سمعنا مؤخراً عن السرية المصرفية وكان مطلباً رئيسياً للثوار اللبنانيين في هذه الآونة وهو مصطلح يعني عدم تمكين أي من الجهات السيادية سواء الأمن أو الجيش أو القضاء أو غيرها كالمصارف من الجهات بالكشف عن الحسابات المصرفية لبعض العملاء.
ماذا تعني السرية المصرفية؟
تعتبر السرية المصرفية مفهوم اقتصادي نقدي مصرفي نشأ في سويسرا أم السرية المصرفية حول العالم عام 1934 تبعها مجموعة من الدول من بينها لبنان التي كانت من أوائل تلك الدول التي اعتمدت نظام السرية المصرفية عام 1956، وهناك العديد من الدول حول العالم التي تتبع نظام السرية المصرفية أبرزها هي النمسا ولكسمبورج وجمهورية الدومنيكا وجزر شرق آسيا مثل هونج كونج وسنغافورة.
يكمن معنى السرية المصرفية في أنه ليس لأي أحد الحق في الاطلاع على اسم أو تعاملات وحسابات زبون المصرف سواء كانت هذه الجهة سياسية أو إدارية أو قضائية وعسكرية كما أن المصارف التي تفشي حسابات زبائنها تتعرض للمسائلة القانونية والجزائية، وعلى الرغم من أن هذا النظام يعتبر نظام معقد إلا أنه بدأ في الازدياد بشكل متسارع.
لماذا يرتبط مفهوم السرية المصرفية بحالات الفساد وغسيل الأموال؟
عندما بدأت السرية المصرفية في الثلاثينات في القرن الماضي وفي الخمسينات في بعض الدول كانت عمليات تبييض الأموال تتمثل في التجارة الغير مشروعة في السلاح والمخدرات والبشر وغيرها وبالتالي فإن الأشخاص الذين يتاجرون بطرق غير مشروعة يستفيدون من السرية المصرفية بوضع هذه الأموال في هذه المصارف لكي يتهربوا من الملاحقة القانونية في دولهم ومن ثم فإن هذه الدول ترى في السرية المصرفية ملاذاً آمنا لمثل هذه العلميات الناتجة عن الكسب غير المشروع والسرقة وعمليات غسيل الأموال.
على الرغم من ذلك، هناك العديد من الإيجابيات للسرية المصرفية على عكس هذه السلبيات السابق ذكرها ولعل دولة لبنان من هذه الدول التي استفادت من السرية المصرفية حيث بلغت الأموال التي وُضعت في نطاق السرية المصرفية في لبنان حوالي 172 مليار دولار وهي ما تمثل أكثر 3 مرات من الناتج المحلي وهذا ساهم كثيراً في عملية إقراض البنوك أو المصارف للعائلات والأسر والقطاع العام والخاص على الرغم من وجود بعض السلبيات لهذا النظام المصرفي – بناءً على ما ذكره الصحفي الاقتصادي الأستاذ خالد أبو شقرا.
هل تبرر جريمة تبييض الأموال جريمة رفع السرية المصرفية؟
أضاف ” أبو شقرا “: هناك اتجاه عالمي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أساسي لرفع السرية المصرفية عن بعض المسئولين كما أننا هنا في لبنان لدينا مطالب بهذا الأمر على نطاق واسع لاعتبارهم أن هؤلاء المسئولين متهمون بتبييض الأموال أو تمويل الإرهاب أو ما شابه.
يجدر الإشارة كذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية قد عقدت بعض الاتفاقيات مع أوروبا تسهل لها الاطلاع على حسابات بعض المسئولين والأشخاص الهاربة من أميركا إلى أوروبا بدعوى أن مثل هؤلاء الأشخاص يمولون الإرهاب أو أنهم يمارسون جرائم أخرى مثل الإتجار بالمخدرات أو الفساد وغسيل الأموال.
ما مدى فعالية رفع بعض الوزراء السرية المصرفية عن حساباتهم؟
إنها أمور واهية أو فلكلورية نوعاً ما لأن في لبنان يوجد قانون يمكنه فك السرية المصرفية في حالات أربعة هي إفلاس العميل أو نشوب خلاف بين العميل والمصرف أو في حالات توقيع خطي من العميل بكشف حسابه أو في حالات تبييض الأموال والإطراء الغير مشروع.
لقد وصفنا مسألة رفع السياسيون والوزراء اللبنانيون عن حساباتهم المصرفية بمثابة أمور واهية وفلكلورية لأن من يُتهمون بالفساد من هؤلاء الأشخاص قد احترفوا الفساد وتهريب الأموال خارج لبنان عبر سنوات طوال وبالتالي فهم لا يملكون أموالاً نقدية في المصارف وإنما يوظفونها في العقارات أو في أسهم وسندات وعند أقاربهم وبأسماء مستعارة وهذا ما أبرزته سويسرا من قبل حين كشفت عن حجم الأموال الموجودة في مصارفها لتأتي لبنان في المرتبة 12 بقيمة 5.3 مليار دولار لأشخاص لبنانيون موجودون في سويسرا وأصغر حساب فيها بقيمة 223 مليون دولار.