“ثقافة الحب” عنوان ملفت بالنسبة لي بشكل كبير، وحين بحثت عن مضمون العنوان لاحظت أن معظم الأحاديث في هذا الصدد تخلط بين ثقافة الحب والثقافة الجنسية، وعلى الرغم من الصلة القوية بين الحب والجنس إلا أانهما في النهاية يعبران عن مفهومين مختلفين ورغبات متغايرة في معظم الأوقات، وهنا سوف نتحدث عن الحب وعن ثقافة الحب ومفهومها ومظاهرها وأثر الوعي الكافي والثقافة السوية على علاقات الحب وكيف يمكنه أن يغير مسار العلاقة نحو الاتجاه الإيجابي، وذلك من وجهة نظر شخصية صرفة.
الوعي بمشاعر الحب ومنطقتها… لا ينفي قوتها وصدقها
على عكس ما يعتقده الكثير من الناس أن الحب هو حدث عاطفي مجرد عن المنطق والعقل والوعي، فإن الوقوع في الحب قد يحدث بلا تخطيط ،وقد يأتي بغتة لكن الحفاظ على علاقة الحب، والوصول بها الى بر الأمان يحتاج إلى وعي وثقافة وذكاء، فضلا عن النظر اليها ابتداء من ثم السماح للحب أن يستمر أو اتخاذ قرار حاسم بانتهاء الموضوع وهو في المهد.
حين نشعر بالانجذاب إلى شخص ما يجب أن ننتبه لمسار تلك المشاعر ونعرف ما إذا كانت موجهة للشخص المناسب أم لا؟ وعلى فرض أن هذا الشخص مناسب من حيث ظروف الحياة والأحوال المتعلقة بالسمات الخارجية والمستوى العلمي والتقارب الفكري وغيره، فيأتي السؤال الثاني، هو هل هذا الشخص قادر على الوفاء باحتياجاتنا نحن تحديدا من هذا الحب أم لا؟
هكذا يكون الوعي بالحب ومنطقته والتعرف على كل ما يمكن أن يترتب عليه من توابع نفسية وحياتية حاسمة.
الوعي باحتياجاتنا واحتياجات الطرف الآخر من الحب
مهم جدا في نجاح علاقات الحب أن يستطيع كل من طرفي العلاقة إدراك رغبات الطرف الآخر والتعبير عن رغباته واحتياجاته من العلاقة بشكل واضح وصريح، وخاصة الاحتياجات الأساسية من العلاقة، والتي تختلف من شخص لآخر، فالبعض يبحث عن الأمان والبعض يبحث عن الاكتفاء المادي، والبعض الآخر يبحث عن الاكتفاء العاطفي والبعض يبحث عن الاكتفاء الجسدي، وهكذا…
ومن ثم فإن الحد الأدنى من التوافق يقتضي أن يتعرف كل طرف على احتياجات الطرف الآخر ويعلم أنه لديه القدرة على الوفاء بهذا الاحتياج بصفة خاصة والاحتياجات الأخرى بشكل عام.
الخطأ المشترك في معظم علاقات الحب
الخطأ المشترك في معظم العلاقات العاطفية هو أن كل من الطرفين يتوقع من الآخر أن يعرف احتياجاته ويفهمها من تلقاء نفسه، ثم يلبيها على الصورة التي ترضي الطرف الآخر، وهذا درب من العبث لأن الحب مهما قوي فهو عاطفة وليست علما للغيب ولا تنجيم، فرغبات كل طرف مختفية خلف جدران عقله وقلبه وتحتاج إلى توضيح أو تصريح للإفصاح عنها.
ومن الأخطاء أيضا رفع سقف المتطلبات بما يتجاوز قدرات الطرف الآخر ويتعدى حدود امكانياته، ومطالبة الطرف الأخر بتعويضنا عن حرمان قديم أو تحمل تبعاته بلا مبرر.
الحب والجنس
الجنس غريزة بهيمية يمكن أن تحركها مثيرات عامة لا علاقة لها بالحب، كرؤية مشهد مثير أو سماع كلمات مثيرة مثلا أو غيره، ولكن يظل ارتباط الحب بالجنس هو نقطة الارتقاء به والخروج به عن دائرة الغريزة المجردة إلى الغريزة الموجهة الراقية..
العلاقات الحميمية الناجحة تعزز الحب وتقويه وترتقي به إلى مراحل متطورة مرضية جدا.
وهنا ننوه إلى أن العلاقية الحميمية مظهر من مظاهر الحب وليست كل مظاهر الحب، وهي انعكاس للتوافق في الاحتياجات العافية الجسدية، غير انها ليست علامة على التوافق العقلي والفكري.
الوعي بالمشاعر ومسارتها وادراك طباع الطرف الأخر واحتياجاته هي النقطة المركزية التي تدور في فلكها فكرة نجاح العلاقات.
الانجذاب والتعبير والتفاهم .. ثلاثي العلاقات الناجحة
الانجذاب هو الخطوة الأولى في الحب، وحتى يصل الانجذاب ويؤثر في الطرف الأخر يحتاج إلى قدرة كبيرة على التعبير بصدق ووضوح وذكاء، فالتعبير عن الحب بداية لجذب انتباه الطرف الآخر للحب، ويلي تلك الخطوة القدرة على التفاهم واكتشاف الأخر ثم تقبله بالكلية أو رفضه بالكلية.
ومضة
الثقافة في الحب يمكن أن نكتسبها من الكتب والمشاهدة ولكن لا شيء يجعلها أسرع استيعابا من التجارب، فهزائم الحب هي ما يجعلنا مثقفين وأذكياء رغم انوفنا، وامتحاناته هي ما تدفعنا لمذاكرة دروسه واتقانها!!