إن العلاقات بالنسبة لمعظم الناس تُعد شيئاً اعتيادياً، فهي تحصل بشكل طبيعي كعملية التنفس، لكنها بالنسبة للبعض الآخر تشبه التحدي أو أكثر من ذلك بكثير لتصل إلى ما يُسمى بفوبيا الارتباط أو القلق والخوف من العلاقات، فكيف تصبح العلاقات فوبيا تلاحق الشخص ويعجز أحياناً كثيرة عن السيطرة عليها؟ وكيف يمكنه التغلب عليها؟ وهل فعلياً لها أسباب معروفة؟
ما هي فوبيا الارتباط وما هي عوارضها وهل تختلف بين النساء والرجال؟
ذكر الدكتور أنس العويني ” أخصائي الأمراض النفسية والجنسية ” أن فوبيا الارتباط هي مثل كل أمراض الرهاب التي تصيب الإنسان، وتتميز بخوف شديد ومرتفع وحاد، هذا الخوف يتكرر في كل الحالات ويستمر مع الشخص في حياته وكل علاقاته خاصةً في الارتباط العاطفي والجسدي، ومن الممكن أن تتعمم هذه الفوبيا لتشمل العلاقات الاجتماعية في أن يكون الشخص قريب وكثير الاختلاط بأشخاص بعينهم، وكذلك يمكن أن تشمل هذه الفوبيا العائلة.
يُعد هذا المرض خطير بدرجة كبيرة لأنه يصيب الشخص ويهدد الاستقرار النفسي لديه والعلاقات الاجتماعية له، لأن العوامل والعلاقات الاجتماعية والحب هي من ركائز المتعة والراحة النفسية عند الإنسان، كما أنها تُعد من الدوافع الأساسية للعيش في هذه الحياة.
يرى البعض أن الزواج أو الارتباط هو أمر مهم جداً للعيش به لتأسيس عائلة وعلاقات اجتماعية طويلة الأمد لأن الإنسان حتماً يستوجب عليه البحث عن شريك لحياته حتى يمكنه العيش في هذه الحياة سعيداً، بينما يرى البعض الآخر أن الارتباط في علاقة ما خاصةً العلاقات العاطفية يمكن أن يؤدي بنا في نهاية المطاف إلى خسارة مادية ونفسية كبيرة نتيجة الفشل في إقامة هذه العلاقة سوية ، لذلك يجب أن يكون هناك استعداد كامل لخوض هذه العلاقة خاصةً علاقة الزواج التي تُعد شيء فطري تستمر به البشرية على طول الزمان.
ما هي الأسباب النفسية والاجتماعية وراء الخوف من الارتباط؟
يُعد الخوف العادي من العلاقات والتردد من أجل التكاليف العالية والمسئولية وكذلك الخوف من ألم فراق ومن ألم الفراق من الأسباب الموجودة عند الكثير من الناس بدرجات متفاوتة.
على الجانب الآخر، تعتبر فوبيا الارتباط وفوبيا العلاقات والزواج أو فوبيا الحب هي فوبيا شديدة تعود إلى:
- أسباب طفولية.
- تجارب قاسية مر بها الطفل كالاغتصاب والتحرش في الطفولة، وهو ما يتسبب له في فوبيا شديدة ورهيبة تجعل منه شخص يهرب طوال الوقت من إقامة العلاقات مع أي شخص آخر ويصاحبه بها آلام في البطن، وبعض الاضطرابات مثل:
- دقات القلب المتسارعة.
- صعوبة التنفس.
- آلام في البطن.
ومن ثم فإن الشخص يرى كل هذه العيوب في شريكه، ومن ثم يترك هذه العلاقة ويقرر ألا يدخل في أي علاقات عقلانية تؤدي في نهاية الأمر إلى الحب، لذلك فإن الشخص أو المضطرب نفسياً من رهاب العلاقات يبرر لنفسه أنه غير قادر على الحب نتيجة إلى صدمات عاشها الطفل من قبل بنفسه أو رآها أمام عينه أو تخيلها في مخيلته، وهذا كله يؤثر سلباً على حياتنا وعلى حياة الشخص المريض، لذلك فإننا نحفز الأشخاص الذين يعانون من فوبيا الحب بأن هذا المرض يمكن علاجه وأن الحياة بدون حب هي حياة عقيمة في الأساس وليس فيها كثير من المتعة، وبطول الأمد والمدة قد يتعرض الشخص إلى الاكتئاب أو العزلة عن الأشخاص المحيطين به.
مضيفاً: هناك بعض الأشخاص الذين لا يعانون من كل هذه الأسباب سالفة الذكر التي تؤدي بهم في نهاية الأمر إلى ما يُسمى برهاب الزواج، وإنما يود هؤلاء الأشخاص فقط أن يكونوا أحراراً ولا يرتبطون بشخص معين في علاقاتهم الاقتصادية والجنسية والعاطفية، وهذا الأمر لا يُعد فوبيا لأنهم حين يبلغون الأربعين عاماً أو أكثر من ذلك قد يقررون الارتباط أو الزواج.
هل المصاحبة تُغني عن الارتباط والزواج وبناء العائلة؟
قد تعوض المصاحبة صاحبها عن الارتباط والزواج والكثير من المتعة والكثير مما يأتينا به الزواج من متعة عاطفية ومغامرات وحياة جنسية مثيرة، وربما هذه الحياة التي تعتمد على المصاحبة فحسب تكون أفضل لأنها لا تعتمد على الالتزامات الكثيرة والمشتركة بين الرجل والمرأة، وربما لا يكون هنالك اختلاط كبير بينهما، ومن ثم يمكن أن يكون هنالك دافع شوق كثير وهائل بين الرجل والمرأة، لكن هذا بطبيعة الحال لا يغنينا عن الزواج والاستقرار النفسي والعاطفي الذي فيه وجود الأبناء ومشروعية تحمُّل المسئولية والمتعة الكبيرة التي يتلقاها نتيجة العلاقة العاطفية أو الزوجية الناجحة ويفرح الإنسان بأبنائه يكبرون أمام عينه، ويكون ذلك دافع للارتباط وثبوت العلاقة بين الرجل والمرأة، ولا ننسى كذلك أن الصحبة مهددة بالفراق خاصةً من دون الأبناء وفيها الكثير من المشاكل، لذلك على الإنسان أن يكون شجاعاً بدرجة أكبر ويدخل في حياة زوجية مستقرة بسهولة، ثم بإمكانه أن يحتفظ بعلاقة الصحبة حتى مع زوجته حتى وإن كان معه أبناء.
ما هي طرق علاج رهاب الزواج؟
عند الحديث عن فوبيا الارتباط والرهاب الشديد منه والمصاحب للكثير من الأعراض النفسية الشديدة كشدة القلق وغيرها، بجانب الأعراض الجسدية التي تظهر عند بداية العلاقة، وتقدم الإنسان وتأثير ذلك على حياته، فنحن أمام اضطراب نفسي ونوع من الرهاب الاجتماعي، لذلك يجب على الشخص في هذه الحالة زيارة المعالج النفسي أو الأخصائي النفسي للشروع في العلاج.
أما عن طرق علاج هذا المرض فيتم عبر العلاج السلوكي المعرفي وهو علاج معروف وناجح جداً في كل أمراض الرهاب، حيث يبدأ الطبيب في معالجة وتصحيح المفاهيم الخاطئة عند المريض، ثم يبدأ تدريجياً بتحفيزه على الارتباط بطريقة غير مباشرة بواسطة:
- قراءة المريض لروايات الحب.
- مشاهدة الأفلام الرومانسية شيئاً فشيئاً.
- إقامة علاقات واقعية مع الغير كعلاقة الصداقة والتي تنتهي في نهاية الأمر إلى الزواج أو الحب دون التعرض للاضطراب أو لأي مشكلة نفسية أخرى.