الولوج إلى عالم عمال النظافة يكشف خبايا وأسرار جرائم وممارسات تحاك فصولها في الخفاء وتحت ستار «اليونيفورمات الصفراء».
حاولت الاقتراب أكثر، من هذه الفئة، أقصد عمال النظافة، تقمصت شخصية أحدهم مرتديا نفس القميص الأصفر أو الأقرب إلى اللون البرتقالي، غير أنني شعرت بالريبة البادية في أعين بعضهم، لهذا عمدت إلى تغيير موقعي والوقوف بقرب مجموعة أخرى متظاهرا بإنهماكي في جمع أوراق متناثرة هناك، دون الدخول في تفاصيل حوار مع أحد، ورغبت في الاطلاع ومراقبة الوضع خلسة، لألحظ أن جيوب رفاقي مملوءة بعلب السجائر ليس للتدخين أثناء العمل، بل هي للبيع عند الإشارات المرورية.
تسلل بعض العمال تاركين نظافة الشوارع للدخول إلى المنازل وأسوار العمائر لكنس الأرضيات وغسلها مقابل ما تجود به أيدي أصحابها وسكانها، ومنهم من شرعوا في إنزال أنابيب الغاز وجوالين المياه من الأدوار العلوية لتعبئتها وإعادتها مرة أخرى إلى المنازل.
فيما هناك فئة ثانية أخذت تبحث عن أي عمل حتى لو كان المقابل ريالا واحدا، أو علبة عصير يطفئ بها عطشه، كأن يتجه أحدهم إلى البقالات، ومحال بيع الخضراوات لحمل المخلفات والبقايا التالفة، والصناديق الورقية الفارغة وإبعادها أو طرحها في صناديق القمامة المواجهة للمحال التجارية في نفس الشارع، هذا بالنسبة للفئات التي تريد أن تعمل لتكسب.
لكن على النقيض هناك من درجوا على سرقة حديد التسليح، وتجميعه في أماكن معينة لبيعه فيما بعد، ويعاونهم في المهمة آخرون من بني جلدتهم يعملون في قيادة سيارات النقل الصغيرة والناقلات.
في أحد الأحياء المكية العريقة قادتني الصدفة، أن أرقب عاملي نظافة إلى اكتشاف وافدين مخالفين حولوا منزلا شعبيا إلى مستودع لتخزين عبوات مياه زمزم، وبعض المواد الغذائية منتهية الصلاحية، غير أنني لم أجد تفسيرا ظاهرا لعلاقة عاملي النظافة بهذا المنزل، لينتهي الأمر بإبلاغ الجهات الرقابية لتتابع بدورها ما يحدث.
البعض يؤكد على أن «الرواتب المتدنية هي التي دفعت معظم عمال النظافة إلى التحايل للحصول على مبالغ إضافية»، هذا ما جاء على لسان عامل النظافة البنغالي جاها أنقير بلهجة عربية مكسرة.
أقنعته أنني آسيوي من بلد آخر، واخترت سريلانكا، ليفتح لي قلبه، بعدما أوهمته أن الشركة التي أعمل بها جاءت بي من جدة للعمل في مكة، عندها اقتنع أنقير بالإفصاح عما بداخله، معترضا على ما أسماه «احتقار البعض لعمال النظافة، والنظر إليهم بدونية، وكأننا لم نخلق إلا لكنس ونظافة الشوارع، وفي المقابل أؤكد أنني مرتاح وممتن جدا لتعاطف الكثيرين معنا، وتقدير العمل الذي نؤديه، وهم بالتالي لا يتأخرون في منحنا البقشيش، نظير التفاني في تنظيف الشوارع داخل الأحياء».
بادرته بنفس طريقة حديثه، مستفسرا عن السر في معاناة عمال النظافة «في نفر كلام عمال نظافة ما في كويس، عندها استرسل في حديثه، معترفا بأن بعض رفاقه يسيئون لعمال النظافة من خلال سلوكياتهم المرفوضة «هذا نفر خربان هو سوي سرقة حديد، نحاس، سامات حق ناس».
المتعة الحرام
وعلمت من عامل آخر أن مجموعة من عمال النظافة استطاعوا التغلغل في أوساط الجنسيات الآسيوية بمن فيهم الخادمات أو عاملات المنازل، وأخذ أرقام هواتفهن النقالة لجلب طالبي المتعة المحرمة مقابل مبالغ مالية يتم الاتفاق عليها مسبقا، وكله في سبيل البحث عن تحسين العائد المادي في ظل تدني الرواتب التي يتقاضاها عمال النظافة، وهو ما دفع ضعاف النفوس من هذه الفئة إلى اتباع أساليب إجرامية وارتكاب مخالفات بالجملة تدر عليهم مبالغ إضافية».
داخل السكن
ذهبت بعد ذلك برفقة رفاقي عمال النظافة إلى السكن الخاص بالكعكية وفي أرجائه من الداخل وقفت مشدوها أمام ما اكتنفه المكان من ذات المخالفات.
لكن ما يلحظ هناك أن بعض الفئات تعمل على تمرير المكالمات بمبالغ لا تتجاوز الريالين للدقيقة الواحدة، وأخرى تقدم خدمات فنية وفق أجهزة مجهولة المصدر تساعد الراغبين في الاستفادة منها على اختراق المواقع الإباحية التي تم حجبها على الإنترنت مقابل ثلاثة ريالات للدقيقة الواحدة، وزاد اندهاشي حينما علمت أن الخطوط الهاتفية التي تستفيد منها تلك الفئات المخالفات هي تختص بإدارة مشروع النظافة التابع لهم، وأنهم قاموا بتوصيلها إلى حرم إسكانهم بطرق فنية مقننة، يصعب معه اكتشافها، خاصة في ظل اتفاقهم على تخصيص البعض منهم لعمل دوريات رقابية لضمان عدم اكتشافهم».
كتب: فواز العبدلي