عندما أصل البيت وأبحث عن الراحة أسمع مشاجرة الأبناء تبتدئ بالكلمة وارتفاع الصوت ونصرة النفس، ودخول الشيطان وإساءة الظن واستعمال القوة دون مبالاة.. دفعني هذا الأمر لسؤال المختصين وقراءة كتب التربية وعلم النفس، ووجدت أن هذا منتشر في الأسر، ولا يكاد يخلو بيت من هذه المشاجرات.
أهم أسباب المشاجرات بين الأشقاء: الغيرة والشعور بالنقص، والشعور باضطهاد الكبار، وانشغال الوالدين أحيانا، ونقل الكلام ومعرفة نقاط الضعف والقوة عند بعضهم، وأحيانا الأطفال الذكور يحاولون السيطرة على أخواتهم وسرعة الغضب وعدم وجود الإيثار والتنازل بينهم.
فقررت حينها أن أستمع لكل شكوى، ولكن سرعان ما يبكي أحدهم ويقول أنتم تقفون مع الكبير أو مع الأولاد الذكور، ويشعر بظلم ولا أعرف متى سينتهي، فقررت الاستماع من كل واحد على انفراد، ولكن لم أستطع أن أعرف أين الحقيقة، فقررت بعدها أن يطلبوا العفو والصفح من بعضهم مقابل عوض (هدية أو غيرها)، مع تعهد بعدم التكرار فهدأت النفوس ثم عادت.
فعلمت أن السبب هو الفراغ القاتل، وأننا تأخرنا كثيرا في الدعاء في جوف الليل، وأيضا حدثت الأمور عندما تساهلنا في تركهم لحفظ القرآن والاهتمام بأداء الصلاة والدراسة، فربما زاد ذلك من النزاعات والخلافات.
< ثم طلبت منهم اتباع أسلوب الحوار الهادئ فيما بينهم، وأحيانا تحويل الأمر إلى دعابة، ثم اللعب الجماعي معهم، ثم التجمع عند موائد الطعام والحديث ببعض القصص التي تعالج هذه المواقف بأسلوب التعريض وليس الصراحة المباشرة.
الخلاف بين الأولاد ليس ضارا كله، وليس سيئا كله، بل يتعلم كل واحد منهم كيف يأخذ حقه ولكن بصدق وأمانة وصبر ودون غضب، فضلاً عن التعود على عدم الأنانية.
لابد من عدم خلاف الأم مع الأب في طريقة الحل، ولابد من توزيع الأدوار بين الأبوين في تهدئة الغاضب والوقوف أمام المعتدي لكف أذاه ومواساته بعد أن ينال عقابه غير المبرح ويكون آخر دواء.
عدم المقارنة بأشخاص آخرين ولكن القول دائما: إن الإنسان المثالي هو من يفعل كذا وكذا حتى نبعد الحساسية والكراهية والغيرة من نفوسهم.
مراجعة الأب نفسه لعل هناك تقصيرا معينا وانهماكا في العمل على حساب الأبناء أو هناك سوء معاملة، أوربما اقتراف معصية إذ نجد ذلك في الأولاد.
التقليل من سبب الشجار؛ كأن نقول: إنه تافه، ومثلك يتجاوز هذه المرحلة التي لا تستحق، وإن الحياة فيها كثير من المواقف لابد من التعامل معها بالنسيان أو التناسي أو عدم الاهتمام لنتجاوز هذه المرحلة.
حاول أن تبين لماذا حكمت بكذا أو وقفت مع أحدهم دون الآخر دون انحياز، مع أهمية المحافظة على الهدوء وعدم إزعاج الوالدين، فهذا جزء من برهما.
عندما تغمر أبناءك بالحب والعدل توجد جوا كبيرا وعميقا من التآلف ولاسيما إذا التزم كل منهما بحدوده.
وأخيرا فقدان القدوة في التعامل مع الأبوين أعتقد أنه أكبر مشكلة مؤثرة ولاسيما إذا كان التعامل بصوت مرتفع وحل المشكلات بينهما بالقسوة سينعكس حتما على الأبناء.
هذه تجربة علمتني كثيرا فأحببت أن يستفيد منها القارئ الكريم.