ما هي مسببات مرض الصرع؟ وهل يعتبر مرض وراثي؟
قال “د. عبد الرحمن الطحان” استشاري أمراض المخ والأعصاب. الصرع في حد ذاته لا يمكن أن يُوصف بلفظ مرض، فهو عَرَض وليس مرض، وأقرب الأمثلة للصرع هو الصداع، فكما أن الصداع له عشرات الأسباب والمسببات، لكنه في النهاية عَرَض للإصابة بواحد من هذه الأسباب، نفس الشيء للصرع فله العديد من الأسباب وهو في النهاية عَرَض للإصابة بأحد هذه الأسباب.
ومعظم أسباب الصرع هي أسباب خفيفة من الناحية الطبية، والأسباب الكبيرة للصرع نادرة الحدوث جدًا ولا تتعدى نسبتها الواحد في الألف، مثل أن يكون الصرع ناتج عن الإصابة بورم خبيث في الدماغ.
وتعتبر الوراثة أحد أسباب الإصابة بالصرع، وإن كانت تُشكل نسبة ضئيلة جدًا من الإصابة به. وهذه من المفاهيم المغلوطة المنتشرة بالمجتمع، فلا يجب أبدًا النظر للصرع على أنه مرض وراثي جيني، وكذلك أيضًا الأمراض الوراثية المُسببة للصرع قليلة جدًا.
والصرع في مجمله عَرَض لمشكلة عصبية في الدماغ، قد تنتج هذه المشكلة عن ضربة شديدة للدماغ في الصغر مثلًا، وتُصيب هذه المشكلة العصبية بؤرة معينة في الدماغ، مما يؤدي إلى زيادة نشاطها عن الحدود العادية، ومن ثَم تُعطي هذه الشُحنة الكهربائية اللحظية التي تظهر على الجسم فيُصاب المريض بنوبة الصرع المعروفة.
وقد تحدث نوبة الصرع نتيجة لإستعداد الدماغ لزيادة الشحنة الكهربائية المرسلة لأعضاء الجسم، هذا الإستعداد العصبي قد يكون بسبب عدم النوم ليومين أو ثلاثة، فيصبح الدماغ والجسم مهيئين لإستقبال نوبة صرع وتشنج.
كذلك حالات نقص الأكسجين عند الجنين أثناء عملية الولادة من العوامل التي قد تسبب الإصابة بالصرع خلال مراحل عمرية أكبر، نظرًا لإصابة الطفل بما يُعرف بالإعتلال الدماغي المستديم.
مما سبق يتضح أن الصرع عبارة عن إضطراب للشحنات الكهربائية بالدماغ، مما يؤدي إلى ظهورها بشكل مفاجيء على أعضاء الجسم، وإدخالها في حالات التشنج اللحظية التي تحدث للمريض، والتي تؤثر بالضرورة على الحركة والسمع والنظر، وقد تتطور وتسبب فقد كامل للوعي وقد لا. والتدخل العلاجي لنوبات الصرع لا يتم إلا مع تكرار النوبات بشكل مزعج للمريض.
هل ينقسم الصرع إلى درجات من حيث الشدة؟
كأي نوع من المشكلات الطبية، يمكن تقسيم نوبات التشنج إلى درجات من حيث الشدة، فمنها الخفيف جدًا إلى الشديد جدًا، ولا يمكن أن نغفل أن البرامج العلاجية الدوائية لمرضى التشنجات المتكررة مهما كانت شدتها تعطي نتائج شفاء تفوق الـ 70%.
هل يمكن لمريض الصرع التحكم هذه النوبات التشنجية؟
أوضح “د. الطحان” بكل أسف لا يستطيع مريض الصرع التحكم في النوبات التشنجية، فهي تُباغته في أي مكان وفي أي وقت، وسيسقط فور بدايتها دون أن يشعر أو يحاول تفاديها، لأنه يفقد السيطرة على نفسه تمامًا، ولهذا فإنه مُعرض للأذى دائمًا فإن لم يكن بسبب النوبة فمن الممكن أن يكون بسبب السقوط، والأخطر إذا تعرض للنوبة أثناء القيادة حيث يأذي نفسه وقد يأذي غيره كذلك، ولم تتطور تقنية طبية حتى الآن تساعد في ضبط النوبات التشنجية.
ما أبرز أنواع الصرع؟
تابع “د. الطحان” في العموم يوجد نوعين من الصرع، هما:
• الصرع الجزئي أو البؤري: وقد يحدث معه شعور المريض قبل نوبة التشنج ببعض الأعراض، مثل خلل وظائف الجسم بطريقة لا يفهمها، أو • إضطراب في الذاكرة، أو تلعثم وتخبط في النطق والكلام، أو توقف أطرافه عن الحركة تمامًا،
وذلك لأن الشحنة الكهربائية الزائدة تبدأ في الحدوث في المناطق المسئولة عن الحركة في الدماغ. وهذه الإشارات تحدث قبل ثواني معدودة من بدء نوبة التشنج.
والمرضى بهذا النوع من الصرع يمكن أن يكون عندهم بعض القابلية لتأمين أنفسهم من السقوط المفاجيء بالنوم على الأرض، أو إيقاف السيارة في حالة القيادة، فور ظهور هذه الإشارات.
الصرع الفوري الكامل: وهذا النوع من الصرع ليس له أي إشارات أو علامات دالة على بدء نوبات التشنج، بل تحدث فجأة وبشكل فوري وسريع وبدون مقدمات. وهذا النوع من الصرع هو أكثر النوعين إنتشارًا بين المرضى.
كيف يُشخص الصرع؟
كما أكدنا لا يمكن إعتبار النوبات التشنجية الناتجة عن إضطراب الشحنات الكهربائية بالدماغ مرض يحتاج إلى علاج إلا عند تكرارها بشكل ملحوظ، فلا يبدأ العلاج بعد أول مرة مباشرة، وهذا لا يمنع تقييم الحالة الصحية للمريض للوقوف على أسباب نوبة التشنج، ويتم ذلك من خلال
أنواع عديدة من الفحوصات مثل:
• فحص صورة الدماغ، للتأكد من وجود أو عدم وجود مشكلة في الدماغ.
• فحص MRI (تخطيط الدماغ)، وهو فحص يكشف عن أي بؤرة دماغية تحتاج إلى علاج.
تخطيط الدماغ الكهربائي: حيث يوضح أي نشاط غير عادي للشحنات الكهربائية في الدماغ.
ومن خلال الفحوصات السابقة يتم استكشاف وتبيان السبب الرئيسي للإصابة بالنوبات التشنجية، وفي حالة عدم ظهور سبب كافي بالفحص فتكون الإحتمالية الأكبر عدم تكرار النوبات مرة أخرى، ويُنصح المريض بمجموعة من الإرشادات الصحية لتفادي تكرار التشنج والتي أهمها الحصول على قدر كافي من النوم، لأن نقص النوم من أبرز الأمور التي تجعل الدماغ على إستعداد للدخول في حالات الصرع.
كيف يتعامل المحيطون مع مريض الصرع؟
أردف “د. الطحان” التعامل مع مريض الصرع وقت النوبة التشنجية يشوبه الكثير من المفاهيم المغلوطة والخاطئة عند العامة، وأفضل طرق التعامل وقت نوبة الصرع هو ترك المريض حتى تنتهي التشنجات تمامًا، وينحصر دور المحيطين به في حمايته من التسبب في أذى لنفسه دون أن يشعر خصوصًا إذا حاوطته آلات حادة أو مصادر لهب فيُبعد عنها وتُبعد عنه، وكذلك التعديل من وضعه بحيث يكون على جانبه الأيمن لتسهيل خروج الإفرازات من فمه حتى لا تتسبب في إختناقه. وفيما عدا ذاك يُترك حتى تنتهي التشنجات تمامًا.
ومن جانب آخر عند إنتهاء النوبة تمامًا، إما أن يستغرق المريض في نوم عميق، ويفضل تركه حتى يستيقظ بنفسه وعدم إزعاجه، وقد ينهض المريض بعد التشنج ولكن دون أن يكون في كامل وعيه لتأثير الشحنة على كل وظائف الدماغ، ومع هؤلاء يفضل مراقبتهم من بعيد حتى يستعيدوا توازنهم ووعيهم.
أما إفتعال حركات للسيطرة على المريض بالقوة لن تجدي نفعًا، وقد تتسبب في ردة فعل أقوى وأكثر إزعاجًا للمريض وللمحيطين به.
كيف يُعالج الصرع؟
بعد تشخيص المرض يأخذ المريض مجموعة من الأدوية المضادة لإنتشار الشحنات الكهربائية في الدماغ، وتختلف هذه الأدوية بإختلاف الحالة الصحية الكاملة للمريض، وكذلك بإختلاف جنس المريض، حيث توجد أدوية مناسبة للذكور أكثر من النساء، والعكس.
وفي جزء من المرضى الذين يعانون من نوبات الصرع الشديدة جدًا قد يكون التدخل الجراحي هو الحل الأمثل للعلاج، من خلال مراكز متخصصة في هذا النوع من العمليات الجراحية لمرضى الصرع.
هل تؤثر أدوية الصرع على الحمل والمرأة الحامل؟
من المعرف أن علاج الصرع يكون طويل المدى، ويأخذ فترات طويلة من عمر الإنسان، لذا فإن المصابات بالصرع فور حملهن يبدأن بالمتابعة مع الطبيب المعالج وإبلاغه بالتأكد من حدوث الحمل، ليصف الأدوية ذات التأثير المحدود جدًا أو المعدوم على الجنين، فمن المعلوم أن أي دواء كيميائي به نسبة خطورة على الحامل أثناء فترة الحمل بل والرضاعة كذلك، لكن بالنسبة لأدوية الصرع توجد مجموعة من الأدوية خطورتها قليلة جدًا ونادرة على الحمل، فحتى وإن كانت المرأة تعالج بصنف دوائي معين، عند حدوث الحمل يتم تغييره فورًا وتبديله بدواء آخر ذو تأثير أقل على صحة الحمل والجنين والحامل.
لكن إيقاف علاج الصرع لا يمكن حدوثه أو اللجوء إليه لما يشكله من خطورة كبيرة جدًا على الحامل وبالتبعية على جنينها.