على الرغم من عدد السكان الكبير والازدحام الشديد بين أهل المدينة والاختلاف بينهم وتنوعهم إلا أننا نجد أن الإحصائيات تُشير إلى أن في المدينة تزداد الوحدة والاتحاد بين الأفراد. فما تفسير هذه المفارقة؟
أوضح “د. جهاد العبدالله” (أخصائي الطب والعلاج النفسي بمستشفى شاريتيه في برلين بألمانيا) أن سكان الريف هم أقرب للاستقرار لفترة طويلة، أما الذين يعيشون في المدينة فهم يتنقلون كثيراً. وهناك أحصائيات تُشير إلى أن حوالي 70% من الأشخاص لا يعرفون جيرانهم، وهذا يؤدي إلى خلق نوع من الإجهاد والتوتر و القلق. فمن هنا يأتي التناقض، حركة مستمرة وإجهاد مستمر وعدم إعطاء راحة للنفس وعدم تحكم بالوقت.
ما هي العوامل التي تسبب هذا النوع من الإجهاد والتوتر للأشخاص في المدينة؟
أوضح “العبدالله” أن لا شك أن الأشخاص الذين يعيشون في المدينة يتعرضون لعدة أمور تختلف عن العيش في الريف أهمها: وسائل المواصلات والتنقل، سرعة الحياة، كثرة المواعيد، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على التحكم في الوقت كما يريدون مما يخلق لديهم حالة من عدم الاستقرار. في المقابل نجد أن سكان الريف يحدث معهم عكس كل ذلك حيث لديهم مقدرة أكبر على التحكم في ضبط الوقت، كما أنهم لا يعيشون في ذلك الكم من التلوث بكل أنواعه الذي يعيش به أهل المدينة.
أضاف “د. جهاد العبدالله” أنه ليس كل الأشخاص الذين يقطنون بالمدن معرضون للمشاكل النفسية والإجهاد والتوتر، فهناك أنواع من الشخصيات تعشق أن تعيش في المدينة وتتفاعل معها بشكل أكبر فبالتالي تحظي بحياة صحية أكثر في المدينة، بينما على الجانب الآخر هناك أنماط من الشخصيات تميل إلى العيش في الريف، ولكن هؤلاء الذين هم بحاجة لحياة ريفية أصبح عليهم الانتقال إلى المدينة بحكم الدراسة والعمل وما شابه مما جعلهم يتواجدون في بيئة لا توفر لهم عوامل الراحة. أي يُمكننا القول بأن هناك أنماط من الشخصيات يلائمها العيش في المدينة أكثر من العيش في الريف. نحن نتحدث عن المدن الكبيرة ولكن هناك أيضاً مدن صغيرة يعاني قاطنيها من مشاكل التوتر والقلق النفسي وذلك قد يرجع إلى نمط الحياة اليومية من الذهاب إلى لعمل ونوعية الضغوط التي يتعرض لها الشخص أثناء عمله وعدم حصوله على أوقات كافية للراحة والعمل لساعات طويلة متواصلة فكل هذا يخلق نوع من التوتر.
إن النشاط الحركي يساعد ضد الإجهاد. فهل هناك طرق أخرى؟
أكد “د. جهاد العبدالله” أن النشاط الحركي الرياضي هو أحد أهم العوامل التي تخفف من التوتر والقلق لدى الأشخاص، وأيضاً لابد من تخفيف ساعات العمل وإعطاء أوقات كافية للراحة، وتجنب السهر لساعات متأخرة ليلاً، والابتعاد عن الضوضاء قدر المستطاع.
هذا عن الجهود الفردية فماذا عن الجهود الجماعية التي سمعنا عنها في أوروبا مما يحدث من تعاون بين أطباء نفسيين ومهندسين لتخطيط المدن بشكل ملائم يقلل من التوتر العصبي لدى الأشخاص؟
أوضح “د. جهاد العبدالله” أن خبراء تخطيط المدن يحرصون على استشارة خبراء نفسيين واجتماعيين من أجل تحقيق أفضل تركيبة سكنية يمكن أن تحقق جو من الراحة النفسية وعدم التوتر لقاطني تلك المدن في المستقبل. وهناك نقطة مهمة يتوجب الإشارة إليها وهي ضرورة خلق أماكن خاصة لقيادة الدراجات الهوائية بالمدن الكبيرة، حيث أن ذلك يحقق كلاً من النشاط الحركي إلى جانب جو من الراحة يخلو من الضوضاء الناجمة عن وسائل المواصلات مما يعطي فرصة أكبر للتخفيف من الإجهاد والتوتر في هذه المدن.