حديثنا اليوم سيكون بشَكل مكثَّف عن كثب حول محبة النبي صلى الله عليه وسلم. فقد روى أنس بن مالك -رضي الله تعالى- عنه كما في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم -رحمة الله على الجميع- يقول النبي ﷺ «لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين». وفي رواية للإمام مسلم «لا يؤمن عبد/الرجل، حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين».
محبة النبي صلى الله عليه وسلم
محبة النبي ﷺ تعتبر من أصول الإيمان، وهي مقرونة من بمحبة الله ﷻ. وقد توعَّد الله ﷻ من قدَّم عليها شيئا من الأمور المحبوبة بالطبع، كمحبة الأهل والأقارب والتجارة والمساكن وغير ذلك، فقال الله ﷻ ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾؛ ثم فسَّقهم في تمام الآية، فقال ﴿وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.
هذا من قدَّم شيئا على محبة الله ورسوله من الأمور المحبوبة بالطَّبع، فكيف من قدم اتباع الهوى واتباع الشيطان، وقدم الشهوات والمنكرات على محبة الله ومحبة رسوله ﷺ. لا شك أنه أحق بالوعيد من غيره.
ولو سُئل إي مسلم اليوم، هل يحب النبي ﷺ ؟ لكان الجواب: بالطبع نعم. ولكن هذه الإجابة تحتاج إلى دليل وبرهان يدل على صِدقها. فإن محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ليست مجرد كلام يتكلَّم به الإنسان. هناك دلائل وبراهين من قام بها فهو الذي يحب النبي ﷺ المحبة الحقيقية الصادقة.
دلائل محبة النبي ﷺ
١. ومن دلائل محبة النبي ﷺ الإكثار من ذكره صلوات ربي وسلامه عليه. فإن من أحَبّ شيئا أكثر من ذكره. خصوصا ليلة الجمعة ويوم الجمعة، حيث أمرنا النبي ﷺ بذلك؛ فقال «أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا».
٢. ومن دلائِل محبته -صلوات ربي وسلامه عليه- محبَّة من يُحِب النبي ﷺ، وبغض من يبغض النبي ﷺ. فيحب الإنسان الصالحين والمصلحين، ويبغض الكفار والمنافقين والفاسدين والمفسدين.
٣. ولعل من أصدق الدلائل والبراهين على محبة النبي ﷺ هو اتباع النبي ﷺ، والسير على نهجه واقتفاء أثره، والأخذ بسنته ظاهرًا وباطنا.
فإن الذي يحب النبي ﷺ المحبة الحقيقية هو الذي تجِده يتتبع سنة النبي ﷺ في جميع شؤون حياته، ثم يؤديها كما كان يفعل النبي ﷺ. هذه هي المحبة الحقيقية للنبي ﷺ.
ولذلك؛ كفانا المؤونة أئمة السَّلف ودواوين العلم -رحمهم الله تعالى- حينما جمعوا لنا هَدي النبي ﷺ في شؤون حياته؛ من أنفَس ما صُنف في هذا الباب كتاب الإمام الجهبذ العلامة ابن القيم الجوزي “رحمه الله” المسمى بـ”زاد المعاد في هدي خير العباد”. وهو كتاب كبير قد لا يستطيع قراءته كثير من الناس، ولكن اختصره الشيخ محمد بن عبد الوهاب “رحمه الله” في مجلد واحد.
يا من تدعون محبته أين أنتم من سُنَّته؟
والله إن الإنسان يتعجب أشد العجب اليوم، من كثير من المسلمين الذين يزعمون أنهم يحبون النبي ﷺ، ثم هم أزهد الناس في سنة النبي ﷺ، بحجة أنها ليست واجبة. في المقابل تجد أنهم يتأسون باليهود والنصارى وبالفاسدين والمفسدين والفاسقين والفاسقات والعياذ بالله. وهذا والله من انتكاس الفطر.
والله لن تجد أشرف ولا أكرم ولا أحسن ولا أفضل من محمد ﷺ فتتأسى به وتقلده؛ صلوات ربي وسلامه عليه. وهذا والله من أبسط حقوق النبي ﷺ على أمته. كيف لا وهو الذي يشفع في السراق من أمته، ويشفع في الزناة -أكرمكم الله- ويشفع في شُرَّاب الخمر، ويشفع في أصحاب الكبائر، يشفع فيهم؛ يريد أن يدخلهم الجنة؛ صلوات ربي وسلامه عليه.
فمن أبسط حقوقه علينا أن نتتبع هَدي النبي ﷺ، وأن نعتز بالتمسك بسنة النبي ﷺ، وأن نتعلمها، ونعلمها لأبنائنا وبناتنا، ونعلمها لزوجاتنا وننشرها في الأمة.
هذه المحبة الحقيقية للنبي ﷺ، فنعرِف عبادة النبي ﷺ؛ كيف صلى النبي ﷺ. اليوم كثير من الناس يحملون الشهادات العليا، ولكنه لا يحسن أن يصلي صلاة النبي ﷺ وقد قال النبي ﷺ «صلوا كما رأيتموني أصلي».
كثير من الناس اليوم لا يتأسى بالنبي ﷺ في أخلاقه، ويظن أن الدين محصور في جزء معين من العبادات، ولكن أخلاقه أبعد ما يكون عن أخلاق النبي ﷺ.
هَدي نبينا محمد
النبي ﷺ كان له هدي في عبادته، وكان له هدي في معاملاته، وكان له هدي في أخلاقه وتعاملاته مع زوجته وأولاده، ومع أصدقائه ومع جيرانه ومع المخالفين له. فينبغي لنا أن نعرف هدي النبي ﷺ، ونحيي هذه السنة ونعتز بها حتى تكون محبتنا للنبي ﷺ صادقة.
ومن هدي النبي ﷺ الذي ينبغي علينا أن نتتبعه ونقتفي أثره ألا وهو هدي النبي ﷺ في شهر شعبان، الذي نعيش فيه اليوم. النبي ﷺ كان من هديه أنه يكثر الصوم في شهر شعبان.
وذكر العلماء أن الحكمة من صوم النبي ﷺ بكثرة في شعبان؛ حتى يستعد لرمضان، لأن رمضان شهر عظيم شهر العتق من النيران، وأفضل شهور السنة على الإطلاق.
وكان يحرص على صيام يومي الإثنين والخميس. وقال «ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين ، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم».
وحري بنا أن نتمسك بسُنَّة النبي ﷺ وهديه، فهو والله أفضل وأحسن وأكرم وأشرف من يستحق أن نتأسى به، وأن نتعلم سنته، وأن نعلم أهلنا حتى يتربى الأجيال القادمة على سنة النبي ﷺ.
لا يحسن بك أن تعلم أن هذه سنة من سنن النبي ﷺ، ثم تفرط فيها، ولا تحييها في نفسك، ولا تحييها في أبنائك وبناتك وتدعو الناس إليها.
والله من العيب والعار أننا نعرض عن سنة النبي ﷺ، ثم نذهب ونتأسى بأُناس لا يساوون عند بعوضة.
أدعية جميلة قصيرة
نسأل الله بعزته وجلاله وعظمته وكماله أن يرزقنا وإياكم التمسك بالسنة عند فساد الأمة، اللهم ارزقنا التمسك بالسنة عند فساد الأمة، اللهم ارزقنا التمسك بالسنة عند فساد الأمة يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك بعزتك وجلالك وعظمتك وكمالك أن تبلغنا رمضان ونحن في أتم صحة وأكمل إيمان يا رب العالمين. ويسر لنا صيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيك عنا يا رب العالمين.
اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء والمفسدون منا.
اللهم إنا مقبلون عليك بذنوبٍ ثقيلة وقلوب عليلة، ليس لنا من عملنا ما نرجوه ألا رجائنا في رحمتك وعفوك وغفرانك، اللهم فاغفر لنا وارحمنا وتجاوز عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا، أن تصلح أحوالنا، وأحوال إخواننا المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على الرسول الأمين.
واطَّلِع هنا على: شروط قبول الصلاة على النبي ﷺ