التدخين أحد أهم طرق الترفيه التي اخترعها الإنسان لنفسه لكي تحقق له بعض الراحة، أو تخفف عنه بعض الضغوط، واتخذ منها متنفسًا لانفعالاته وغضبه، متناسيًا الأثار الوخيمة التي تنتج عن تلك الوسيلة، من أضرار نفسية واجتماعية والأهم الأضرار الصحية التي تهدده بالأمراض الفتاكة، وتذهب بعافيته وتألقه، بل وتؤدي به إلى الموت في بعض الأحيان.
اخترع الإنسان لنفسه سلاحًا فتاكًا يسلطه على صحته، ثم راح يندد ويصرخ ويصرح بأضرار التدخين وأثاره، وأصبح كثير من الجهات التنموية والتوعوية بل والحكومية كذلك تحذر من التدخين وخطورته على الشباب والمراهقين، والتركيز على آثاره السلبية والمناداة بالإقلاع عنه، لدرجة دفعت مصانع الدخان لكتابة التعليق الأكثر استفزازًا على الإطلاق على علب الدخان المختلفة “التدخين يسبب سرطان الرئة” أو “احذر التدخين يسبب الوفاة” في مشهد ساخر يسفه العقول ويعكس فراغها وغيابها.
ومع كل تلك المحاولات للتحذير من التدخين والحث على تجنبه والإفلات من براثنه نجد أن ظاهرة التدخين في تزايد مطرد وخاصة بين فئة الشباب وبناة الغد، ومن ثم يواجهنا سؤال منطقي يطرح نفسه على مسرح القضية، وهو: ما هي أسباب اقبال الشباب على التدخين وزيادة معدلات المدخنين بصورة مستمرة وملحوظة؟
وهنا سنتبنى لإجابة عن هذا السؤال لافتين النظر إلى أهم الأسباب الاجتماعية والأخلاقية والتربوية كذلك، والله الموفق والمستعان.
أسباب الإقبال على التدخين
هناك عدة أسباب تدفع الشباب إلى طريق التدخين وتغريهم باعتياده والاستمرار فيه، برغم أضراره الكثيرة ولعل من أقربها اهدار المال وتضييعه، وخاصة مع ارتفاع أسعار منتجات التدخين المختلفة، وقد يجتمع عند الشخص سببين أو أكثر من أسباب التدخين، والتي من أهمها ما يلي:
أسباب التدخين النفسية
حُب الاستطلاع: يعتبر الفضول والرغبة في استكشاف تجربة التدخين السبب الرئيسي في انزلاق معظم الناس في هاوية التدخين، ومعظم قصص الشباب مع التدخين بدأت بتجربته بدافع الاستطلاع، دون أي نية مسبقة للتورط أو للاستمرار فيه.
الرغبة في محاكاة الكبار: في مرحلة المراهقة حيث التمرد على الطفولة وقيودها ومفاهيم التوجيه والنصح والإرشاد، يتطلع الشباب إلى محاكاة الكبار والتصرف مثلهم، وتحمل المسئولية وفرض السيطرة على الآخرين والتصرف بحرية ودون الرجوع لأحد، يأتي مظهر التدخين ليجمع لدى المراهق كافة مفاهيم التمرد والمسئولية والحرية، فيخوض التجربة معتقدًا أن في ذلك معنى الرجولة ومظهرها، ويؤيد ذلك رفضه لأي انتقادات أو توجيهات حتى إن كانت لصالحه.
الفراغ النفسي والعاطفي وغياب الهدف: الشباب في مرحلة المراهقة تستهويهم جداً فكرة الأهمية والفاعلية، فيستقيم حاله وتستوي صحته النفسية والانفعالية كلما شعر بالأهمية، وكلما كان مشبعا عاطفيًا، وكلما كان له هدف واضح وقضية حقيقية يعيش لأجلها، فإذا غابت تلك العوامل استشعر الشاب الفراغ وغياب الهدف وعدم القيمة وقاده التخبط والارتباك إلى طريق التدخين.
أسباب التدخين الاجتماعية
غياب الرقابة: غياب رقابة أولى الأمر من الأمهات والآباء والقائمين على مؤسسات التربية والتعليم يعطي فرصة مناسبة جدًا للخوض في تجربة التدخين واستحسانها بل والاستمرار فيها.
التفكك الأسري: التفكك الأسري أو انفصال الأبوين يخلق حالة من الوحدة والاضطراب وعدم المبالاة من قبل الشاب، فيستجيب لرغباته في تجربة التدخين ويستغل انشغال الأبوين بخلافاتهم ومشاكلهم ليمارس هو رغباته السقيمة دون ضابط أو رابط.
الأصدقاء: الأصدقاء هم أكثر من يؤثر في حياة المرء فمتى كان الأصدقاء متمردين سيّئوا الخلق، يعدمون الرقيب عليهم كانوا سببًا رئيسيًا في استدراج الشاب إلى هوة التدخين والاستمرار فيه.
أوقات الفراغ: فراغ الوقت يدفع الإنسان إلى ملئه بأي شيء، بغض النظر عن كونه نافعًا أو ضارًا، فلا أحد يتحمل الفراغ، فمتى اجتمع الفراغ مع عوامل التفكير المضطرب كان الشباب أسرع لجوءًا إلى التدخين وممارسته.