إن المحطة المهمة في حياة كل إنسان ليعيش مرتاحاً البال هي التخفيف من بعض الأثقال والتخلي عن أشياء مقابل حمل ثقل واحد آخر أفضل وأحسن، وهنا يتوارد لذهننا مصطلح ” التخلية قبل التحلية ” وهو المصطلح الذي يعني ضرورة التخلص من كافة الأفكار والذكريات والمواقف السلبية الموجودة في دماغنا وألا نتركها تسيطر علينا سلباً، ثم يستوجب علينا ضرورة استبدال تلك الأفكار السلبية بأخرى إيجابية.
ما المقصود بمفهوم التخلية قبل التحلية؟
ترى الدكتورة أماني جوزع ” مدربة في مجال العلاقات الاجتماعية ” أن مفهوم التخلية يعني التفريغ أو الاستغناء عن بعض الأشياء وإزالتها حتى نستطيع أن نُحلِّي ونأتي بأشياء أخرى جديدة لتدخل إلى حياتنا.
والتخلية هنا كما نعني بها تتمثل في مثال الملابس القديمة التي نتطلع إليها في منازلنا ونود تغييرها لنأتي بملابس أخرى جديدة مما يضطرنا إلى عمل جرد إلى هذه الخزانة التي تحوي هذه الملابس القديمة ونتخلص من بعضها حتى يمكننا الإتيان ببعض الملابس الجديدة الأخرى بدلاً منها، وهذا نفسه ما ينطبق على دماغنا حيث يجب علينا تفريغ منها بعض الأشياء الغير مهمة والتي تأخذ بعض المناطق داخل الدماغ، ومن الممكن أن تكون هذه الأشياء متمثلة في:
- الذاكرة.
- الأفكار السلبية.
- الأحداث التي مرت بنا في الماضي أو في الحاضر.
- الأفكار المستقبلية.
وهنا لابد لنا من الاستغناء عن بعض الأشياء في ذلك الدماغ والتي تأخذ حيزاً كبيراً منه لكي نتمكن من الإتيان بأشياء أخرى جديدة تزودنا أو تشحننا بمبدأ التحلية، وهذا هو مختصر مفهوم التخلية قبل التحلية الذي يُبنى في الأساس على أن الدماغ عبارة عن خزان يستوجب علينا تفريغه من كل ما هو سيء ليمتلئ في المقابل بكل ما هو حسن أو جيد.
كيف يمكننا عملياً تمييز ما يمكننا تفريغه من الدماغ أو ملأه فيها؟
بشكل عملي يمكننا القول بأن دماغ الإنسان الآن يُعد مشغولاً بأمور كثيرة وصغيرة إلى حد ما كالمشاكل المتعددة والظروف السيئة والأحداث المريرة التي يمر بها والأخبار التي يسمعها أو يقرأها عبر social media، ومن ثم حين نتطلع إلى وقتنا في اليوم ونقوم بعمل جرد للدماغ فإننا نشعر بوجود وقت ضائع بدرجة كبيرة من حياتنا، وهذا الوقت الضائع من الممكن يمكن الاستغناء عنه واستغلاله في أمور أخرى أكثر جدية وإفادة.
على سبيل المثال، عند الجلوس للتصفح على الفيس بوك أو أي موقع آخر من مواقع التواصل الاجتماعي فإن الوقت يسرقنا إن صح التعبير لساعة أو أكثر خلال اليوم مما يُعد مضيعة للوقت، ومن ثم يستدعي منا ضرورة الانتباه إلى هذا الوقت والفرص التي ضاعت علينا فيه والتي كان من الممكن استغلال الوقت الضائع لنقوم بها.
إن المعادلة الصحيحة لمفهوم التخلية قبل التحلية يجب أن تُحسب بشكل أكثر دقة حيث أن الإنسان حين يضيع من وقته كل يوم مقدار 5 أو 10 دقائق في أمور غير مجدية فإنه يأتي آخر السنة وقد ضيع من حياته أو وقته السنوي مقدار 4 أو 5 أيام كان من الممكن أن يقوم هذا الشخص باستغلاله في شيء آخر جديد يعود بالنفع عليه سواء بتعلم مهارة جديدة أو القيام بسلوك ما.
من الضروري كذلك أن يضع الإنسان لنفسه عدة قرارات وتحديات ويعمل جاهداً للوصول إليها بل ويخطط لذلك، ومثال على ذلك كالمتقدم لشغل وظيفة ما والذي يستدعي منه ضرورة تحديث CV الخاص به بشكل دوري مع تحديث المهارات المكتسبة عنده بصفة مستمرة لأن الإنسان كما البطارية يتحمل الكثير من الأعباء ومن الصعب عليه التخلص من تلك الأعباء أولاً بأول ولكنه يحملها معه لسنوات أخرى قادمة في حياته.
وختاماً، إن علمية التحلية لابد أن تدار عبر إجراء صحيح تجاه الألم الذي يشعر به الإنسان عند الإقدام على هذا الأمر، وذلك مثل المريض الذي يقوم بإجراء عملية جراحية معينة، ومن ثم لتفادي تعرض هذا الجرح لأي فيروس أو التهاب فإننا نلجأ إلى تطهير هذا الجرح بالطريقة الصحيحة، وقد نعني بالفيروس أو الاتهاب حينئذ بخيبات الأمل المتلاحقة على الإنسان، لذلك فإن الألم هو جزء من الأجزاء التي في حال تعاملنا معها بشكل جيد فإنه يعطينا فرصة للعيش بسلام وبسعادة وفرح أكثر.