ليلة القدر ليلة من العشر ليالي الأخيرة من شهر رمضان المبارك، تأتي في الثلث الأخير منه إذ شرف على الانتهاء وتذهب معه الأيام الطيبة المباركة، وتذهب البركة والخير الوفير. ولكن لا يمضي رمضان هكذا إلا ومعه جائزة ومنحة وهبة يهبنا الله سبحانه وتعالى إياها قبل أن تنقضي أيام الشهر الكريم. فإذا أصبنا هذه الليلة وأدركنا فضلها وقمنا بما علينا فيها، فهذه هي البشارة والخير الكبير والجزاء العظيم، وإن لم ندركها وتغافلنا عنها وتكاسلنا، فقد حُرمنا الخير الكثير والفضل والمنة من الله سبحانه وتعالى.
ليلة القدر
يقول ربنا تقدس اسمه في كتابه الكريم في سورة القدر: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} صدق الله العظيم. فهي ليلة أن نزل القرآن الكريم والذكر الحكيم والقول المبين من رب العالمين على سيدنا ومولانا محمد صلوات الله وتسليماته عليه.
وهذه الليلة هي ليلة القدر ليلة القرآن، ليلة مباركة تُنزّل فيها الرحمة إلى الأرض ويعمها السكينة. فهي ليلة نزول الوحي لأول مرة على نبينا محمد. ويقول ربنا جل وعلا { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}، فهو سبحانه الذي يعلم فضلها والكرم الكثير وهو الذي يعلم ما يمنح عباده به فيها فيضاعف الله الأجر والثواب في هذه الليلة بما لا يعلم مقداره إلا هو تبارك وتعالى. ثم يقول سبحانه وتعالى أن ليلة القدر خير من ألف شهر، فهي ليلة تساوي العبادة فيها عبادة ألف شهر أو يزيد.
فمن قام بعبادة أو خير أو عمل صالح في هذه الليلة فكأنما قام بهذا العمل الصالح لمدة ألف شهر متواصلة ويزيد. ثم يقول لنا سبحانه أن تتنزل الملائكة في هذه الليلة معهم الروح الأمين جبريل أمين الوحي، وذلك من كثرة الرحمة التي يغشينا الله بها أن تُنزّل المائكة ومعهم الروح الأمين إلى الأرض ليؤمنون على دعوات المسلمين وليكتبوا عندهم من كان قائمًا متعبدًا ذاكرًا لله متضرعًا.
ويستمر الفضل في هذه الليلة بأن تتسم بالسلام والطمأنينة والهدوء والسكينة والراحة النفسية إلى مطلع الفجر أو الصبح فتصعد الملائكة إلى السماء وقد دونت لديها من فاز. وقد فاز من فاز وقد حُرم من حرم.
وكما قال صلوات الله وسلامه عليه، أن من حُرم ثواب ليلة القدر فقد حُرم. فهي أفضل ليلة على الإطلاق ينزل فيها رحماته ويقبل من عباده ويستجيب لهم ويغفر ذنوبهم ويعتق رقابهم من النار. كما أن لله في كل ليلة من رمضان عتقاء من النار، أما ليلة القدر فيضاعف الله أعداد من يعتقهم من النار تكرمًا وتفضلًا منه سبحانه.
من أدعية ليلة القدر
- اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
- اللهم اجعلنا في هذه الليلة ممن نظرت إليهم بعين رحمتك وممكن سمعت نداءهم فأجبتهم.
- اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد كما هديتنا للإسلام وكفى بها نعمة، ولك الحمد أن علمتنا الحكمة والقرآن، اللهم اجعلنا للقرآن من التالين، ولك به من العاملين، وبالقسط قائمين، وعن النار مزحزحين، وبالجناب منعمين، وإلى وجهك ناظرين.
- اللهم إنا نسألك حبك، وحبّ من يحبك، وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك، وأن تصلح ذات بيننا، وأن تؤلف بين قلوبنا، وانصرنا اللهم على أعدائنا، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك اللهم لنا في أسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبدًا ما أحييتنا، وبارك اللهم لنا في أزواجنا وذرياتنا ما أبقيتنا،واجعلنا شاكرين لنعمك برحمتك يا أرحم الراحمين.
- اللهم إنا نسألك باسمك الأعظم، الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، ونسألك اللهم بأسمائك الحسني كلها ما علمنا منها وما لم نعلم، أن تقضي حوائجنا، وأن تفرج كروبنا، وأن تغفر ذنوبنا، وأن تستر عيوبنا، وأن تتوب علينا، وأن تعافينا وتعفو عنا، وتصلح أهلينا وذرياتنا، وتحفظنا بعين رعايتك، وتحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وترحمنا برحمتك الواسعة، رحمة تغنينا بها عمن سواك.
- اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، وشفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم، اللهم اسقنا من يده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا يارب العالمين.
تفضل الله علينا بليلة القدر وعوضنا سبحانه وتعالى عن قصر أعمارنا وضعفنا وتقصيرنا في عبادتنا بليلة القدر. ليلة تعوضنا عبادة ألف شهر فيما يزيد على الثمانين عامًا بليلة واحدة، وما أفضل من أن يدركها المسلم مرات عديدة فكأنما عبد الله مئات السنوات بعمره القصير.
- قيام ليلة القدر مع الدعوات الطيبة
- الدعاء في ليلة القدر مستجاب
- هل يوجد دعاء مخصص ليلة القدر
- ليلة القدر خير من ألف شهر .. كيف؟
نسأل الله أن يعيننا على طاعته وعلى إحياء ليلة القدر، ونسأله سبحانه أن ييسر لنا عبادته في هذه الليلة المباركة وأن ندركها وندرك فضله وكرمه. وأن يجعلنا الله من المقبولين في شهر رمضان وممكن تضاعف له الأجر في ليلة القدر.