في مركز غرناطة وحيث احتفالية اليوم العالمي للإعاقة، كان الأصحاء الحقيقيون يتصرفون بثقة ويرحبون بنا من على كراسيهم المتحركة، فيما كان المعاقون الفعليون في الخارج يشلون أطراف الشارع ويوقفون حركته باستخدام سيارة بيضاء مفتوحة الأبواب جزئيا، وبعض الشباب مغلقة عقولهم بالكامل يرقصون حولها وفوقها على إيقاع أغنية صاخبة!.
في الداخل، كنت أفكر في الفرق بين المعاق حركيا دون اختياره وبين معيق الحركة بكامل إرادته، وأتجول دون تكليف من أحد ودون أن يعترضني حارس أمن كما جرت العادة الفاضلة النبيلة، المكان يعج بالعائلات وبعشرات القصص الصحفية المحتملة وبرجال الهيئة الذين يعملون على المحاصرة الاستباقية لأي مشروع معاكسة محتمل، يرافقهم شرطي نحيل، ينظرون بتشكك إلى كاميرتي، ورجل أمن المركز يلفت انتباهي إلى ذلك، أحدهم كان يطلب من إحدى المقعدات تغطية عينيها! بينما الآخر يفتح عينيه عن بكرة أمهما كي يراقب الموقف.. معه حق على أية حال، الاحتفال بالأيام الصحية العالمية ليس مخالفا للعادات والأعراف فقط لكنه كذلك يتسبب في تجمع عدد من الناس دون مبرر، ووجود الإعلاميين هنا يدعو للريبة، كما أن فرط الحركة الاجتماعية الكثيفة قد يؤدي إلى تشتت انتباه مراقبتها!.
المتطوعون من الشباب والشابات يقومون بعمل لافت، وحالة التوجس الأخلاقي لدى رجلين ينظران بتشكك، لا تعنيهم كثيرا أثناء انهماكهم بالابتسام مع عشرات الزوار، حفاوة أنيقة تتجول في أروقة مجموعة تفاؤل الطوعية وتنثر في مساحتها الألوان والبهجة، الأخضر النقي كان لون البالون الذي أهداني إياه أحد أطفال الجناح، وكان كذلك اللون الذي يرافق قناة صحة في عملها النشيط وطاقمها المبدع، بينما معرض مدينة الفهد الطبية يشرح كيف حولت رحلة الشفاء مرضاها إلى فنانين أيضا، أطفال يملؤون المكان، فتيات ينظرن بحذر، وشباب بملابس غريبة، ضجيج الفرق الترفيهية يأخذ شكلا مستفزا، ومشاهير ينزلون فجأة من كواكب أخرى لالتقاط الصور على مضض مع كائنات أرضية لايعبؤون كثيرا بانبهارها!.
أغادر المكان حاملا شهادة تقدير ومثقلا بهدية ذات طابع تاريخي، مر من أمامي موكب من أبناء جمعية «حركية» يسير بوتيرة أسرع من طريقة الأصحاء في المشي، لملمت خطواتي المتثاقلة وفتحت لهم المجال للعبور وأنا اتجه إلى مقهى قريب وأفكر كيف أن العودة من شرق الرياض إلى غربها في برد أقل جدية من بعض التكليفات الصحفية تبدو مهمة صعبة قليلا، لكن الأكثر صعوبة هو المرور بمخرج يحاصره موكب من ذوي نوعية متقدمة من الإعاقة الذهنية، يمارسون صراخا بشعا ويحولون مدخل المركز إلى ثكنة ضجيج ميؤوس منه، إنهم يقومون بأشياء غريبة يمكن تصنيفها في إطار سعادتهم المشروعة بكونهم الفئة الأكثر استحقاقا للاحتفال باليوم العالمي للإعاقة، إنهم المستهدفون الحقيقيون الذين لم ينتبه لهم الإعلاميون عندما كانوا منهمكين بإجراء لقاءات مع معاقين غير فعليين على كراسي متحركة!.
بقلم: هيثم السيد