها حكاية أخرى، فكأن النساء مخلوقات فضائية تحط لأول مرة على كوكب الأرض، ولا أبالغ إن قلت إنني أحيانا أتفقد عباءتي في وسط السوق لأتأكد أن لونها هو الأسود وليس لونا آخر، فبعض النظرات تشعرنا أننا نمشي دون ملابس!
المرونة في استدارة الرؤوس عند بعض الشباب مبهرة، والرادارات البشرية تراقب كل تصرفاتنا وتخلق لها ألف تفسير، كأن تفترض أننا إذا استعملنا الجوال أثناء التسوق فهو يدل على أننا فتيات نبحث عن علاقة.
الإشارة الضوئية حكاية ثالثة، فكلما وقفنا عند إشارة باغتتنا النظرات المطولة لدرجة يكاد معها الشاب أن يقفز إلى سيارتنا، ولا يهم إن كان من يقود السيارة أخي أو السائق، فالنظرات هي مرافقنا الحتمي من لحظة خروجنا من البيت إلى وقت العودة إليه.
في نهاية المطاف لا يمكنني أن أجزم بأن الوضع هنا أفضل من هناك أو العكس، لكليهما عيوب ومزايا، وهذه نظرة ليست شمولية، لأن المقارنة أطول من أن تحصرها تدوينة واحدة.
بقلم: إيمان العبدانش