حديث اليوم حول موضوع محاربة الفساد في الإسلام. فقد نهت شريعة الإسلام عن الفساد والإفساد في الأرض. الله -عز وجل- يقول في محكم كتابه، في سورة الأعراف {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}.
محاربة الفساد في الإسلام
إذا كانت شريعة الإسلام نهت عن الفساد، نقول بأننا إذا نظرنا إلى الفساد وجدناه يعد ظلمًا للعباد. بعض الناس عندما يمنحه الله من هباته ويتفضل عليه بنعمه تجد أنه لا ينظر إلى ذلك، ويظن في نفسه أن هذه النعمة قد أُوتيت له بمهارته واكتسابها بذكائه، مع أن واهِب النعم إنما هو الحق جل علاه.
ومن هنا؛ إذا مُلِّك شيء أو ملَّكه الله أمر سعى إلى الفساد في الأرض، وهذا أعلم الله عنه عندما قال، في سورة البقرة {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ | وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ}.
يُنصَح، يُقال له ارجع إلى الله، تُب إلى الله الذي منحك هذه النعمة والذي أوصلك إلى المكان الذي أنت فيه، وإياك وأذيَّة خلق الله؛ تجده لا يعبأ.
وهذا بيَّنه الله بقوله -في الآية التي بعدها- {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}.
هذا مصيره جهنم وبئس المصير؛ لماذا؟ لأنه حاد عن هَدي رسول الله، لأنه خرج عن نهج حبيب الله ومصطفاه. إذ السعادة، كل السعادة إنما تتأتَّى في اتباعك لنهج سيدنا رسول الله.
سيدي يا رسول الله، سعيد سعيد من على قدميك سار، وليس بمدركٍ أبدًا خسارا.
الذي يسير على نهج رسول الله والذي يتبع هَدي رسول الله هو السعيد في الدنيا لأنه سار على ما أمر به النبي، ودائِما وأبدًا يوفقه الله ويمنحه رضاه.
وانظر إلى الطرف الثاني، ومن يعدل بكم يلق الدمارا، ويُلقَى في لظى يوم الزحام.
من يفسد في الأرض، من يسعى للخراب؛ يدمر نفسه في الدنيا قبل الآخرة، لأنه ظالمٌ لنفسه.
ثُمَّ يُلقَى في لظى يوم الزحام، أي في نار جهنم يوم القيامة والتي أعلم الله -تبارك وتعالى- عنها في سورة المعارج، بقوله {كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى | نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى | تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى}.
صور الإفساد في الأرض
أنظر إلى صور الإفساد في الأرض كم هي كثيرة وعديدة.
منها أذيَّة العباد؛ ظلم الناس، كونك تؤذي جارك أو زميلك في العمل، تريد أن تترفع وأن تصل إلى ترقية أو إلى درجة أعلى بالكذب والفتنة، وغير ذلك؛ فلتعلم بأنك أذيت.
والله -عز وجل- نهى عن أذيَّة المؤمنين، فإن أذيَّة المؤمنين تعد لونًا من ألوان الإفساد في الأرض. واقرأ قول الله -تعالى- في سورة الأحزاب {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}.
لا تؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة امرئ مسلم تتبع الحق -جل علاه- عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في قعر بيته.
كما تفعل مع خلق الله وكما تقوم بأذيتهم، فلتعلم بأن الله -سبحانه- سيُسخر من يفعل بك مثلما فعلت بهم. لماذا؟ لأن الله -عز وجل- قال في سورة الفجر {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}.
والله -تبارك وتعالى- عدلٌ.
فإذا أردت النجاة، وإذا أرادت النفس أن تقوم بك لكي تفعل ذلَّة، وإذا استعصت عليك النفس وأرادت بك أن تظلم إنسان أو تبطش بإنسان أو تفعل المعاصي والذنوب، ماذا يكون الفعل؟
ينبغي عليك أن ترجع إلى الله وأن تبتعد عن ذلك.
إذا استعصت عليك النفس يوما فلم تجنح إلى طلب الكمال
ولم تُرِد النزوع عن الخطايا ولا الإعراض عن طرق الضلال
فجاهدها بكَفٍّ عن هواها، وعوّدها القناعة بالحلال
وذَكِّرها بأنَّ الكُل فانٍ على عجلٍ يصير إلى الزوال
وبصرها الأُولى في اللهو عاشوا وماتوا غافلين عن المآل
نسأل الله -جل علاه- أن يوفقنا وإياكُم لما فيه رضاه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.