هناك نوعان من محاكم التفتيش «Inquisition»، نوع يسمى محاكم التفتيش الوسيطة وقد بدأت حوالي عام 1233 حينما كلف البابا بعض الرهبان الدومينيكيين بالتحقيق في ممارسة الطائفة الألبيجنسية سرا شعائرها الدينية في جنوب فرنسا، وفي مراحل تطور هذه المحاكم في فرنسا وشمال إيطاليا وألمانيا وباقي الولايات البابوية كانت مهمتها تحديد الملحدين والحكم عليهم بالإعدام حرقا، وأخذت تلجأ إلى أساليب التعذيب في التحقيقات التي تقوم بها. ولكنها نادرا ما حكمت على الملحدين بالحرق، بل كانت تكتفي بالحكم عليهم بالسجن ومصادرة ممتلكاتهم، وكان الذي يتولى تنفيذ هذا الحكم ولاة الأمور المحليون (الذراع العلمانية للدولة) فكان أن انتشرت الرشوة والابتزاز وتلفيق التهم.
وقد استمرت هذه المحاكم الوسيطة تعمل حتى القرن التاسع عشر، حيث حوّل البابا بولس الثالث عام 1542 اختصاصاتها إلى إدارة حكومية كان لها الحق في إصدار الأحكام بشأن قضايا الإيمان والشئون الخلقية والإلحاد وبعض القضايا الخاصة بالزواج، كما كان من سلطتها أيضا الرقابة على المطبوعات.
أما النوع الثاني من محاكم التفتيش فقد أقيم على يد فرديناند الخامس (أو فرديناند الكاثوليكي) ملك إسبانيا وزوجته إيزابيللا عام 1478 وكانت مستقلة عن محاكم العصور الوسيطة ويشرف عليها ملوك إسبانيا.. ولم يوافق البابوات على إنشائها وبقائها إلا بعد تردد وفي امتعاض إذ اعتبروها ماسة بحق من حقوق الكنيسة.
والمفروض أن هذه المحاكم قد أقيمت في إسبانيا للتجسس على اليهود الذين اعتنقوا المسيحية، وعلي المغاربة المرتدين غير المخلصين لدينهم الجديد، ولكنها تطورت سريعا إلى شكل من أشكال الرقابة على الفكر، وأصبح كل إسباني يشعر أنه غير آمن من مخالبها، وكانت محاكم التفتيش الإسبانية أحسن تنظيما وأقسي أحكاما وأكثر لجوءا للحكم بالموت من المحاكم الوسيطة.
وقد حاولت إسبانيا تطبيق نفس النظام في هولندا وبلجيكا اللتين كانت تحتلهما، ولكن هذا أدي إلى عصيان الشعبين ضد الحكم الإسباني.
وقد ألغيت هذه المحاكم من إسبانيا عام 1820.