“تشير دراسات منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر الفئات العمرية عُرضة للإكتئاب هي من عمر الـ 18 إلى 23 عام، لذا وجب مراقبة الشباب في هذه الفئة العمرية لعدم الوصول إلى مراحل متدهورة من الإكتئاب”. ولمعرفة المزيد عن الإكتئاب يُجيبنا الدكتور “تامر المصري” استشاري الطب النفسي والإدمان.
ما هي العوامل المؤثر في إصابة هذه الفئة العمرية الصغيرة (من 18 إلى 23 عام) بالإكتئاب؟
قبل توضيح العوامل المؤثرة نود الإشارة إلى أن الدرسات الحديثة لمنظمة الصحة العالمية أثبتت أيضًا أنه بحلول عام 2020م سيصبح الإكتئاب هو القاتل الثاني للبشر بعد حوادث السير.
وأكد “د. تامر” على تعدد الأسباب التي تُدخل أصحاب الفئة العمرية من 18 إلى 23 عام في الإكتئاب، وذكر بعضها في الآتي:
• قد يُصاب الفرد بالإكتئاب دون سبب ظاهر أو عوامل خارجية واضحة، وهو ما يُعزز فرص إصابة الشباب في هذا العمر بالمرض.
• العوامل الوراثية تلعب دورًا مهمًا في الإصابة بالإكتئاب.
• العوامل الحياتية والعوامل الإجتماعية، ونظرًا للتغيرات الهرمونية والفسيولوجية الحاصلة عند هذه الفئة العمرية الصغيرة تجعلهم أكثر تأثُرًا بالظروف الإجتماعية المحيطة.
• النقلة النوعية في الحياة من طالب مدرسي إلى طالب جامعي وما قد يتبعها من الإغتراب عن منزل الأسرة للمنزل الجامعي قد يتسبب كل هذا في الضغط العصبي على الشاب والفتاة ومن ثَم دخوله في الإكتئاب المرضي.
• تمثل مرحلة المراهقة بداية التحول في الإعتماد على النفس ومواجهة مشاكل الحياة وهو ما لا يستطيعه كل إنسان وبالتالي قد يُصاب بالإكتئاب.
وبناءًا على ما سبق يظهر لنا أن كل هذه القفزات الحياتية قد تؤدي إلى عدم التأقلم مع النمط الحياتي والسلوكي الجديد، وعدم التأقلم يُدخل الإنسان في صراع ذاتي مع النفس، وهو ما يلج بالشخص إلى عدم السعادة وبالتالي تزيد فرص الإصابة بالإكتئاب والعزلة.
ونبه “د. تامر” على ضرورة إلتزام الأهل بمراقبة سلوكيات أبنائهم خلال هذه الفترة العمرية الحرجة لمساعدتهم وإحتوائهم قبل أن تتطور السلوكيات إلى إكتئاب مزمن وعزلة كاملة يتعطل معها الابن أو الابنة عن الحياة بالكُلية، وتُضمَر مع هذه العزلة كل أحلامه وطموحاته وأهدافه.
وأُولى المؤشرات على مرور المراهق بمرحلة سلوكية حرجة هو عصبية المراهق الزائدة والتعكر المستمر لمزاجه وسهولة إستثارة مشاعره العدوانية، فهي أدلة على نفسية المراهق السيئة ودخوله في مقدمات الإكتئاب وليس قلة تربية وسوء أدب كما يحلو للآباء تصنيفها ووصفها. والحوار مع الشاب أو الفتاة عند هذه النقطة هو بداية طريق العلاج، وإهمال الحوار الأُسري سيؤدي حتمًا بالمراهق إلى تفاقم الحالة النفسية وتدهورها.
وأضاف “د. تامر” قائلًا: ومن المؤشرات السلوكية الأخرى ما يلي:
• التغير المفاجيء في سلوك المراهق الإجتماعي، كأن يضيق بالتجمعات ويميل إلى العزلة فجأةً بعد أن كان يرغبها.
• إهمال المظهر والذات والهوايات بعد أن شرع في تنميتها وتحسينها.
• تدني التحصيل العلمي أو الأداء الوظيفي بعد الوصول إلى مراحل متقدمة من الإجادة والتفوق.
• تغير النظام اليومي من حيث النوم والإستيقاظ، كأن ينام المراهق كثيرًا أو لا ينام على الإطلاق لفترات زمنية متواصلة وطويلة.
• النَّهَم والشراهة في تناول الطعام، أو فقدان الشهية والعزوف عن تناول الطعام.
• فقدان التركيز، والذي قد يتطور إلى فقدان القدرة على تذكر الأشياء والأحداث القريبة وهو ما يُعرف طبيًا باسم (الخرف الكاذب) وهو ناتج عن الإكتئاب المزمن المُهمل عِلاجه إذا لم ينتج عن سبب عضوي وهو ما تُثبته الفحوصات مثل صورة الرنين، وعلاجه بالأساس هو تناول مضادات الإكتئاب.
مما سبق كله يتبين أهمية متابعة الأهل لسلوكيات الأبناء في عمر المراهقة للتمكن من التدخل الفوري بعد ملاحظة أية تغيرات تطرأ على حياة وسلوكيات المراهق للحيلولة دون تأثير هذه التغيرات على حياته الشخصية والعملية والمهنية والدراسية، وكذلك لتفادي مضاعفات الإكتئاب النفسية والتي قد تصل إلى شروع المُكتئب في إنهاء حياته أو إنهاء حياة من حوله.
هل يتسبب تناول أدوية الإكتئاب في إدمانها؟
ألمح “د. تامر” إلى أنه من المفاهيم الخاطئة الشائعة بين الناس أن أدوية الإكتئاب تؤدي إلى الإدمان، وفي البداية لابد من التفريق بين شيئين، أولهما أن طبيعة المرض قد تحتاج إلى فترة زمنية طويلة للعلاج كأي مرض عضوي مزمن، وبالتالي سيتم تناول الأدوية لفترات زمنية طويلة وقد يمتد التناول إلى مدى الحياة، فهو ليس إدمان ولكن طبيعة البرنامج العلاجي تتطلب ذلك. والشيء الثاني هو وجود مجموعة بسيطة من الأدوية التي يؤدي تناولها بشكل خاطيء إلى إدمانها، وفي هذه الحالة يتجنب الأطباء النفسيين وصفها أو يصفونها للمريض لفترات زمنية بسيطة وبجرعات محدودة الكمية لتحصيل الأثر العلاجي وتجنب الآثار الجانبية الأخرى.
وبشكل عام لا يحدد الطبيب النفسي البرنامج الدوائي من مضادات الإكتئاب إلا بعد التدقيق في الكثير من العوامل الصحية الخاصة بالمريض وحده مثل الجنس والعمر ودرجة شدة المرض والأثر العلاجي للدواء مقارنةً بآثاره الجانبية الأخرى. وكذلك يعتبر علاج الإكتئاب في مراحله الأولى أكثر سهولة ويسر وأقل كُلفة مادية وأقل خطورة وأكثر نجاعة من حيث النتائج وسرعة تحقيقها.
هل النساء أكثر إصابة بالإكتئاب أم الرجال؟
اختتم “د. تامر المصري” حديثه مؤكدًا على أن كل الدراسات الطبية العالمية أشارت إلى أن النساء أكثر عُرضة للإصابة بالإكتئاب من الرجال، ويرجع ذلك إلى كثرة التغيرات الهرمونية التي تحدث بمعدل متقارب مع كل دورة شهرية، وكذلك للتغيرات الهرمونية التي تحدث بعد إنقطاع الطمث، بل وأكدت أن إهمال علاج الإكتئاب المزمن الذي يُصيب السيدات بعد إنقطاع الحيض قد يتطور إلى مرض الذُهان وهو الإصابة بالهلاوس السمعية والبصرية وسيطرة الأفكار الخاطئة والشريرة على السيدة في هذا العمر المتقدم. وهو ما يُوجب على من حولها مراقبتها ومراقبة سلوكياتها كما هو الحال مع المراهقين والشباب.