إلى أي مدى ساهمت إعلانات التبرع لعلاج مرضى السرطان في خلق علاقة وطيدة مع أصحاب المرض؟
واقعيًا تتبدل حياة مرضى السرطان وأسرتهم منذ تشخيص إصابتهم بالمرض، حيث ينتقل المريض من شخص طبيعي جدًا ومعتمد على ذاته كليًا إلى شخص يحتاج المساندة بكافة أشكالها وصورها النفسية والمادية والصحية والإجتماعية في كل تفصيلة من تفاصيل حياته اليومية العادية والعلاجية أيضًا خلال رحلته مع المرض.
فالمعروف أن المؤسسات الرسمية والحكومية في الدول المختلفة تقوم بتوفير الجزء الأكبر من أساسيات علاج مرضى السرطان، ولكن رحلة علاج مرضى السرطان مليئة بالتفاصيل الكثيرة والدقيقة التي لا توفرها هذه المؤسسات.
وتحتاج لجهود مبذولة من المجتمع بمؤسساته الغير رسمية والتطوعية عبر الأنشطة التي تمارسها في هذا المجال.
ولا يمكن إنكار القصور الحاصل من وزارات الصحة العربية في موضوع مرض السرطان من حيث الدعم اللوجستي للمريض وأسرته، وإقتصارها على توفير البرامج العلاجية الأساسية لمرض السرطان، لكن مريض السرطان يحتاج إلى دعائم لوجستية أخرى بعيدة عن البرامج العلاجية الدوائية، مثل تسهيل أموره الحياتية والمعيشية والأسرية.
وتدعيمه بالجوانب المادية المباشرة في حياته أو المُطورة لأجهزة العلاج وأبحاث الدواء المستخدمة في المستشفيات، وكذلك تأهيل المريض نفسيًا.
وكلها من التفاصيل المحورية في حياة مريض السرطان وأسرته، والتي لن تَتَأْتَى إلا عبر المؤسسات والجمعيات المجتمعية الخيرية التي كَرَّست جهودها في مرض السرطان.
ما أهم العوائق الماثلة في طريق المؤسسات الخيرية المُساندة لمريض السرطان؟
أكد د. أبو فخيدة على أنه من خلال الممارسة العملية في تأسيس جمعية الحياة لمساعدة مرضى السرطان منذ العام 2010م.
والتي انبثق عنها مركز الحياة التشخيصي لمرض السرطان في العام 2015م، نستطيع القول بظهور تحديات أكبر مع كل خطوة مُتَّخذة في هذا المجال. فمنذ نشأة الجمعية بدأنا بحملة “تمنى” وهَدِفت إلى تحقيق رغبات الأطفال من مرضى السرطان.
وكان التحدي الأكبر حينها هو توفير الدعم المادي لتحقيق هذه الأمنيات البسيطة لمصابي السرطان من الأطفال، واستمرت الأنشطة رويدًا رويدًا، إلى أن خرج مركز الحياة التشخيصي للنور، وحينها صارت التحديات والعقبات أكبر، وصارت تتراكم شيئًا فشيئًا في شتى الجوانب المادية والطبية والعلاجية والنفسية للمريض، وكذلك في الجوانب التشغيلية المادية والطبية والجهازية للمركز نفسه، ولم تعد تقتصر العوائق على التحدي المالي فقط، خصوصًا مع تزايد عدد المترددين على المركز من المرضى.
وأيضًا مع تزايد عدد الكوادر الطبية والإدارية والفنية العاملة بالمركز، وخصوصًا أيضًا مع عدم تلقي أي دعم مادي من خارج دولة فلسطين، وإقتصار التمويل على دفعات بسيطة من أهل الخير وأصحاب الدماثة الفلسطينيين.
وما نربو إليه هو وضع ملف الدعم اللوجيستي لمريض السرطان الفلسطيني على طاولة المؤسسات والشركات الإقتصادية والبنوك الفلسطينية الكبيرة، لإستمرارية العمل بالمؤسسات الخيرية، ورفع الحرج المادي والمعنوي بالكامل عن مريض السرطان وأسرته، لأن البرامج العلاجية الدوائية الأساسية وحدها لا تكفيه شر العواقب الغير صحية المصاحبة لمرض السرطان والمعروفة للجميع.
كيف يتعامل مرضى السرطان مع الصيام؟
قال “د. بلال أبو فخيدة” أخصائي جراحة الأورام. يمكن لنا تقسيم مرضى السرطان إلى فئتين من حيث العلاقة مع شهر رمضان الكريم، وهما:
مريض السرطان الذي شُخصت حالته حديثًا والمُداوم على العلاج الكيماوي والإشعاعي خلال الشهر الكريم، وهذه العلاجات بطبيعتها مُنهكة للجسم البشري، ومن هنا لا يوجد داعي لإثقال جسم المريض بالصيام إلى جانب ثقل المرض والعلاج.
مريض السرطان الذي شُخصت إصابته به سابقًا ولا يتلقى أي علاج، وهو مُتابع لحالته الصحية لا غير، وهذه الفئة لا يوجد حاجز بينها وبين الصيام، فالأصل أن الصيام ذو فوائد صحية لمريض السرطان، لأن الخلية السرطانية تتطلب طاقة كبيرة حتى تنقسم وتنشط وتنمو في الجسم، وبذلك يكون الصيام من العوامل المساعدة على مقاومة السرطان.
حيث ستبقى في الجسم الخلايا القادرة على الإستمرار، لا الخلايا المشوهه بالورم السرطاني التي تحتاج إلى طاقة كبيرة للنمو والنشاط.
هل يمكن تأجيل التدخل الجراحي لما بعد رمضان في الحالات التي تحتاج جراحات لإستئصال الورم؟
الحالات التي يُتخذ فيها قرار طبي بالتدخل الجراحي لا يصلح ولا يُفضل معها تأجيل التدخل الجراحي، لأن مرض السرطان من الأمراض التي يُحبذ لها التشخيص المبكر من ناحية، والشروع في تنفيذ العلاج أي كانت طريقته فورًا بعد التشخيص من ناحية أخرى.
ويرجع ذلك إلى الخوف من إمتداد الورم لخلايا أخرى. وبالتالي سرعة التدخل الجراحي أحد أهم العوامل للسيطرة على الورم وتفادي ما قد يُسببه من مضاعفات. وعليه لا يصح أبدًا طبيًا أو شرعيًا أن يَحُول شهر رمضان الكريم بين المريض وبين العلاج.
ما هي أقسام الأورام التي يمكن أن تُصيب الجسم البشري؟
الأورام بشكل عام تنقسم إلى:
الأورام الحميدة: وهي نوع من الأورام لا يُولَى الأهمية الطبية الكبيرة، لأنها لا تتسبب في أي أذى أو مضاعفات صحية، إلا في الحالات الإستثنائية التي تنمو فيها هذه الأورام في أماكن حساسة بالجسم.
وبالتالي تُحدث إعاقة عن تنفيذ الوظائف الحيوية للأعضاء التي نَمَت بداخلها. وعليه لا يتم إستئصالها إلا عند إعاقتها للعضو والحيلولة دون تنفيذ وظيفته، أو إذا صاحبها الإلتهابات، أو إذا كانت تشوه الشكل الجمالي للمنطقة النامية فيها.
الأورام الخبيثة: هي أمراض مختلفة تشترك في تسميتها بالأورام السرطانية، لأن مواصفات وسلوكيات المرض متشابهة إلى حد بعيد مع مرض السرطان، لذلك يحتاج علاجها لمتخصص لتحديد نوع المرض الناتج عنه الورم، ومضاعفاته، وتنفيذ إستئصاله أو علاجه.
هل يمكن التنبؤ عبر فحوصات بإمكانية الإصابة بالسرطان مستقبلًا؟
أوضح د. بلال أنه واقعيًا يقوم طبيب الأورام بدراسة الزائر الخاضع للفحص من عدة زوايا وجوانب، هي:
أولها وأهمها دراسة الجانب الوراثي للزائر، والتاريخ المرضي لعائلته مع مرض السرطان.
عمر الزائر وجنسه.
طبيعة عمل الزائر، مثل عمال المهن المباشرة في الإصابة بأنواع من السرطانات، تبعًا للمارسات والمواد المستعملة يوميًا بحكم طبيعة العمل، مثل عمال المصابغ والدهانات المُعرضون للإصابة بسرطانات المثانة أو الرئة، لطبيعة تعاملهم مع المواد الكيماوية.
طبيعة العادات الصحية للزائر، مثل شَرِهِي التدخين مثلًا.
كل هذه الجوانب المدروسة قد تُعطي مؤشر في أيًا من تفاصيلها على الإصابة أو إمكانية الإصابة بالسرطان. أما أن يكون هناك فحص مباشر أو تحليل بِعَيْنِه يُخبر بالإصابة المستقبلية بالسرطان فلا.
وقد يكون هذا ممكنًا مع فحص كامل للجينات (وللتوضيح: هي فحوصات مازالت قيد الدراسة والتطوير، ولا يُمكن الإعتماد عليها كُليًا في الوقت الحاضر).
وبالإمكانيات المتاحة حاليًا، يمكن عن طريق التشخيص السريري لشكوى المريض توجيهه إلى إجراء بعض الفحوصات، التي تدل في نتائجها على إصابته بورم سرطاني، رغم أن أعراض شكواه قد تكون متشابهه مع أعراض لأمراض أخرى.
وهذا ما يُعرف طبيًا بالفحص المبكر للمرض، وهو أحد ركائز الشفاء التام من السرطان.
هل يلزم تتابع الفحص الطبي كل فترة للوقوف على حقيقة الإصابة بالسرطان من عدمها؟
بعد سن الأربعين يجب أن تكون زيارة طبيب الأورام سنوية، مع العلم بعدم ضرورة إجراء كل الفحوصات وصور الأشعة مع كل زيارة، بل يمكن في كل زيارة إجراء بروتوكول بسيط للفحص تبعًا للتاريخ العائلي مع مرض السرطان، والذي يُرجح مكان وجود الورم حال الإصابة.
ما أهمية الفحص المبكر للورم السرطاني؟
يُعد الكشف المبكر عن مرض السرطان من أهم عوامل مقاومة مرض السرطان والشفاء منه، وهذا هو جوهر التحدي في التعامل مع مرض السرطان، لأنه يوفر للمريض فرصة كبيرة جدًا للشفاء التام، ويوفر على المريض والجهات المسئولة جانب كبير من التكاليف المادية لعلاج مرض السرطان. من هنا لا يقتصر مجهود الكشف المبكر لمرض السرطان على جهة واحد.
بل يلزمه تكاتف وتعاون من العديد من الجهات الرسمية والغير رسمية للتوعية بأهمية الكشف المبكر وتنفيذه على كل أفراد المجتمع.