تقول صاحبة الاستشارة: أنا إنسانة جامعية وأبلغ من العمر 30 سنة حاليا، لم يقدر لي نصيب في الزواج بعد، وشققت طريقا في العمل وعملت جاهدة من أجل النجاح فيه، لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، بحيث لم يكتب لي الاستمرار بسبب ظروفي الصحية، بعدها انتقلت للعمل كموظفة بسيطة في إحدى الشركات، لكن الأمر لم يدم طويلا لأني شعرت أن هذا ليس هو المستقبل الذي أريده لنفسي، كنت طموحة جدا، وحلمت أن أصل إلى أشياء كثيرة بالفعل والله شاهد أني قمت بكل ما أستطيع بمجهود شخصي فقط حتى إني لم أتلقى يوما دعما من أي أحد لا في إيجاد عمل ولا في غيره.
المهم وبعد 5 سنوات مع العمل بين الوظيفتين، قدمت استقالتي وعدت لأعيش مع والداي، لا أخفيكم كم الأمر صعب لأن الكل في تلك الحالة ينظر إليك كإنسان فاشل لم يفعل شيئا في حياته، خاصة أنني لم أرزق بزوج بعد وأنا في هذه السن.
حاولت الوقوف من جديد وبرمجت لنفسي أن أحفظ القرآن الكريم في هذه السنة كي لا تضيع مني بدون تحقيق أي شيء، والمشكلة أنني شعرت بأشياء كثيرة في داخلي تغيرت.. فلم أعد شديدة الحماس في أي شيء حتى في حفظ القرآن الذي لطالما تقت إليه، أغلب أوقاتي أقضيها في النوم لساعات وساعات، حتى أنني أكره مغادرة الفراش، وعندما أكون مستيقضة فبالي لا يخلو من التفكير في مشاكلي فحسب. وحتى عندما أشق طريقا في الحل بذهني لا أستطيع تنفيذه في الواقع وكل ما أرغب فيه هو النوم لدرجة أنني لاحظت أن هذه الطريقة في النوم تحولت إلى مرضية، والله لا أعرف كيف أفعل للتخلص منه.
حتى حماستي ضعفت، وأختي الصغيرة التي كنت أمثل لها القدوة أصبحت تنعتني أكثر من مرة بمصطلح “فاشلة” كلما كنت أمزح معها أو أعاتبها على دراستها.
بصِدق؛ حالتي النفسية لا يعلهما إلا الله مع العلم أني حاليا أعيش مع أختي عمرها 13 سنة، ووالدي ووالدتي، وليس لي صديقات لأن مشاغل الحياة فرقتنا منذ زمن.
كل ما أطلبه منكم دكتور هو أن ترشدوني إلى حل يساعدني لأغير من هذا الوضع، مع العلم أن والداي يتمنيان بصدق أن أحفظ القرآن الكريم، وأشعر بغضبهما عندما يريان أن معظم وقتي أقضيه في النوم والتفكير فقط.
أريد أن أبدأ من جديد وأن أشعر من جديد أنني إنسانة لها قيمة بين أسرتها وفي مجتمعها، لكن بصِدق لم أعد أعرف كيف! فبعدما كانت كل أبواب الأمل مفتوحة أمامي لم أعد أرى سوى سوادا يخيم في سواد.
جزاكم الله خيرا وأعتذر منكم على هذه الإطالة.
⇐ ردًا على السائِلة العزيزة؛ يقول –المستشار المغربي والخبير في المجال الأسري والتربوي– الناجي الأمجد: أختي الكريمة، لا تنسي أولا أن نعمة الحياة التي تنعمين بها وأن نعمة الصحة والبصر والقدرة على الإدراك هي أعظم ما رزقك الله إياه، ولا تنسي أن كثيرين من العلماء لم يكتب لهم الزواج لكنهم تزوجوا الأمة بكاملها بإنتاجاتهم وكتبهم وإبداعاتهم فكتب الله لهم عمرين:
- عمر طولي: أي أنهم عاشوا ما شاء الله لهم أن يعيشوا كما البهائم والحشرات والمخلوقات الأخرى.
- عمر عرضي: وهو ما أنجزوه وما حفروا به أسناءهم وما خلفوه وراءهم وبذلك تميزوا عن غيرهم.
اختي الكريمة، أسألك بالله أن تلتفتي يمينك وشمالك وتنظري بعين الرضا والمساءلة في نفس الوقت لعمرك العرضي: ماذا أنتجت؟ ماذا عملت؟ ماذا ستخلفين؟
أبادر بالقول طبعا لن يسألك الله عن (لماذا لم تتزوجي؟) لأن ذلك الأمر هو بمشيئته ﷻ لكن الذي بين يديك هو أن تكوني منتجة فالكثير من الناس ينتظرون بصمتك.
وللعلم: الفراش هو الانتحار البطيء، هو السم اللذيذ، هو بوابة من أبواب الشيطان.
لو كنت مريضة لكرهت الفراش ولعَلِمت معنى أن تقفي على رجليك، فالوقوف هنا طريقك إلى تغير الأمور إن شاء الله، وحتى لا أطيل عليك بادري إلى الاستفادة من بعض دورات التنمية الذاتية وانخرطي في بعض جمعيات العمل الخيري، إذ ذاك ستتفتح أمامك أبواب البحث عن طرق حفظ القرآن والعيش مع القرآن وفي نفس الوقت كيف تنقلين وتتلقين معاني هذا القرآن الذي يقول لك ﴿وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون﴾ صدق الله العظيم.
وأهمس في أذنيك (إن كان قد قدر لك الزواج فلست أنت من سيرده أو يمنعه وإن كان قدر لك عدم الزواج فلست أنت من سيغير هذا الأمر).
أدعو لك من الأعماق وأنتظر هذا التغيير منك فيك.
⇐ وطالعي –معنا– بالمقترحات أيضًا: