ما تعليقك على توجه الكثيرين حاليًا للأنماط الغذائية الخاطئة؟
قالت “د. أمل كنانة” أخصائية التغذية العلاجية. عن مخاطر السمنة أنه لا يمكن إتهام الوجبات السريعة وحدها بالتسبب في حدوث مخاطر السمنة وما يتبعها من أمراض، لوقوع التغيير الكامل في النمط الغذائي المنزلي بشكل عام، التغيير الذي أصبح معه المجتمع بأكمله يواجه إشكالية كيفية التخلص من العادات الغذائية الخاطئة عند جميع أفراده.
فقد وصل المجتمع السعودي إلى مرحلة التعود على مجموعة غذائية معينة، ونسيان أو تناسي وجود عناصر أخرى يمكن للإنسان تناولها والعيش عليها كمصدر أساسي للطعام، دون الوقوع في فخ الإصابات المرضية.
ومن زاوية أخرى، معاناة أغلب البيوت السعودية من مخاطر السمنة بسبب عدم إنتظام مواقيت تناول الطعام، مع عدم السيطرة على كميات الطعام المُتناوَلة. فإذا تحدثنا على الأطفال – كمثال – يتضح لنا النمط الملحوظ في تناولهم لوجباتهم والذي لا يخرج عن الآتي:
الإستيقاظ، والذهاب إلى المدرسة بدون تناول الإفطار.
تناول الوجبة المُعدة منزليًا، إلى جانب تناول الأغذية المبُاعة في الأسواق من مصروفه اليومي.
العودة إلى المنزل وتناول وجبة الغذاء وحيدًا لإنشغال الأهل في العمل، وبالتالي عدم القدرة على السيطرة على كميات الطعام.
تناول وجبة مسائية أخرى.
فتناول وجبة العشاء، والتي في الغالب ما تسبق الذهاب إلى الفراش مباشرة هي من أكبر أسباب مخاطر السمنة على الصحة.
هذا النمط الغذائي اليومي لطفل صغير تسبب في وجود قابلية المجتمع كله في الإصابة بأمراض السمنة بتكرار النمط في العديد من الأُسر، للحد الذي برزت فيه مشكلة مخاطر السمنة بين الأطفال والشباب بنسبة تفوق كبار السن.
فإذا كان هذا هو إعتياد الطفل من صغره، وإن حدثت إصابته بالسمنة صغيرًا، فإلى أي مرحلة سيصل عند البلوغ والتقدم في العمر.
الأزمة الأخرى تتمثل في رؤية العديد من الناس لعمليات التنحيف الجراحية بأنها العلاج الناجع للسمنة والحد من مخاطر السمنة على الصحة، ولا داعي للشَقِ على النفس بترك ما تشتهيه.
لكن المُحصلة بعد إجراء العملية الجراحية للتنحيف مع إستمرار العادات الغذائية السيئة دون تغيير وتبديل هي زيادة مخاطر السمنة وعودة الجسم مرة أخرى إلى ما كان عليه وزنًا وكأن شيئًا لم يكن.
ناهيك عن الأخطاء الطبية التي قد تحدث مع إجراء العملية، أو إجراءها دون التوصل للنتائج المرغوبة لعدم قابلية الجسم. وفي النهاية اُبتكرت هذه العمليات الجراحية لمن تزيد كتلة جسمهم عن الـ 30، لكن الجشع المادي للمراكز والعيادات الخاصة أباح لهم إجرائها مع أي مريض بزيادة الوزن، وإن لم يحتاجها، وهذا من أبواب الخطورة الصحية على المريض وجسمه.
ما هي الآثار النفسية للسمنة؟
أن الآثار النفسية التي تصيب مريض السمنة كثيرة ومتشعبة، ومنها على سبيل المثال:
• الخجل الإجتماعي الناتج عن كثرة الإنتقادات ونظرات السخرية أحيانًا واللوم أحيانًا من المحيطين به.
• ضعف الثقة بالنفس.
• العزلة.
• الهروب وعدم القدرة على المواجهة.
ويترتب على كل الآثار النفسية السابقة الشعور الدائم بالإحباط واليأس والعجز، خصوصًا مع فشل المحاولات في السيطرة على الوزن.
الدخول في مرحلة الأكل القهري، وهو سلوك حتمي الحدوث نتيجة للأثر السابق، وهو في حد ذاته سلوك غير قابل للسيطرة أو العلاج.
لماذا يلجأ مريض السمنة عادةً إلى تناول الطعام مع كل مشاعره الإنسانية كالفرح والحزن والضيق؟
هذا يرجع إلى العوامل النفسية التي تسوق مريض السمنة إلى تناول الطعام ليس لحاجة جسدية وهي الجوع وإنما لحاجات نفسية متباينة، ومن هذه العوامل:
• الأكل بهدف تفريغ الضغط النفسي.
• الأكل بهدف تفريغ الكبت النفسي.
• الأكل بهدف الإنتقام من الذات وعقابها.
• الأكل لنسيان الشعور بالتوتر والقلق والحزن عند إصابته بأحدهم.
وأثبتت الدراسات أن شعور التوتر يحث على اللجوء للأطعمة الدهنية الدسمة وهي من أكبر أسباب حدوث مخاطر السمنة على الصحة.
• الأكل لملئ الفراغ العاطفي والجنسي.
• الشخصيات المزاجية، فمع تقلب المزاج تتقلب الرغبة في الطعام والشراب.
ما مدى تأثير الحملات التوعوية عن مخاطر السمنة على المجتمع؟
أن مصاب السمنة لن تنفعه مثل هذه الحملات في التوعية عن مخاطر السمنة على صحة الفرد، ولا طائل معه من الحديث حول تناول الطعام أو التوقف عنه، لأنه عادةً ما يشعر أن عِقْد الأمر قد انفرط، ولن ينفعه إن توقف عنه.
الإشكالية الثانية أن المجتمع السعودي وصل في مرحلة ما من مراحل تَشَكُله إلى عدم ممارسة الرياضة نهائيًا ولا حتى المشي الخفيف، وإن قلت حدة هذا الطابع في السنوات الأخيرة، إلا أن الكثير مازال يسرد الحجج ويضع العراقيل أمام نفسه، رغم أن الأمر بسيط ولا يتطلب ممارسة الرياضة أكثر من 30 دقيقة يوميًا.
الإشكالية الثالثة زيادة نسبة الإصابة بالسمنة بين الأمهات السعوديات مقارنة بالرجال، والأم هي القدوة للأجيال التالية للتوعية بحدوث مخاطر السمنة ، فإذا اهتمت بالغذاء والرياضة وإنقاص الوزن فسيقلدها أبناءها، وحتى الزوج سيقلدها.
الإشكالية الأخيرة هي عدم تقبل الناس تغيير سلوكياتها ونمطها الغذائي بسهولة، لإرتباطهم شعوريًا بأن هذا التغيير سيتبعه بالضرورة مشكلة إما عضوية أو نفسية.
كل هذه الإشكاليات الواقعية ذات تأثير مباشر وملموس على كل برامج التوعية والتثقيف في حدوث مخاطر السمنة على اختلاف وسائل نشرها، وتؤدي فعليًا إلى عدم كفاية الوعي والثقافة الصحية بين أفراد المجتمع.
ما أكثر الفئات العمرية تأثرًا بالسمنة من النواحي النفسية والعصبية؟
أن المراهقين هم الأكثر عُرضة للإصابة بالأمراض النفسية الناجمة عن البدانة، للدرجة التي أثبتت معها الدرسات البحثية الحديثة والتي اُجريت على البدناء في عمر المراهقة، حيث توصلت نتائجها إلى أن معنويات المراهقين البدناء تتشابه مع معنويات مرضى السرطان المُعالجون بالكيماوي.
وعليه فَهُم أكثر المصابين بالإكتئاب والإحباط وضعف التحصيل الدراسي والأكاديمي، مع عدم قدرتهم على تعلم مهارات حياتية جديدة، مع إصابتهم الدائمة بشعور الحرج والخجل والإنعزال والإنطواء وتحقير النفس.
وأثبتت الدراسات أيضًا أنه حتى وإن كان المظهر الخارجي العام يوحي بالثقة بالنفس وإمتلاك حس الدعابة، إلا أن المراهقين البدناء فعليًا محطمين من الداخل، وكل ما يظهر من سلوكيات ما هو إلا غطاء للنفس المحطمة عن أعين الناس، وبخاصة عند الأنثى، فهي أكثر عُرضة للأمراض النفسية المرتبطة بالسمنة بنسبة تزيد بثلاثة أضعاف ما عند الرجال، نظرًا للإتجاه الشائع باعتبار النحافة معيار رئيسي للجمال، واعتبار السمنة عائق في الزواج والعمل.
لماذا ينتكس متبعي أنظمة الريجيم بعد التوقف عنه بفترة وجيزة؟
أن الغالبية من مُتبعي هذه الأنظمة غير جادين فعليًا، وفاقدين للحماسة ودوافع الإستمرار، وأن ما حدث لا يتعدى وقف العادات الغذائية لفترة من الزمن، والإلتزام بالعادات الجديدة في النظام الغذائي للريجيم، وبعد نزول الوزن إلى المطلوب ينتكس فاقد الوزن ويعود إلى سابق عهده بالعادات الغذائية القديمة، وتتغلب شهوة الطعام على دوافع الإستمرار في الحمية الغذائية.
كما توجد مشكلة أخرى في حدوث مخاطر السمنة وهي أخصائيين التغذية أنفسهم، وهي الصرامة في منع العديد من أنواع الأطعمة، مع عدم ترك مساحة لما تشتهيه النفس البشرية، فبعد أن يصل الراغب في الريجيم إلى المستوى الذي يريده تتولد عنده رغبة إنتقامية في تناول كل ما كان ممنوعًا عليه كنوع من التعويض لما فاته.
ولإستمرارية النتائج يجب على الأخصائي ترك مساحة لما تشتهيه النفس وقت تنفيذ البرنامج، مع خلق فرص تعويضية للتخلص من تأثير الأغذية المتناولة على راغب التخسيس. ثم بعد إنتهاء البرنامج عدم ترك مريضه تائهًا وسط مشاعر الإنتقام والرغبة، والعمل معه على تثبيت وزنه بوضع نظام غذائي مُكَمِل ومتابعة تنفيذه.
كيف نعزز ثقة الأطفال البدناء في أنفسهم؟
أشارت “د. مريم” إلى وجود العديد من البرامج المرحلية والتعليمية المفيدة في التعريف بأهمية الغذاء ونظم التغذية السليمة، مع ضرورة مليء الفراغ النفسي عند الطفل، مع عدم معايرته ببدانته، إلى جانب منع المكافآت الخاصة بالغذاء عند الثواب والعقاب للطفل.