“يؤثر نمط الحياة الذي يعيشه الطفل على نموه وحتى على صحة العمود الفقري وصحة القدمين لديه، وقد يواجه بعض الأطفال مشاكل عديدة ومنها مشاكل القدمين التي قد تأتي مع الطفل منذ الولادة، أو قد تُسببها طريقة جلوس الطفل الخاطئة”.
إلى أي مدى تؤثر وضعية جلوس الطفل على صحة عموده الفقري؟
قال “د. جمال قطيش” أخصائي العلاج الفيزيائي. توجد إنحناءات طبيعية للعمود الفقري، ولذا يجب توجيه الأطفال إلى المحافظة على هذه الإنحناءات، لأن زيادة أو نقص الإنحناء الطبيعي للعمود الفقري عن حده سيتسبب على المدى البعيد في ظهور الآلام، وقد يتطور الأمر للإصابة بإلتواء العمود الفقري.
وتجدر اشارة هنا إلى إمكانية إصابة الطفل بإلتواء خلقي (اسكيلوز) نتيجة لتشوهات خلقية أو حدوث مشكلات أثناء عملية الولادة، وهو ما لا يد للإنسان فيه. لكن الحديث الطبي دائمًا يُركز على الإلتواء المكتسب من وضعيات الجلوس والحركة العمودية الخاطئة.
ولتفادي إصابة العمود الفقري بالإلتواء المكتسب علينا تدريب الطفل على الإشتراطات الصحية الآتية – وهي إشتراطات تخص البالغين أيضًا -:
• ممارسة الأنشطة الحياتية والجلوس بحيث يظل العمود الفقري في وضعية مستقيمة دائمًا.
• تفادي الجلوس المنحني على الأرض.
• تفادي الوضعيات الجسمانية التي يزيد فيها الضغط على مناطق الرقبة والظهر.
• تفادي الإنحناء للأمام بشكل مستمر وبصورة مبالغ فيها.
• تجنب حمل الأوزان الثقيلة على الظهر بشكل خاطيء لأنه يسبب إنحناء العمود الفقري.
• تغيير وضعية الجلوس كل فترة زمنية خاصةً للطلاب أثناء المذاكرة والموظفيين المكتبيين لتجنب إلتواء أو تشنج فقرات الظهر.
إلى أي مدى يؤثر حمل الحقائب الثقيلة على صحة العمود الفقري للطفل؟
أكد “د.جمال” على أن هذه من الأمور الواجب التنبه إليها من قِبل الأهل وإدارات المدارس، مع ضرورة حث الطالب على حمل الضروريات الدراسية فقط في حقيبة الظهر المدرسية لتخفيف وزنها قدر المستطاع. وإلى جانب وزن الحقيبة يجب التنبه أيضًا إلى نوعية الحقيبة وشكلها على الظهر، ومن الناحية الصحية يلزم توافر مجموعة من الإشتراطات عند حمل الحقائب على الظهر نذكر منها:
حمل الحقائب المزودة بدعامات للظهر والأكتاف.
توجيه الطفل إلى عدم إنحناء الكتفين للأمام أو للخلف عند حمل الحقيبة، لأنه سيؤدي إلى تقوس العمود الفقري للأمام أو إلى الخلف بمرور الزمن. والإنحناء الخلفي للعمود الفقري بالذات سيتسبب في وقوع الضغط على الفقرات العمودية، ومنها إلى أمراض الديسك والإنزلاق الغضروفي.
ضرورة محاذاة رأس الحقيبة العلوي لمستوى الكتفين حتى يتوزع الضغط الناتج من ثقل وزن الحقيبة على الجسم كله.
كيف يضر الجلوس على الأرض بالعمود الفقري والظهر عند الطفل؟
أشار “د. جمال” إلى أن الجلوس الخاطيء على الأرض أو وضع كراسات المذاكرة على الأرض والإنحناء الشديد عليها لكتابة الواجبات والفروض المنزلية أحد أسباب الضرر الصحي للعمود الفقري للطفل بمرور الزمن.
أما وضعية الجلوس الأرضي الواقية من الأضرار الصحية للظهر مستقبلًا هي:
• الجلوس على الأرض بوضعية ظهر مستقيمة.
• المحافظة على إستقامة الرقبة وعموديتها على الكتفين، لأن تكرار الإنحناء الأمامي الشديد للرقبة يؤثر في صحة النظر من ناحية، ويسبب تمدد عضلات الرقبة بما يصاحبه من آلام بالرقبة والكتفين والرأس من ناحية أخرى.
• وضع الكراسات والكتب أو الطعام وما شابه على طاولة مناسبة الإرتفاع.
• إراحة الذراعين على الطاولة أثناء الكتابة والمذاكرة.
• تقريب الجزء العلوي من الجسم إلى الطاولة بحركة أمامية من الحوض، مع مراعاة عدم الإنحناء.
تدريب الطفل على تغيير وضعية الجلوس أو الحركة البسيطة لأطراف الجسم والرقبة كل فترة زمنية، خاصةً مع ساعات المذاكرة الطويلة.
ويُلاحظ أيضًا إستلقاء بعض الأطفال على بطنهم لكتابة الفروض المنزلية، وإذا كان بُدٌ من هذه الوضعية أثناء الكتابة فيمكن وضع وسادة أسفل البطن للمحافظة على التقوس الطبيعي للعمود الفقري والظهر، مع الإستناد على الكوعين لتوزيع ثقل وزن الجسم.
وبشكل عام المشكلة الأساسية ليست في الجلوس على الأرض أو على الكرسي، فالأولى بالإهتمام هو وضعية الجلوس نفسها ومدى ملائمتها لصحة الجسم، فشرطًا لصحة العمود الفقري الجلوس بوضعية يستقيم فيها العمود الفقري والكتفين والرقبة.
متى يجب تغيير وضعية الجلوس؟
يُحبذ تغيير وضعية الجلوس كل 20 دقيقة، ولو بالوقوف أو المشي في المكان لمدة دقيقة ثم العودة للجلوس مرة أخرى. وهذه النصيحة تنسحب أيضًا على من تفرض عليهم ظروف العمل الوقوف لفترات زمنية طويلة، لتجنب المجهود الزائد على عضلات الجسم.
ويجب على إدارات المدارس تدريب الطلاب الصغار على هذا أيضًا، بتغيير وضع الجلوس على المنضدة المدرسية كل 20 دقيقة بالوقوف في نفس المكان لمدة دقيقة ثم العودة للجلوس مرة أخرى، وعدم الإستمرار في الجلوس لفترات طويلة، خاصة مع طول الحصص الدراسية اليومية.
ما أهم التشوهات التي تُصيب منطقة الكاحل عند الأطفال؟
أبرز تشوهات الكاحل هي إصابته بالإلتواء الداخلي أو الخارجي، ويظهر هذا جليًا أثناء المشي. وقد يكون المشي الخاطيء للطفل هو الذي تسبب في إلتواء الكاحل وتقوسه. وتشوهات الكاحل واردة الحدوث منذ اليوم الأول للحمل، أو أثناء عملية الولادة، أو من خلال عارض يصيب الطفل في الأشهر الأولى بعد الولادة.
وأكثر وضعيات تقوس الكاحل خطورة هي تقوس عظام الكاحل، ويلزم لعلاجها طبيب عظام متخصص.
والوضعيات التي يمكن علاجها بمجموعة من تمارين وبرامج العلاج الطبيعي هي الناتجة عن سوء تموضع الكاحل، أو لعدم إكتمال نموه، ونشير هنا إلى أن سوء تموضع الكاحل لا يمثل خطورة صحية ومقبول حتى بلوغ سن الخامسة لعدم إكتمال نموه، لكن بعد عمر الخامسة يتعين التدخل الطبي لتحديد أسبابه وعلاجها.
وبشكل عام أي تشوهات بمنطقة الكاحل تحتاج بالضرورة إلى التدخل الطبي لتحديد البرنامج العلاجي الذي قد يمتد لتركيب جهاز للقدمين ليلًا أو نهارًا، وقد يتطور إلى التدخل الجراحي تبعًا للحالة المرضية وفئتها العمرية، فكل مرحلة عمرية للطفل لها تدخل جراحي مناسب لها.
هل إرتداء الطفل الأحذية الطبية مع أول خطوات تعلم المشي ذو فائدة صحية؟
الحذاء الطبي للأطفال في سن المشي من العوامل المساعدة على النمو السليم للقدمين، وتفادي الإصابة ببعض المشكلات مثل القدم المسطحة مثلًا، خاصة مع عدم مراعاة الكثير من أحذية الأطفال المنتشرة بالأسواق الإشتراطات الصحية لنمو وشكل القدمين والساقين للطفل واقتصار الإهتمام على الأشكال التجارية التسويقية.
ويجب العلم بأن تشوهات ومشكلات نمو القدمين لا تنحصر في القدمين مدى الحياة، بل ستمتد إلى الساقين والركبة والظهر مستقبلًا.
متى يُنذر تقوس الساقين بالخطر؟
أردف “د.جمال” من الممكن أن يكون تقوس الساقين بسبب وراثي جيني، وهذا ما ستحدده الفحوصات الشاملة لمناطق الحوض والركبة والكاحل والقدمين وليس الساقين فقط. وبشكل عام وأيًا كانت طبيعة تقوس الساقين إلى الداخل أو إلى الخارج أو جانبية، إذا كان التقوس مقبولًا نوعًا ما يمكن أن يُستبعد التدخل الجراحي للطفل لتسببه لمشكلات أعمق مستقبلًا، ويلجأ الأطباء للإنتظار لبلوغ مراحل عمرية أكبر لتحديد التمارين العلاجية المقوية للعضلات حتى تساعد في تخفيف التقوس الموجود.
أما تقوس الساقين الشديد والظاهر يلزمه تدخل جراحي من طبيب متخصص، حيث يقوم خلاله بكسر عظام معينة مع زرع عظام أخرى وتثبيتها، للحصول على الإمتداد المنضبط لعظام الساقين.
كيف تُشخص الإصابة بضعف العضلات عند الطفل؟
التشخيص الطبي الدقيق هو الذي يحدد أولًا إصابة الطفل بضعف العضلات، ولا ننكر إمكانية الإشتباة بوجود ضعف وإرتخاء في العضلات عند ملاحظة بعض الأعراض، والتي يلزمها إستشارة الطبيب المتخصص لتدقيق الأسباب وعلاجها، ونذكر من هذه الأعراض ما يلي:
حال بلوغ الطفل سن التسعة أشهر مع عدم قدرته على الجلوس، فالطفل يتعين عليه أساسًا من سن الستة أشهر الجلوس المستقر من تلقاء نفسه.
إذا ما تأخر في المشي لما بعد إتمام عامه الأول ونصف الثاني من العمر، خاصةً إذا كان قادرًا على الوقوف المستقر، لكنه غير قادر على نقل قدميه للمشي.
إذا ما تكرر سقوط الطفل أثناء المشي في عمر العامين فما فوق.
والخلاصة: جميع الأعراض السابقة يلزمها الفحص الطبي الدقيق من خلال الفحوصات السريرية وصور الأشعة لتحديد أسبابها، ومناطق الخلل بالجسم، سواءًا بالعظام أو بالعضلات.
لماذا يجلس بعض الأطفال بوضعية الـ W؟ وما أبرز مخاطرها الصحية؟
في العادة لا تسبب وضعية جلوس الـ W أية مخاطر صحية على الفرد، لكن يُخشى منها مع الأطفال لأنها تنقل مجموعة من رؤوس العظام الفخذية الموجودة في ما يُشبه الحُفرة العظمية لعظام أخرى من مكانها، وبالتكرار قد تؤدي مستقبلًا إلى إنخلاع عظام الورك من محلها، مما قد يؤدي إلى مشكلات مستقبلية كخلع الورك أو الإلتهابات المزمنة المصحوبة بالألم في الورك لإستدامة الإحتكاكات.
ويفضل دائما تدريب الأطفال منذ الصغر على وضعيات الجلوس الصحيحة حيث يكون الظهر مستقيم، للحصول على التمدد الطبيعي لعضلات الحوض وملائمتها لوضعية العمود الفقري في الظهر.
هل يلعب فيتامين (د) دورًا في عدم ظهور المشكلات العظمية عند الأطفال؟
يلعب فيتامين (د) دور أساسي في النمو السليم للعظام، كما أنه يساعد في الحصول على المتانة العظمية، ونقصه في جسم الطفل يؤدي إلى حدوث التشوهات العظمية، كما أنه يساهم في الوقاية من كسور العظام مع اللعب المستمر للأطفال، لأنه يزيد من قوة الكتلة العظمية في الجسم. ولا حاجة لفحص فيتامين (د) في جسم الطفل، لكن يجب مراعاة إحتواء غذاء الطفل من حليب وخلافه على الفيتامين، مع التعرض المتوازن لأشعة الشمس.
ما الخطورة الصحية من تكرار إنحناء الرقبة للأمام لفترات طويلة؟
تابع “د. جمال” على أن ثني الرقبة إلى الأمام بصفة مستمرة تؤدي إلى الشعور بآلام الرقبة نتيجة لهذه الوضعية الخاطئة، سواءًا للأطفال أو البالغين، لأن الثني الزائد المستمر يؤدي إلى التمدد الزائد لعضلات الرقبة، من هنا جاءت الضرورة الصحية بإستقامة الرقبة على الكتفين أثناء المذاكرة أو العمل مع إستقامة الظهر.
ما أنسب وضعيات النوم الصحية للطفل؟
الأصح أن ينام الطفل على ظهره أو على جانبه، وإن كان من الصعب التحكم في وضعية نوم الطفل في الأعمار الصغيرة، لكثرة تقلبه طوال الليل، ويمكن الإهتمام بوضع وسادة مناسبة الإرتفاع تحت رأس الطفل بما يضمن إستقامة الرقبة أثناء النوم، مع الإهتمام بنوم الطفل على فرش لين وغير صلب.
من طبيب العظام إلى إختصاصي العلاج الفيزيائي مرورًا بأطباء الأعصاب وأطباء الأطفال.
كيف يحدد الأهل لمن يتوجهون لفحص أطفالهم؟
حال ملاحظة أية مشكلة صحية في حركة الطفل أو طريقة نمو أعضاءه في المراحل العمرية الأولى عليهم التوجه إلى طبيب الأطفال، حيث يقوم بالفحوصات السريرية الأولية، ومن ثَم ستظهر معه الأسباب المبدئية للخلل الصحي، والتي يستطيع من خلالها توجيه الوالدين، فإذا أظهرت الفحوصات أية مشكلات عظمية سيوجههم إلى طبيب العظام، وإن كانت المشكلة في الأعصاب فسيوجههم إلى طبيب الأعصاب.
أما الأخصائيين الفيزيائيين فهم ذو دور علاجي وليس تشخيصي، حيث يقوم الطبيب الأخصائي سواء للعظام أو الأعصاب بالتشخيص الدقيق لطبيعة المرض وأسبابه، ثم يُحول المريض على أخصائي فيزيائي لتنفيذ مجموعة من البرامج العلاجية الفيزيائية المناسبة للتشخيص المرضي والمرحلة العمرية للطفل إن استدعت الحالة ذلك.
كيف يتعامل الوالدين مع آلام الظهر عند أطفالهم؟
تكرار شكوى الطفل من شعوره بآلام مُبرحة في مناطق الرقبة أو الظهر أو الكتفين لابد من أخذه على محمل من الجدية، مع سرعة متابعة الطبيب المتخصص للوقوف على أسباب الألم ووضع الخطط العلاجية له، أما الإهمال والتهاون سيؤدي حتمًا إلى تفاقم المشكلة الصحية وتطورها مستقبلًا، الأمر الذي سيُصعب من العلاج ويطيل مدته الزمنية.
بعض الأطفال يعتادون على الإنحناء إلى الأمام أثناء المشي، فهل يتطلب ذلك متابعة الطبيب؟
لابد من متابعة الطفل وتكرار توجيه الإرشادات والنصائح له فور ملاحظة إنحناءه أثناء المشي، أما إذا لوحظ عدم مقدرته على تعديل وضع الجسم وإستقامة الظهر وجب متابعة الطبيب للتدخل الفوري لمعرفة الأسباب وعلاجها.
وبشكل عام يجب تنفيذ برامج رياضية وألعاب جسدية حركية للأطفال، للمساعدة على نمو عضلات الجسم بالشكل الصحيح وليونتها، وعدم التهاون في جلوس الطفل لساعات طويلة أمام الشاشات والألعاب الإلكترونية.
متى يتوجب الفحص الطبي لصحة العمود الفقري للطفل؟
من الضروري إجراء كشف طبي تطميني على صحة العمود الفقري بعد إتمام الطفل عمر الخمسة سنوات، دون إشتراط وجود عَرَض مَرَضي، فهذا إجراء وقائي لتفادي الإصابة مستقبلًا، كما أنه بمثابة كشف مبكر لأي خلل وظيفي خفي بالعمود الفقري وعلاجه قبل تفاقمه.